لا يزال الوثائقي الذي أعدته قناة “ميدي 1”، حول الأوضاع بمخيمات الصحراويين، في تندوف الجزائرية، غصة في حلق جبهة البوليساريو، ليس لأن قناة مغربية استطاعت اختراق ترسانتها، وثقب بالونة البروباغندا الإعلامية التي تنفخ فيها، بل لأن الصحفية التي أنجزت الوثائقي، صحفية إسبانية باسكية، تنتمي لمنطقة تعتبر أكبر قلاع البوليساريو في إسبانيا، وقد استدعتها البوليساريو نفسها، لكن السحر انقلب على الساحر. الوثائقي الذي عنون ب“من تندوف إلى العيون .. طريق الكرامة”، تطرق بالصوت والصورة، إلى الأوضاع التي يعيشُها الصحراويون من خلال شَهادات حية من داخل مخيمات لحمادة، وهو ما جعل قيادة الرابوني تقع في حيص بيص. وكخطوة منها لتدارك الفضيحة، التي تداولتها وسائل الإعلام الوطنية والدولية، على نطاق واسع، وتوقيتها المحرج بالنسبة للبوليساريو، نظرا لما يقع بالمخيمات من حراك، ضد القيادة، استعانت جبهة البوليساريو، بصحفية باسكية، لم يسلق لها أن قدمت للمخيمات، وطلبتها بزيارة وإنتاج فيلم أو برنامج صحفي، ترنوا من خلاله الرد على وثائقي “ميدي 1”. من جهة أخرى، جبهة البوليساريو التي ضربت جدار الصمت على الوثائقي، والمشغولة بصراع الأجنحة داخل الجزائر وحراكها الشعبي، تصدر معلومات أن الصحفية الباسكية التي أنتجت وثائقي ميدي 1، باتريثيا مادجيدي خويث، مقربة من المخابرات المغربية، وأنها كانت حصان طروادة. لكن الحقيقة في المقابل، هي أن البوليساريو هي من طلبت من الصحفية زيارة المخيمات رسميا. وحسب خبرٍ منشور على موقع “تريبونا ليبري”، بتاريخ 17 غشت 2018، تحت عنوان “رسائل من جبهة البوليساريو لمراسلتنا”، يؤكد ذلك. ويضيف الخبر، “ستعيش مراسلتنا مع اللاجئين يومًا بعد يوم في الصحراء، حتى يتمكن قرائنا من الحصول على فكرة عن شكل حياة الشعب الصحراوي”. وكانت رسالة البوليساريو، عبر كمثلها في “أوسكادي” (الباسك باللهجة المحلية)، حيث يؤكد المصدر “تمكنا هذا الصباح من التحدث إلى المندوب الصحراوي في أوسكادي، عبد الله العربي، الذي استقبلنا وتفضل بطلبنا المضي قدمًا في الرحلة لتفقد حياة اللاجئين الصحراويين في الجزائر”. وفي تغريدة لها بصفحتها الرسمية تويتر، قالت باتريثيا، أنها أنجزت العمل ب“الحب والمثابرة والحقيقة”. مضيفة أن “هذا الفيلم الوثائقي يسلط الضوء على قمع السكان الصحراويين في مخيمات تندوف”. باتريثيا مادجيدي خويث، التي تنحدر من إقليم الباسك شمال إسبانيا، وحسب بياناتها الشخصية، فهي من أم إسبانية وأب جزائري، تقول أنها “لقد سلكت الطريق الذي يفصل بين الحقيقة والكذب، وهو تقرير سيُظهر الحقيقة التي ظلت صامتة لمدة 43 عامًا”. وتعتبر هذه هي المرة الأولى في تاريخ الصراع، الذي تقوم فيها صحفية إسبانية، بالتطرق إلى الحقيقة كما هي وتعري الواقع بشهادات حية من مخيمات تندوف. وقالت باتريثيا، أن “الفيلم الوثائقي أثار ضجة، وهذا واضح. وعلى الرغم من الانتظار، كل يوم يعطيني المزيد من الثبات. أتصفح العديد من رسائل التهاني والتشجيع والشكر، من الصحراويين الذين يدعون أن يتمكن أخوتهم وأخواتهم من مغادرة المخيمات”. وتضيف الصحفية الإسبانية، في إشارة إلى الصحراويين الذي أدلوا بشهاداتهم في الوثائقي، أنه “حتى الصحراوي الذي يجب أن تصدقه. سيكون هذا خائناً في السلطة”. وتحدثت باتريثيا، في تدوينة على صفحتها فيسبوك، قائلةً “لقد صدقت، وأعتقد أن ما قالوه لي كان صحيحا. وكنت سعيدة. في المطار، تركتني المقابلة الأولى متجمدة، فقد تحدث عن وطني الآخر، الجزائر، في مقابلة مدتها 11 دقيقة، وقد يتم إرسالها إلى السفارة الجزائرية في مدريد، لتحليلها هناك،ولا أدري إذا تم التلاعب بها أم لا”. وكشفت الصحفية، عن ما تتعرض له، من مضايقات من طرف عناصر البوليساريو، بعد نشر الوثائقي، “في الوقت الحالي، أرسل لي أحدهم رسالة بدون كلمات، مجرد رابط، من موقع TribunaLibre.info، وهو يفعل ذلك دون أن يدرك أن هذه المقالة لي. وكان يعتقد في الوقت نفسه أنه سعيد بذلك”. “نعم لقد استدعتني البوليساريو لزيارة المخيمات، لكن… جعلوني أرى حقيقة أخرى. حقيقة ليست كما أراه في الإنترنت، فهناك ما لا نهاية من المقالات التي تقول ما أقوله. وأعتقد أنه حان الوقت لإنقاذهم”، تضيف باتريثيا. وأكد المصدر ذاته، أن “عناصر جبهة البوليساريو اعتادوا على تخصيص جزء من المساعدات الدولية الموجهة إلى مخيمات تندوف للاجئين، عبر الأكاذيب حول الواقع النازف، بينما يتلقون رواتب خيالية تدفعها الجزائر. وجزء من الشعب الصحراوي المحبوس في هذه المخيمات يمر بالكوارث والمصاعب بكل أنواعها”.