يبدو أن حركة حماس لم تُعدّ العدّة العسكرية والبشرية فقط لمواجهة إسرائيل والعدوان على قطاع غزة. هناك تفوق واضح على مستوى الحرب النفسية أيضا بين الطرفين. فالطريقة التي تدير بها الحركة عمليات التواصل اليومي والرسائل الموجهة إلى الداخل الإسرائيلي والمحيط العربي وجهود التوجيه المعنوي للفلسطينيين من المدنيين والمقاتلين تُظهر أن المقاومة الفلسطينية حضّرت جيدا لمعركة 7 أكتوبر وما بعدها. والظاهر أن التركيز على تهييج المواطنين الإسرائيليين ضد حكومة بنيامين نتنياهو يمثل الخيط الناظم والغاية المركزية التي توجه حملة الحرب النفسية التي تخوضها حماس ضد إسرائيل. ظهر ذلك بجلاء في نداء الأسيرات الإسرائيليات الثلاث الذي أذاعته الحركة. عندما نحلل هذا المقطع سيميولوجيا تبدو علامات اليأس الظاهرة على ملامح الأسيرات الثلاث بمثابة الإشارة المركزية التي تريد حركة حماس أن توصلها إلى المجتمع الإسرائيلي. ثلاث نساء إسرائيليات من أعمار مختلفة يجلسن في مكان مجهول المعالم، وقد فقدن كل ارتباط بمحيطهن الخارجي وتتحدث إحداهن باللغة العبرية. الحرص على اختيار أسيرات من اليهود الشرقيين كما يبدو من ملامحهن بدلا من اختيار أسيرات من يهود الإشكيناز الأوربيين يمثل أيضا رسالة مركزية في هذا المقطع، الغاية منها تذكير المجتمع الإسرائيلي بأوجاعه الداخلية والتوجه العنصري الكامن والقديم الذي يخترق مجتمعا يميز بين مواطنيه على أساس أصولهم وانتماءاتهم العرقية. ومن الواضح أن هذا البعد يهدف إلى إحراج القيادة الإسرائيلية أمام عائلات الأسرى. على المستوى الدلالي حاولت حركة حماس أن تُظهر الرسالة التي نقلتها الأسيرة الإسرائيلية نيابة عن رفيقتيها عفوية وتلقائية، لا سيّما عندم ستلتفت تلك الأسيرة نحو رفيقتها لتتأكد من أن مدة الأسر بلغت 23 يوما. لكن كلمة السر في هذا الخطاب الذي ألقته تلك الأسيرة هو "بيبي" وهو اللقب الذي يطلق على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. تدرك حماس جيدا أن رئيس الحكومة هو الحلقة الأضعف اليوم في القيادة الإسرائيلية وأن مستقبله السياسي الذي انتهى يوم 7 أكتوبر ينتظر فقط إعلان الوفاة الرسمي. لذلك عندما تُحمّل الأسيرة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو مسؤولية فشله في حماية المستوطنات وفشله أيضا في الحرب التي يخوضها وإصراره على عدم تحرير الأسرى فإنها تحاول زيادة الضغط على الرجل الذي يمثل ربما في الوقت الراهن الإسرائيلي الوحيد الذي من مصلحته أن تستمر الحرب. فنهاية الحرب تعني نصب مشنقته استعدادا لمحاكمته. وفي نهاية هذه الرسالة لا بد من الوقوف عند كلمة مركزية ختمت بها الأسيرة الإسرائيلية خطابها: "أخشاف" التي تعني باللغة العربية "الآن". استخدام هذا اللفظ في هذه الرسالة يؤكد أنها كانت من صياغة قيادة حماس. فهذا الشعار هو الذي ترفعه عائلات الأسرى الإسرائيليين التي تتظاهر يوميا أمام مقر رئاسة الحكومة وترفع شعار الإفراج عن الأسرى وعقد صفقة مع حماس "الآن". الآن أسلوب موجع في الضغط السياسي الذي يتعرض له بنيامين نتنياهو الذي وصف بالمناسبة هذا المقطع بأنه "حرب نفسية قاسية". وهي فعلا كذلك. لقد تفوّقت حماس على القيادة الإسرائيلية تماما فيما يتعلق بالحرب النفسية من كل النواحي، سواء من حيث التقنيات والأساليب الموظفة فيها أو من حيث النتائج والحصيلة التي حصدتها. والقاعدة الأساسية التي تحكم هذه الحرب النفسية هي التركيز أولا وقبل كل شيء على "المجتمع الإسرائيلي". كلما أطلق الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة تسجيلا يلاحظ باستمرار حرص حركة حماس على كتابة عنوانه باللغتين العربية والعبرية. إنها رسائل سيميولوجية عميقة ومؤثرة لا بد أن تترك أثرها النفسي البالغ في الجبهة الداخلية الإسرائيلية. وهذا ما تراهن عليه حركة حماس بالأساس. تدرك حماس جيدا أن استمرار الحرب قد تكون له كلفة بشرية هائلة وقد يفضي إلى خسائر فادحة على مستوى بنياتها التحتية وعتادها وذخيرتها العسكرية، لذا فإن تصعيد الحرب النفسية يمثل في بعض الأحيان السلاح الوحيد الذي تمتلكه الحركة من أجل تحقيق الهدف المرحلي المقبل المتمثل في وقف إطلاق النار والتفاوض على صفقة معينة من أجل تبادل الأسرى.