كان الناس يعتقدون أن الصحافي الأخضر بريش رجل عاقل ومتزن، مختلف تماما عن باقي الصحافيين الجزائريين من أزلام الكابرانات مثل حفيظ دراجي وغيره. لكن سرعان ما تأكد أن أولاد عبد الواحد كلهم واحد، وألّا فرق بين الصامت والناطق، وبين من يعلن الحقد والحسد صراحة وبين من يبطنه في النفس خيفة وتقية. ربما لأن بريش كان يبتعد إبان فترة عملة في قنوات بين سبورت عن الجدل الذي يثيره غيره في مواقع التواصل الاجتماعي. لكن صمته هذا انتهى بكارثة حتى أصبحنا نتمنى لو أنه كان يتكلم منذ زمن مثل غيره. لأنه سكت دهرا ونطق كفرا. فتصريحه الموجز يعبر في الحقيقة وبإيجاز خارق عن كل ما يعتمل في الشخصية الجزائرية ويشكل جوهر طبيعتها. لنذكّر بما ورد على لسان الساكت دهرا الناطق كفرا. أولا عبر الرجل على أنه لم يستسغ إلى حدود الساعة إقصاء المنتخب الجزائري من المشاركة في مونديال قطر بعد هدف إيكامبي الشهير. وأكد على أنه لم يبتلع بعد الإقصاء على يد المنتخب الكاميروني. ثم أضاف لقد كان لدينا منتخب كبير، ولو ذهبنا لمونديال قطر لوصلنا إلى المباراة النهائية. كان بإمكانه أن يكتفي بهذا الكفر البواح، لكن ما في قلبه كان لا بد أن يظهر وينكشف. فأضاف كان بإمكاننا أن نحقق إنجازا أحسن من المغرب. هذه الكلمات الموجزة تعكس أبعادا مرَضية عديدة في طبيعة الشخصية الجزائرية يمكن أن نكتفي منها بثلاثة: البعد الأول هو الاحتقار الواضح والصريح للمنتخبات الإفريقية، من خلال اعتبار انتصار المنتخب الكاميروني على المنتخب الجزائري جريمة كبرى لا يجب السماح. كيف لإيكامبي أن يسجل هدفه في الثواني الأخيرة من المباراة ويقصي المنتخب الجزائري العظيم؟ ومن هي هذه الكاميرون التي تريد أن تتطاول على أسيادها؟ هذه هي عقلية المجتمع الذي تطرد سلطاته المهاجرين الأفارقة وتلقي بهم في مجاهل الصحراء حتى يهلكوا جوعا وعطشا. وكلنا نتذكر الملحمة/المهزلة التي خاضها الإعلام الجزائري والمؤثرون الجزائريون في مواقع التواصل الاجتماعي وترويج وهم إمكانية إعادة المباراة. وكأن الأخضر بريش ما يزال أيضا ينتظر إعادة المباراة. وكلنا نتذكر الحملة العنصرية الشعواء التي استخدمت فيها كل الأساليب القذرة ضد الحكم الغامبي بكاري غاساما الذي قاد مباراة الجزائروالكاميرون. البعد الثاني هو جنون الوهم والعظمة. لقد نجح نظام الكابرانات في صناعة نخبة إعلامية جزائرية بارعة في تجارة الوهم وبيع الأحلام للجمهور. كيف لا وقد عاش الجمهور الجزائري المسكين بسذاجة غير مسبوقة على مدار أسابيع بل شهور على أمل إعادة مباراة الكاميرون وإمكانية مشاركة الجزائر في كأس العالم. وكانت تجربة المونديال مجرد حالة جديرة بالدراسة لأنها تعكس بامتياز هذا الجانب. لكن أبواق الكابرانات لا يتاجرون فقط بأوهام كرة القدم، إنهم بارعون أيضا في بيع الانتصارات الدبلوماسية الوهمية وتحويل الهزائم إلى أمجاد، وتضخيم مشاريع الفشل وتقديم بلد الطوابير وكأنه عاصمة من عواصم الرخاء في الخليج العربي أو اسكندنافيا. يكفي أن نتذكر بعض المشاهد المبكية المضحكة عندما يتحول تدشين حنفية ماء في قرية نائية إلى حدث يحضره الوزراء والبرلمانيون والولاة. البعد المرضي الثالث في تصريح الصحافي الذي خدعنا لسنوات، هو كراهية المغرب وحسده الذي لا يخمد في قلوب العديد من الجزائريين. لم يكتف بريش بالحديث عن منجزات منتخب بلاده الخارقة بل أفلت منه ما يدور في قلبه وقال: كنا سنحقق إنجازا أحسن من المغرب. نحن نتمنى للمنتخب الجزائري ألّا يصل فقط إلى المباراة النهائية، بل أن يفوز بكأس العالم. لكن بريش لا يريد ذلك فقط لأن ما يشغل باله مثل رؤسائه من الكابرانات هو التفوق على المغرب. وهذا ما يؤكد أن دعاء: اللهم كثر حسادنا، الذي أبدعه جلالة الملك قبل سنوات كان يلخص كل شيء. إنهم يحسدوننا حتى آخر نفس. لذلك يتسابقون على تقليد كل ما تنجزه بلادنا ولو بشكل مشوه، فيسعون إلى بناء أكبر مسجد وبناء ملاعب معشوشبة وبناء محطات تحلية المياه وتنظيم التظاهرات القارية والعربية، ومعانقة الأمهات في ملاعب الكرة واقتباس مقولة "النية" إلى غير ذلك من مظاهر الهوس بالمغرب والمغاربة. ما صدر عن الأخضر بريش يوكد فعلا أن عقلية العسكر لا تخترق فقط المؤسسة السياسية في الجزائر، بل تمكنت من بناء صرح من التفكير المشوه حتى في أذهان النخبة الجزائرية "يا حسرة".