تهديد نظام الكابرانات بوقف توريد الغاز إلى شركة ناتورجي الإسبانية إذا فتحت أسهمها أمام الرأسمال الاستثماري الإماراتي يمثل مرحلة جديدة في المسلسل العدائي الذي بدأه هذا النظام تّجاه دولة الإمارات العربية المتحدة. أطلق هذا المسلسل بأسلوب مستفز الرئيسُ الجزائري عبد المجيد تبون خلال المقابلة الدورية التي أجراها مع وسائل الإعلام الجزائرية في نهاية مارس الماضي. تضمّن خطابه حينها تهديدات مبطّنة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة دون إشارة مباشرة إليها، وهو الأمر الذي أثار استغراب الكثير من المراقبين والدبلوماسيين في العالم العربي على الخصوص. كيف يُعقل أن يطلق رئيس دولة تهديدات واتهامات جزافية دون إبراز الأدلة أو البراهين على الكلام الذي يدّعيه؟ لكنّ التهديد الجديد بوقف توريد الغاز إلى شركة أجنبية لمجرّد احتمال دخول رأسمال عربي فيها، يؤكد بالملموس أن نظام الكابرانات اتّخذ رسميا خيار القطيعة مع دولة عربية شقيقة، على الرغم من أنّها فاعل اقتصادي كبير داخل الجزائر نفسها، ومساهم في الكثير من الاستثمارات بها. وشركة أبو ظبي الوطنية للطاقة فاعل رئيسي من الفاعلين الكبار في العالم، وتمتلك استثمارات عديدة في كبريات شركات الطاقة والغاز عبر العالم. ومن الغريب أن تجد نوايا هذه الشركة في الاستثمار في شركة إسبانية هذا النوع من ردّ الفعل من بلد عربي شقيق، يدّعي باستمرار حرصه على تعزيز الوحدة العربية والتكامل الاقتصادي بين دول المنطقة. لكن ما الذي يدفع نظام الكابرانات فعلا إلى اتخاذ هذا الموقف العدواني المجّاني وغير المبرّر؟ جزء من الجواب نجده عندنا نحن في المغرب دون مواربة أو تردّد. دخول نظام العسكر في الجزائر في مواجهة مع دولة الإمارات العربية المتحدة يجد تفسيره الأول في توجّهات أبوظبي الوحدوية التي تعمل على التقليل من دائرة النزاعات الانفصالية في العديد من الدول العربية. على سبيل المثال تعدّ دولة الإمارات العربية من أوائل الدول العربية التي بادرت إلى اتخاذ خطوة سياسية جريئة بإعلان فتحت تمثيلية دبلوماسية في أقاليمنا الجنوبية. ومنذ ذلك الحين أصبحت في نظر نظام العسكر بلدا عدوا يجب التعامل معه بهذا النوع من الحساسية والتهجّم. لنكن صرحاء، هذا هو السبب الرئيسي لهذه الأزمة التي يفتعلها نظام شنقريحة. وما حدث من ردّ فعل متشنج تجاه مواقف الإمارات في الصحراء المغربية، تكرّر أيضا من نظام العسكر تجاه مواقفها في ليبيا والسودان ومالي على سبيل المثال. ومن ثمّ فإنّ التوجّس غير المنطقي من دخول الاستثمارات الإماراتية إلى قطاع الطاقة من خلال شركة ناتورجي الإسبانية يمثّل حلقة جديدة من حلقات هذه الحساسية التي نشأت في أعقاب تأكيد الإمارات العربية المتحدة دعمها المطلق والصريح لوحدتنا الترابية. ونحن واثقون طبعا أن الموقف الإماراتي المستند إلى التزام أخلاقي بمقومات الوحدة العربية والتاريخ المشترك لن يتغير أبدا مهما كانت الظروف، ولا سيّما بعد التوقيع على بنود الشراكة الاستراتيجية الجديدة بين المغرب وأبوظبي. ولكن هل النظام الجزائري واثق فعلا من قدرته على خوض هذا التحدي؟ هل نظام الكابرانات قادر على الإخلال بالتزاماته في إطار عقود توريد الغاز إذا ما تمت صفقة الاستحواذ على أسهم ناتورجي؟ إذا استندنا إلى عقلية العناد وثقافة التشنج التي تميّز هذا النظام فهناك احتمال كبير أن ينفذ تهديده بوقف التوريد على الرغم من التداعيات الاقتصادية الهائلة التي يمكن أن يؤدي إليها ذلك. فما دام هذا النظام يتحكّم في مقدّرات الشعب الجزائري دون حسيب أو رقيب، فإنه سيظل مستعدا على ما يبدو للإمعان في تعميق عزلة البلاد وفصلها عن محيطها الثقافي والسياسي والاقتصادي حتّى لو كان ذلك يعني المزيد من الخسائر والغرامات المدفوعة من ثروات الجزائريين البسطاء. لكن من جهة أخرى فإنّ الالتزامات الهائلة التي تقع على عاتق الطرفين الجزائري والإسباني ستشكل فعلا ضغطا حقيقيا على قدرة هذا النظام المرتبك على التعامل مع هذه الأزمة الجديدة.