ليس من المستغرب أبداً أن يعمد نظام الملالي في إيران إلى التعبير عن موقف معادٍ للوحدة الترابية للمغرب، ويعلن ذلك صراحة أمام اللجنة الرابعة للأمم المتحدة. ليست هذه هي المرة الأولى التي تفعل فيها طهران ذلك، ولن تكون الأخيرة. لكن هناك سياق خاص يميز هذا الظهور الإيراني العدائي ضد المغرب في الوقت الحالي. ويجب أن نتوقف عنده بالقراءة والتحليل. ومن المؤكد أننا لن نستطيع فهمه جيداً خارج سياق ما يحدث على الصعيد الإقليمي، ولا سيّما منذ أن بدأت الدينامية الدبلوماسية الإيجابية في قضية الصحراء المغربية، تتجه نحو تحقيق مكاسب وحدوية صريحة، بفضل اعترافات دول كبرى بسيادة المغرب على صحرائه، وكان آخرها اعتراف فرنسا. لماذا تعود إيران إذاً إلى خطابها العدائي بهذه الحدّة؟ من المؤكد أن العامل الأول يرتبط بالعزلة التي يشعر بها نظام الملالي بسبب تورطه في إشعال حروب بالوكالة في منطقة الشرق الأوسط، وتسبّبه في تهديد استقرار دول عربية عديدة، على رأسها لبنان، التي تعيش اليوم على إيقاع عدوان إسرائيلي غاشم، رداً على تنظيم حزب الله التابع لإيران. والذي يتابع النقاش السياسي الدائر في بيروت يدرك أن الضربات القوية التي تلقاها حزب الله، وضعت طهران في موقف حرج وحساس بسبب مخاوفها الشديدة اليوم من فقدان ذراع كانت تمثل ورقة ضغط كبيرة في المنطقة، لتحقيق بعض المكاسب الجيواستراتيجية التي تبحث عنها إيران، وعلى رأسها انتزاع الاعتراف الدولي ببرنامجها النووي. تشعر إيران بعد أن دخلت في مواجهة مباشرة مع إسرائيل أن بإمكانها إطلاق نيرانها العشوائية كيفما اتفق، وتبدو كالثور الهائج الذي فقد البوصلة. لكنها لا تفعل ذلك فقط بدافع الخروج من العزلة فقط. هناك سبب ثانٍ لا يقلّ أهمية ويرتبط بمنطقتنا المغاربية. كلّنا نعلم أن الجزائر تعتمد منذ فترة طويلة على إيران وسوريا كحليفين استراتيجيين، يتناغمان مع العقيدة السياسية العسكرية لهذا النظام. ونعلم أيضا وفقاً لما كشفته تقارير استخباراتية عديدة أن إيران تورطت في دعم جبهة البوليساريو بوساطة من الجزائر بالسلاح والتدريب على يد ميليشيا حزب الله، وعملت على تزويدها بالأسلحة، ولا سيّما الطائرات المسيّرة التي تعد سلاحا فتاكا توظفه إيران اليوم لكسب نفوذ دولي وإقليمي، كما فعلت مثلاً مع دول كبرى مثل روسيا. نكاد نجزم أن ما صرحت به المندوبة الإيرانية أمام اللجنة الرابعة كان بطلب مباشر وإلحاح من النظام الجزائري، الذي يعيش هو أيضا عزلة مشابهة بعد أن رأى أن أطروحة الانفصال دخلت معترك الاحتضار والأفول. تحاول إيران عبر تصريحاتها العدائية ضد المغرب أن تمنح الجزائر نفسا جديدا وثقة متجددة في إمكانية استمرار العمل على أطروحة الانفصال ومشروع تقسيم المغرب، والنيل من وحدته الترابية. ولعلّ هذا الموقف الإيراني المساند لرواية الجزائر، يتقاطع أيضا مع عامل ثالث لا يخلو من الراهنية. إنه يرتبط بالعقيدة التوسعية للنظام الإيراني. فمن المعروف أن هذا النظام أخذ على عاتقه مهمة شيطانية تتمثل في دعم الكثير من حركات التمرد والانفصال عبر العالم. ومن المؤكد أن الدور الذي لعبه المغرب في التصدي للمدّ الشيعي في غرب إفريقيا منذ نحو عقدين من الزمن، يثير امتعاض مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخامنئي، وقادة مجلس تشخيص مصلحة النظام في طهران. لقد نجحت إيران منذ الثورة في تصدير جزء من عقيدتها السياسية إلى الكثير من بلدان الجوار، ولا أدلَّ على ذلك أنها أضحت اليوم تسيطر على عواصم عربية عديدة مثل دمشق وبغداد وصنعاء وبيروت. وهي ترغب منذ زمن طويل في نشر هذه السيطرة ومدّ هذه الهيمنة غرباً تّجاه الدول الإفريقية. وقد نجحت فعلا في زرع بذور التشيع في بعض البلدان، لكنها لم تستطع أن تحول هذه التنظيمات الدينية الموالية لها إلى حركات تحمل مشاريع سياسية في بلدانها. والفضل في إفشال هذا المشروع يعود في جانب كبير منه إلى الدور الذي لعبه المغرب في تحصين الأمن الديني، ولا سيّما في منطقة غرب إفريقيا المرتبطة ارتباطا روحيا تاريخيا بالمغرب، عبر مذاهبها الصوفية مثل الطريقة التيجانية وغيرها. وكذا من خلال المشاريع التكوينية التي أشرفت عليها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لتكوين أئمة ينحدرون من دول إفريقيا جنوب الصحراء، في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات بالرباط. لهذه الأسباب من الطبيعي أن يُظهر النظام الإيراني الذي يسعى دائما إلى لعب أدوار إقليمية بارزة عداء صريحا ضد استقرار المغرب ووحدته الترابية.