قلنا ذلك سابقا على هذا المنبر مباشرة بعد المباراة الأولى أمام المنتخب الألماني: علينا أن نفخر بأداء لبؤات الأطلس مهما حدث. التأهل إلى كأس العالم للسيدات كان في حد ذاته إنجازا تاريخيا لكرة القدم المغربية والعربية. ولمسة عميقة في مسار التحول الاجتماعي والنظرة التي يحملها المغاربة عن المرأة وقدراتها ومؤهلاتها الرياضية والإبداعية. واليوم بعد المباراة التاريخية أمام المنتخب الكولومبي، تنقلنا لبؤات الأطلس مباشرة إلى دخول التاريخ ليس من أوسع أبوابه فقط، بل من أفخرها وأكثرها مدعاة للاعتزاز بالنفس والوطن والمرأة المغربية. بل إننا لن نبالغ إذا قلنا إن لبؤات الأطلس دخلن هذا التاريخ من أصعب مداخله بعد أن تأهلنا في انتظار نتيجة مباراة المنتخب الألماني ونظيره الكوري. هذا الدخول إلى التاريخ من أفخر أبوابه، له طعم خاص ونكهة مميزة، إنه دخول نسائي بامتياز، بكل ما تعنيه الكلمة من إصرار وعزم ونضال عبّرت عنه النخبة الوطنية الشابة بقتاليتها واجتهادها ومثابرتها. ليس من السهل بتاتا أن تبدأ مشوارك في كأس العالم بهزيمة قاسية أمام المنتخب الألماني بستة أهداف لصفر، ثم تنتفض وتستيقظ مثل طائر الرخ لتستعيد كامل حظوظك بانتصار أول بهدف لصفر أمام المنتخب الكوري الجنوبي، ثم تفاجئ العالم بانتصار آخر على المنتخب الكولمبي، وينصفك التاريخ والقدر بتعادل المنتخب الألماني الذي كان من بين المرشحين للفوز بهذه الكأس الثمينة. إذا كان العمل والجد عاملين أساسيين فيما حققته نساء المنتخب الوطني لكرة القدم، فإن العناية الإلهية أيضا لم تكن بعيدة عنهم وعن مسارهم. القدر أيضا يريد أن يعيد الاعتبار لهؤلاء الفتيات المثابرات اللواتي يجسّدن بوضوح كفاح المرأة المغربية ونضالها من أجل الإسهام في نماء المغرب وتطوره، وبناء سمعة دولية لا تُضاهى كتلك التي نجح أسود الأطلس خلال مونديال قطر في بنائها بانتصاراتهم وقيمهم وصورهم الخالدة. ما أنجزته لبؤات الأطلس اليوم يؤكد الجهود الجبارة التي بُذلت من أجل تطوير كرة القدم الوطنية في السنوات الأخيرة وما تحققه على مستوى كافة الفئات والبطولات بدءا من منتخب الكبار مرورا بالشباب والفتيان وصولا إلى كرة الصالات والمنتخب النسوي. لم تكن لبؤات الأطلس اليوم تلعبن فقط من أجل مشاركة في مونديال عابر بل كنّ واعيات على ما يبدو بهذه المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهن. من غير المعقول أن تتأخر المرأة المغربية عن الدور الثاني لكأس العالم للسيدات بعد أكثر من 36 سنة من تأهل نظيرها الرجل في مونديال مكسيكو 1986. وحُقّ لنا في المغرب أن نفخر ونرفع رؤوسنا عاليا بما تحققه النساء من إنجازات رياضية تضاهي اليوم إنجازات الرجال وتكمّلها. نعم المنجز النسائي يتكامل تماما مع المنجز الرجالي ولا ينافسه. إنهما يتكاملان من أجل صورة هذا البلد الذي اختار النهج الديمقراطي الحداثي مسارا إصلاحيا ونهجا سياسيا وفكريا منذ عقود طويلة. تَدين لنا لبؤات الأطلس إذاً بالشكر الجزيل والامتنان العميق لما قدّمنه اليوم في هذه المناسبة الكروية التاريخية. وفي المباراة المقبلة من الدور الثاني أمام المنتخب الفرنسي، سينتظر المغاربة بفارغ الصبر ثأر النساء للرجال. ثأر منتخب اللبؤات لمنتخب الأسود الذين واجهوا المنتخب الفرنسي في نصف نهائي مونديال قطر 2022. ولن يكون غريبا على النساء المغربيات المثابرات أن ينجحن في تحقيق هذا الثأر الكروي، طبعا، وتعزيز مكانة كرة القدم الوطنية وتأكيد أن ما تحقق من إنجاز التأهيل إلى الدور الثاني لم يكن مجرد صدفة أو حظ، بل هو نتيجة اجتهاد وشغف وإيمان بقدرات المرأة المغربية من جهة، وبعزة الراية المغربية ومكانتها من جهة أخرى. فهنيئا لنا بلبؤات الأطلس، وهنيئا لهن دخول التاريخ من أفخر أبوابه.