في خضم الجدل الكبير، والاتهامات المتكررة لشركات المحروقات بتحقيق أرباح في أسعار المحروقات وطنيا، جاء تقرير مجلس المنافسة ليضع النقاط على الحروف، ويؤكد بالملوس أن هوامش ربح شركات التوزيع تمثل العنصر الأضعف، مقارنة ببنود التكاليف الأخرى المتدخلة في تكوين سعر البيع في المضخة على مستوى محطة الخدمة، متمثلة في 2 في المائة فقط برسم سنة 2022. دقة المعطيات، ومصداقيتها، تأتي من كونها صادرة عن مؤسسة دستورية كفل لها الفصل ال166 من دستور سنة 2011، استقلالية تامة، حيث يعتبر مجلس المنافسة هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار. لذا فالتقرير الصادر، أمس الاثنين، بعنوان " الارتفاع الكبير في أسعار المواد الخام والمواد الأولية في السوق العالمية وتداعياته على السير التنافسي للأسواق الوطنية، حالة المحروقات، الممثلة في الغازوال والبنزين"، يؤكد أن الارتفاع المسجل مرتبط بالأساس بارتفاع أسعارها دوليا، وهو معطى لم يعد في واقع الأمر خفيا على أحد بحكم المتغيرات الجيواستراتيجية الدولية المرتبطة بتداعيات جائحة "كوفييد19″، والحرب الروسية-الأوكرانية على الاقتصاد العالمي. ومن التقرير، الواقع في 105 صفحات، يتبين أن الزيادة في أسعار البيع في مضخات الوقود يرتبط بارتفاع عروض أسعار المنتجات المكررة في السوق الدولية، والتي يستوردها المغرب من الخارج بالكامل، كما ترتبط أيضا بالتغيرات الحاصلة في سعر صرف الدرهم مقابل الدولار، اذ أبرز التقرير أنه خلال سنتي 2018 و2019، سجلت المتغيرات الثلاثة (أسعار برميل النفط الخام وأسعار شحن المنتجات المكررة على ظهر السفينة وأسعار البيع) مستويات مترابطة نسبيا، حيث تقلصت أسعار النفط الخام بحوالي 10 في المائة، وتراجعت أسعار المنتجات المكررة بنسبة 5 في المائة، وتهاوت أسعار بيع الغازوال والبنزين في السوق الوطنية بنسبة 4 في المائة و3 في المائة على التوالي. ومن تم، فبحسب تقرير مجلس المنافسة، وعلى امتداد الفترة من 2018 إلى 2019، يظهر أن تطور أسعار البيع في السوق الوطنية تتبع، بشكل عام، اتجاه عروض أسعار المنتجات المكررة على الصعيد العالمي"، كما أنه و في ما يتعلق بتكاليف شراء المنتجات النفطية المكررة، يشدد التقرير على أنه طوال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2021، يتضح أن تكاليف شراء المنتجات المكررة تمثل الجزء الأهم من سعر البيع في المحطات: 51 في المائة بالنسبة للغازوال و43 في المائة بالنسبة للبنزين، متبوعة بالضرائب التي تمثل لوحدها أكثر من 35 في المائة من سعر بيع لتر واحد من الغازوال و45 في المائة من سعر بيع لتر واحد من البنزين. وكما يمكن أن نستشف بين ثنايا تقرير مجلس المنافسة تأكيده على أن باقي سعر البيع تكون من هواش الربح ذات الصلة بالتوزيع، والتي تمثل حوالي 12 في المائة بالنسبة للبنزين إلى 14 في المائة بالنسبة للغازوال، مشيرا كذلك الى أن هذه الهوامش توزع بين شركات التوزيع بنسبة تتراوح ما بين 9 و10 في المائة، ومحطات الخدمة بنسبة تصل إلى 4 و5 في المائة. نقطة مهمة جاء ذكرها في تقرير مجلس المنافسة، متعلقة بصافي أرباح الفاعلين في قطاع المحروقات، التي أثير بشأنها جدل كبير وطنيا، حيث أكد التقرير أنه " على مستوى أرباح مادتي الغازوال والبنزين، خلال الفترة الممتدة من 2018 إلى 2021، فقد تأرجحت بين حد أدنى 0.07 درهم للتر، وبحد أقصى 0.68 درهم للتر .، حيث سجلت شركة Winxo أفضل هوامش الربح الصافية، من بين الشركات السبع الفاعلة في قطاع توزيع المحروقات، بمعدل 0.37 درهم للتر، و 0.68 درهم للتر. تليها شركة TotalEnergies Marketing Maroc، بهامش صافي يتراوح بين 0.2 درهم للتر، و0.45 درهم للتر.، في مقابل حصول شركة Afriquia SMDC على أدنى هوامش الربح الصافي، وسط كافة الفاعلين في القطاع. مجلس المنافسة برأ شركة افريقيا من رفع أرباحها، من خلال التأكيد على أن "عائدات شركة أفريقيا، تأرجحت بين 0.07 درهم للتر كحد أدنى في عام 2021، وبحد أقصى 0.16 درهم للتر في عام 2019 .، مبرزا أنه " على العكس من الهوامش الإجمالية القوية المسجلة في عام 2020، وباستثناء شركتي Vivo Energy Maroc و Winxo، سجلت الشركات الخمس المتبقية، هوامش ربح صافية أقل من تلك المسجلة خلال السنوات الثلاث الأخرى، وهي 2018 و 2019 و 2021 . تقرير مجلس المنافسة يضع اذن حدا لجدل طغى عليه "البعد النفسي" و " المزيدات السياسوية" بعيدا عن الهدوء والرزانة في الطرح والنقاش، متعلق بأسعار المحروقات بالمغرب، وهو ما يعطي لهذا التقرير مصداقيته وقوته، هو كونه صادر عن هيئة مستقلة، مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة ومشروعة بضمان الشفافية والإنصاف في العلاقات الاقتصادية، خاصة من خلال تحليل وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية لها والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار، بحسب ما جاء في الفصل 166 من دستور 2011.