ليست قضية الاستيلاء على نماذج الزليج المغربي من طرف الجزائريين واستخدامها في تصميم قميص التداريب الخاص بمنتخب كرة القدم مجرد سرقة غير مقصودة أو سوء تقدير أو جهلا بالقوانين الدولية التي تحمي الموروث الثقافي. ما قامت به شركة أديداس كان ودون شك بإيعاز من جهات جزائرية احترفت في السنوات الماضية محاولة الاستيلاء على كل ما يمتّ إلى الموروث الثقافي المغربي ونسبته إلى الجزائر في مجالات الطبخ أو المعمار أو اللباس أو غيرها. ويبدو أن اليقظة المتأخرة للجزائريين للبحث عن معالم هوية ثقافية هلامية وغير واضحة هي الدافع الذي يحرك اليوم كل الجهات من وسائل الإعلام إلى المخابرات من أجل خلق هذه الفوضى في المنطقة لتنضاف الفوضى الثقافية إلى الفوضى الأمنية التي يحرص الكابرانات على نشرها. لم يعد هؤلاء يكتفون إذن بالطعن في وحدة المغرب الترابية، بل هناك أيضا مخطط واضح للطعن في وحدتنا الثقافية والتراثية، وسعي دائم لتمييع المشهد التراثي في شمال إفريقيا حتى تتساوى بلدان المنطقة، ويعتقد الوافد أو الزائر أن المغرب والجزائر تجربة ثقافية وتاريخية واحدة لا فرق بينها. والحقيقة التي يعرفها الجميع أن هناك طبعا فرقا واضحا بين موروث إمبراطورية تاريخية عظمى امتدت على مساحات شاسعة من شمال وغرب إفريقيا وكانت عاصمتها فاس أو مراكش، وبين إيالة كانت دائما تابعة لدول أو قوى أخرى كالمغرب أو تركيا أو فرنسا. الزليج الذي يحاول الإعلام الجزائري اليوم الترويج له للدفاع عن فضيحة السرقة والذي ينسبونه إلى تلمسان هو اعتراف رسمي بمغربية الزليج بالنظر إلى أن مدينة تلمسان نفسها كانت إلى ما قبيل الاستعمار الفرنسي مدينة مغربية خضعت باستمرار لنفوذ الملوك والسلاطين المغاربة. إذا كان هناك من زليج أو معمار يمكن أن تعتبره الجزائر مفخرة ثقافية وعنصرا مميزا لإرثها فهو المعمار الذي تركه الاستعمار الفرنسي على مدى أكثر من 132 سنة، أو المخلفات المعمارية التي تركتها الخلافة العثمانية التي عمّرت الجزائر على مدى قرون. لكن من الصعب جدا أن يتحدث الجزائريون عن وجود موروث ثقافي محلي خالص، باستثناء ما تعلّق بالإرث الثقافي القبائلي الذي يحمله أحد أقدم الشعوب في تاريخ المنطقة. هذا هو الإرث الخالص الذي ينبغي أن يفتخر به الجزائريون، وهو عمقهم الأمازيغي التاريخي الذي تم الحفاظ عليه على مدى قرون طويلة على الرغم من كل أشكال الغزو والاستعمار والتبعية التي عاشتها هذه المنطقة. أما الزليج الذي نتحدث عنه وتعتبر فاس عاصمته العالمية، فهو مسجل كذلك في اليونيسكو ويعترف العالم بأسره ومنذ أكثر من قرن من الزمان بأنه مفخرة معمارية مغربية، بل إن الكثير من الفنادق والقصور والبنايات التي بُنيت في دول العالم المتقدم كالولايات المتحدة أو فرنسا أو حتى في اليابان كانت تأخذ هذا النموذج المعماري باعتباره عنصرا جماليا بديعا مستوردا من المغرب. يجب إذن أن نأخذ قضية محاولات الاستيلاء على الموروث الثقافي المغربي من طرف نظام الكابرنات على محمل الجد. ليس لأننا نتخوف من تغيير هوية هذا الموروث، فالعالم كله يشهد بمغربيته، ولكن حتى لا يشغلنا ذلك عن قضيتنا الأساسية والجوهرية، وهي مسألة إنهاء الأزمة المفتعلة والنزاع المصطنع في الصحراء المغربية. ومن هنا لا بد من التذكير بأن ما تخططه المخابرات الجزائرية من خلال هذه الحركات المكشوفة هو خلق هذه الفوضى الثقافية للتغطية على الفوضى الأمنية والسياسية التي يحاول النظام الجزائري فرضها في المنطقة. ومن ثمة فإن الرد بحزم وحسم عبر المؤسسات الدولية الضامنة للهويات الثقافية، وعلى رأسها منظمة اليونيسكو، يمثل إجراء ضروريا ومستعجلا للحد من هذا السلوك، ولعلّ قرار وزارة الثقافة اللجوء إلى القضاء ضد شركة الملابس الرياضية أديداس يمثل خطوة جد هامة في مسلسل الدفاع عن الموروث الوطني وتذكير الجزائريين بأن زليجهم ليس كزليجنا.