لم يستطع الجزائريون بعد أن يتخلّصوا مما أورثته لهم حقبة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة من تعلّق وتقديس لشخص الرئيس وتنظيم حفل تكريم خاص به بالاكتفاء بحضور صورته وإطارها الذهبي اللامع. هذه هي العقلية التي زرعها نظام الكابرانات بعد سنوات من حكم عسكري يمجّد الصور والكوادر الخشبية في الوقت نفسه الذي يتبجّح فيه بمزاعم الفخر و"النيف" ورفع الرأس. الأمر لا يتعلق بتذكير بما حدث في أيام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عندما كانت صورته تعوض عجزه الصحي عن التنقل إلى أماكن معينة في مختلف بقاع الجزائر، وإنما بمهزلة جديدة شهدتها جامعة باتنة عندما قام والي الولاية ورئيس الجامعة بحمل صورة عبد المجيد تبون وسط الحضور وتسليط الكاميرات والأضواء عليها في لحظة اعتبرها الحاضرون تكريما. يتحلّق المسؤولون والعديد من الأشخاص الحاضرين حول الصورة وتتسابق الكاميرات من أجل التقاط المشهد بينما تتعالى التصفيقات والشعارات في الوقت الذي يجلس فيه الرئيس بشحمه ولحمه حيّا يرزق غير بعيد في قصره بالعاصمة الجزائر. هذه اللقطة لا يمكن أن تراها إلا في جزائر الكابرانات بما تجمعه من ملامح الغرابة وعلامات التخلّف والغباء، إنها تفوق بكثير ما كانت تروجّه أنظمة عسكرية بائدة كالنظام الستاليني عندما كانت صور الرئيس والزعيم العملاقة تملأ كل الأماكن والفضاءات العمومية. هذه النكتة الجديدة التي وخزت كبرياء الجزائريين مرة أخرى لم تثر امتعاض الرئاسة الجزائرية إلا من جهة الخوف من توريطها في المشاركة في هذه الكوميديا المضحكة المبكية. لقد أصدرت مديرية الاتصال بالرئاسة الجزائرية بلاغا تسارع فيه للتبرؤ من هذا المشهد معتبرة أنه لا يمت بصلة إلى طريقة تفكير الرئيس ولا إلى التقاليد التي يعمل على ترسيخها منذ توليه رئاسة الجمهورية "في إطار جزائر جديدة". عن أي جزائر جديدة يتحدث بلاغ الرئاسة الجزائرية؟ ربّما يقصد جزائر الاعتقالات والاختطافات التي تجري ليل نهار لمختلف النشطاء والمناضلين السياسيين منذ اندلاع الحراك الشعبي قبل سنوات قليلة. وربّما يقصد أيضا الجزائر التي يجلس فيها الرئيس باستمرار إلى جانب قائد الأركان ذليلا يستمع للتعليمات التي توجه له من أجل تنفيذها والامتثال لها. من الصعب جدا أن يتقبّل الرأي العام الجزائري تبرؤ رئاسة الجمهورية مما وقع في باتنة من استحضار لثقافة تقديس "الكادر" لأن الأقوال تصدقّها الأفعال أولا وقبل كل شيء. عندما تحرص باستمرار على شحن شعبك بخطابات رجعية عن صراعات ولت ومواقف أكل عليها الدهر وشرب، وتقضي يومك وأنت تحاول أن تقنع الجمهور بالكلمات بدل الإنجازات أن الجزائر "قوة ضاربة" فما عليك إلا أن تنتظر مثل هذه السلوكات الستالينية البائدة. ما هو الخطاب السياسي أو الثقافة السياسية التي يدافع عنها الكابرانات وبيدقهم الرئيس تبون غير ثقافة تمجيد الحزب المتقادم جبهة التحرير الوطني وقياداته وكلّ عناصر قيادة الجيش الوطني الشعبي؟ وعندما تظل صباح مساء تردد أسطوانتك المشروخة عن استهداف الجزائر وعن تكالب الأمم عليها وعن الأمجاد التي لا نظير لها وعن أساطير المقاومة المبالغ فيها، فما عليك إلا أن تنتظر تقديس صورتك بل وعبادتها. إن هذه المهزلة ليست نابعة في الحقيقة من أخطاء فردية لأشخاص ومسؤولين جزائريين يريدون أن يحصلوا على درجات من التقرّب من موقع القرار، بل هي نتيجة لهذه الدعاية الإعلامية التي لا تتوقف حيث يتحوّل الماضي بكل رموزه وشخصياته وأحداثه إلى حقل من المقدسات التي لا نهاية لها، ويتوسطها طبعا رئيس الجمهورية الذي لا يحكم في الجزائر حتى على موظفي مكتبه الخاص.