تصريحات السفيرة الأميركية في الجزائر إليزابيث مور حول اعتراف إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء كانت صادمة فعلاً للكابرانات. هناك صمت مطبق يكاد صداه ينتشر في كامل شمال إفريقيا، بعد أن صرّحت السفيرة الأميركية لصحيفة لاباتري نيوز الجزائرية (la patrie news) بأن اعتراف إدارة ترامب "واقع تاريخي" ولذلك لم يكن باستطاعة الرئيس جو بايدن تغييره. العويل الذي أثارته هذه التصريحات في الجزائر لا حدود له، لكن الكابرانات بلعوا ألسنتهم ولم يستطيعوا الرد على هذا الكلام الرسمي الصادر عن أعلى سلطة دبلوماسية أميركية في البلاد. إنها السفيرة التي يحاول قادة الكابرانات باستمرار استمالتها والتغني بمواقفها المؤيدة للجزائر، تعلنها صريحة وواضحة. اعتراف إدارة ترامب بمغربية الصحراء حقيقة تاريخية لا رجعة فيها. من المفروض أن تثور ثائرة نظام الكابرانات ويبادر قادته إلى اتخاذ قرارات عقابية ضد السفارة الأميركية في الجزائر. لماذا لم تقرر السلطات الجزائرية استدعاء السفيرة الأميركية وتوبيخها؟ ما الذي يؤخر اتخاذ قرار طردها من البلاد؟ نحن نعلم أن هذا النظام الجبان يستقوي فقط على ممثلي الدول الضعيفة، وليس بإمكانه أن يتخذ مواقف مماثلة عندما يتعلق الأمر بالقوى العظمى. لقد سبق لنظام الكابرانات أن زعم اتخاذ قرارات عقابية تجارية ضد إسبانيا بعد أن أيدت خطة الحكم الذاتي واعتذرت عن سلوكياتها السابقة، ثم سرعان ما تراجع النظام الجزائري عن تهديداته مباشرة بعد توبيخ رسمي من الاتحاد الأوربي. والظاهر أن الكابرانات قد استوعبوا الدرس جيدا. العنتريات والمواقف الاستعراضية لا جدوى منها، ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن تغير الواقع. اعتراف الولاياتالمتحدة بمغربية الصحراء كان قرارا سياسيا شجاعا اتخذه رئيس أميركي شجاع، يعرف قيمة المغرب، ويفهم حقيقة التاريخ وخلفيات تأسيس جبهة البوليساريو في سياق صراع الحرب الباردة. وعندما قرر إنهاء هذا النزاع المفتعل من جانب أميركي فقد فعل ذلك أيضا وعياً منه بمستقبل المنطقة والتحولات المرتقبة فيها. إدارة ترامب كانت تدرك أنّ وهم الدويلة المستقلة قد انتهى ولم يعد له أيّ أفق، وأن الحل الوحيد للنزاع هو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. والخبر السار الذي سيزعج قادة الكابرانات كثيراً أن الرئيس دونالد ترامب عائد على الأرجح إلى البيت الأبيض نظراً إلى أن حظوظه أضحت وفيرة جدا. ما الذي سيفعله الكابرانات حينها؟ هل يستطيعون قطع العلاقات مع واشنطن؟ نحن في المغرب لا ننتظر أصلا اعتراف هذا البلد أو ذاك، لأن عقيدة مغربية الصحراء تسكن دمائنا ووجداننا الجماعي، لكن من المهم أن نتحلى بقدر من الواقعية وأن ننتبه إلى ما يحدث من حولنا. ودبلوماسيتنا واعية جدا بهذا المعطى منذ زمن طويل، فالمغرب ليس بلدا في كوكب معزول، بل هو جزء من المنتظم الدولي، ويعي جيدا مسؤولياته وحدوده ويدافع عن حقوقه الشرعية في إطار احترام تام للشرعية الدولية. هذه الواقعية التي تحكم منطق إدارة العلاقات الخارجية لبلادنا هي التي يفتقدها نظام الكابرانات المعزول والمنفصل تماما عمّا يحدث في العالم من تطورات وتحولات. لا تكفي إذاً العنتريات الفارغة لانتزاع مكانة مفقودة. على هذا النظام الذي فقد البوصلة أن يعرف أن دولا مثل الولاياتالمتحدة الأميركية لا يمكن أن تغير مواقفها بين عشية وضحاها، وأن الاستقواء على الضعفاء وابتزازهم بالمساعدات والرشاوى لا يمكن أن ينجح مع الدول الكبرى التي ترسم استراتيجياتها الخارجية على مدى عقود مستقبلية. بايدن ليس هو قيس سعيد أو أمثاله، وما ينطبق على بعض القادة المصطنعين الذين سقطوا سهوا على مسرح القيادة في بلدانهم لا يمكن بأيّ حال من الأحوال أن ينطبق على الرؤساء المنتخبين الذين يمثلون شعوبا وإدارات راسخة وتجارب سياسية أو ديمقراطية عريقة. على الكابرانات أن يستعدوا إذاً لافتتاح القنصلية الأميركية الجديدة في الأقاليم الجنوبية بعد إعادة انتخاب دونالد ترامب، وليتجرؤوا حينها على طرد السفيرة الأميركية.