تسير عملية مواكبة كارثة زلزال الحوز الذي أدى إلى مقتل أكثر من 2900 شخص وإصابة الآلاف بوتيرة سريعة بعد أن أعلن جلالة الملك محمد السادس اليوم عن تخصيص تعويضات معتبرة للأسر المتضررة من هذه الفاجعة في الوقت الذي تتواصل فيه عمليات الإنقاذ وانتشال الجثث. ولم تكد تمض ستة أيام حتى كان برنامج التعويض جاهزا وحُدّدت المبالغ المخصصة له وتصنيفاته حسب مستويات الضرر، وكذا آليات التعبئة المالية التي ستلجأ إليها الحكومة من أجل توفير الاعتمادات الكافية. ويؤكد المغرب من خلال هذه السرعة في التفاعل مع الكارثة أن قراره بالتحفظ على استقبال المساعدات من العديد من دول العالم كان قرارا في محلّه يؤكد قدرة الدولة المغربية الكاملة على التكفّل بأبنائها وبناتها. ظهرت هذه السرعة والفعالية في حصر عدد المنازل المتضررة التي قدرت ب 50 ألف منزل تعرضت إما للهدم الكلي أو الجزئي. كما أن جلسة العمل التي ترأسها الملك محمد السادس اليوم بالقصر الملكي بالرباط أظهرت أن الدولة المغربية لم تتأخر أبدا في اتخاذ الإجراءات الاستعجالية التي ستطمئن المتضررين وأسرهم وكافة المغاربة. وشمل البرنامج الاستعجالي للتكفل بالمتضررين قرارات هامة تشمل إيواءهم في أماكن ملائمة في عين المكان وفي بنيات مقاومة للبرد وللاضطرابات الجوية، أو في فضاءات استقبال مهيأة وتتوفر على كل المرافق الضرورية، علاوة على منح الدولة مساعدة استعجالية بقيمة 30000 درهم للأسر المعنية. ويتمثل البرنامج، من جهة أخرى، في اتخاذ مبادرات فورية لإعادة الإعمار، تتم بعد عمليات قبلية للخبرة وأشغال التهيئة وتثبيت الأراضي. ومن المقرر لهذا الغرض، تقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا. كما شدد صاحب الجلالة، على ضرورة أن يتم إجراء عملية إعادة الإعمار على أساس دفتر للتحملات، وبإشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة. هذه القرارات التي اتخذت في ظرف زمني قياسي تظهر مدى مواكبة الدولة والحكومة ومؤسساتها للكارثة الطبيعية التي ضربت بلادنا، بشكل متوازٍ مع الاستجابة الشعبية التي هبّ فيها المغاربة عن بكرة أبيهم لإغاثة إخوانهم وأهلهم في المناطق المنكوبة. الدولة والشعب يدا في يد إذاً من أجل تخطّي الكارثة وتجاوز انعكاساتها على الأسر والأفراد والانتقال بسرعة كبيرة إلى مرحلة متقدمة في معالجة التداعيات الإنسانية لزلزال الحوز المدمر. واليوم من المتوقع أن يكون لهذه القرارات التي أُعلن عنها صدى طيب ومفعول المهدئ على كافة الأسر التي تعرّضت لهذه الكارثة وتعيش في الوقت الراهن ظروفا هشة وصعبة للغاية نفسيا واجتماعيا ومعيشيا. ولعلّ اتخاذ القرار بعد 6 أيام فقط من الزلزال في الوقت الذي ما تزال فيه أعمال الإنقاذ وانتشال الجثث متواصلة يؤكد بالملموس أن قوة هذا البلد تكمن في هذا التناغم الاستثنائي بين شعب وملكه. ولعلّ المبادرة الملكية السامية التي ستتبرع من خلالها مجموعة المدى بمليار درهم لفائدة الصندوق الخاص بتدبير الآثار المترتبة على الزلزال تؤكد بالملموس هذا التلاحم التاريخي الذي رأيناه أيضا خلال جائحة كوفيد 19. وتؤكد هذه القرارات الشاملة والمتنوعة قدرة بلادنا على الصمود ومواجهة الأزمات بجهدها الوطني المحلي دونما حاجة إلى منّ أو مساعدة من بعض الأنظمة المتعجرفة التي تنتظر أن ترى هذا البلد منهارا مستسلما أمامها. ولعلّ هذه الفاجعة التي صدمت المغاربة في البداية كانت تنطوي في قلبها على الكثير من المنح والنعم. ومثلما خرجنا من جائحة كوفيد 19 بدولة اجتماعية تبحث عن التكفّل الطبي بمواطنيها دونما استثناء عن طريق تعميم الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، فإننا نرى اليوم رأي العين كيف تتجه الدولة مرة أخرى إلى إثبات بعدها الاجتماعي من جديد لإخراج أقاليم المغرب الجبلي في أفضل حلّة وأحسن حال بعد أن أكد جلالة الملك محمد السادس ألّا تعمل الإجراءات فقط على إصلاح الأضرار التي خلفها الزلزال، ولكن أيضا إطلاق برنامج مدروس، مندمج، وطموح من أجل إعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة بشكل عام، سواء على مستوى تعزيز البنيات التحتية أو الرفع من جودة الخدمات العمومية.