في ظل تصاعد الاحتجاجات الشعبية في الجزائر واتساع حملة "#مانيش_راضي"، يبدو أن السلطة باتت تواجه مأزقًا سياسيًا متزايدًا، خاصة بعد أن أعلنت عن إصدار عفو رئاسي عن عدد من المعتقلين السياسيين. هذه الخطوة، رغم أهميتها الظاهرية، تحمل بين طياتها دلالات متعددة تتعلق بموقع السلطة من الاحتجاجات، ومحاولتها تهدئة الوضع الداخلي الذي يشهد غليانًا غير مسبوق. من المهم قراءة توقيت العفو الرئاسي في سياق الظروف السياسية الراهنة. إعلان العفو جاء بالتزامن مع اشتداد حملة "#مانيش_راضي" على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي حملة تعبر عن سخط شعبي واسع ضد الفساد، وسوء الإدارة، وغياب العدالة الاجتماعية. هذه الحملة، التي أخذت صدى شعبيًا كبيرًا، كشفت عن حجم الهوة بين السلطة والمجتمع، مما اضطر القيادة السياسية إلى تقديم تنازلات متمثلة في العفو كخطوة استباقية لتخفيف التوتر. بيان الرئاسة، الذي ربط العفو بإجراءات التهدئة، يعكس قلقًا واضحًا من انفجار الوضع. فالتهدئة ليست فقط مطلبًا شعبيًا، بل أصبحت ضرورة ملحة للسلطة للحفاظ على استقرارها وسط دعوات متصاعدة للاحتجاج والمطالبة بالتغيير. الجزائر ليست غريبة عن الاحتجاجات الشعبية، لكن ما يميز الوضع الحالي هو تنامي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي كأداة فعالة لتعبئة الجماهير والتأثير في الرأي العام. حملة "#مانيش_راضي" ليست مجرد شعارات عابرة، بل هي تعبير عن وعي شعبي متزايد وقدرة على التنظيم الرقمي الذي يربك حسابات السلطة. ما يزيد من تعقيد الموقف هو أن الاحتجاجات لم تعد مقتصرة على مطالب اقتصادية أو اجتماعية، بل أصبحت تشمل قضايا سياسية وحقوقية، مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وضمان الحريات العامة. خطوة العفو قد تكون جزءًا من استراتيجية شاملة للتهدئة، لكن السؤال يبقى: هل تكفي هذه الخطوة لامتصاص الغضب الشعبي؟ أم أنها ستُفسر كإقرار ضمني بضعف السلطة أمام الضغط الشعبي؟ التجارب السابقة تشير إلى أن مثل هذه الخطوات قد تؤدي إلى تهدئة مؤقتة، لكنها لا تعالج جذور الأزمة. فالمواطن الجزائري لم يعد يكتفي بالإصلاحات السطحية، بل يطالب بتغييرات جذرية تضمن تحقيق العدالة والمساواة وتضع حدًا لهيمنة النظام السياسي التقليدي. العفو الرئاسي يعكس مأزق السلطة الجزائرية بين ضرورة الحفاظ على الاستقرار والخوف من التصعيد الشعبي. ومع تصاعد الدعوات للاحتجاج وزيادة الوعي الشعبي، يبدو أن المشهد السياسي الجزائري يدخل مرحلة جديدة قد تفرض على القيادة السياسية خيارات صعبة في المستقبل القريب. فهل ستتمكن السلطة من إعادة بناء الثقة مع الشعب، أم أن موجة الاحتجاجات ستتسع لتعيد رسم ملامح النظام السياسي في الجزائر؟