يواصل النظام الجزائري، تصعيده ضد المملكة المغربية، في وقت يُجمع فيه المتتبعون للشأن الدولي، أن مشكلة هذا النظام ليس مع جاره الغربي، بل مع الداخل الجزائري. وبات مألوفا، سعيُ الطغمة الحاكمة في الجزائر، وكلما أحست باشتداد الخناق عليها داخليا، إلى صرف أنظار الشعب الجزائري، عن إخفاقاتها في إيجاد حلول، للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد. هكذا، وخوفا من اتساع رقعة السخط الشعبي وعودة الحراك الى الشارع، حاملا شعار "يتنحاو كاع"، يسارع "نظام العسكر" في كل مرة، إلى استخدام ورقة "التهديد الخارجي"، عبر اختلاق عدو مفترض، والذي دائما هو "المملكة المغربية"، لتبرير سياساته القمعية والاستبدادية. وكما يوضح ميكيافيلي في كتابه "الأمير" فإن "بقاء السلطة مرهون بعاملين: الدهاء والعطاء"، بيدَ أن "نظام العسكر الجزائري" ولسوء حظه، يفتقر لكلا هذين العاملين. في مقابل امتلاكه عاملا واحدا هو "عامل الغباء"، الذي جعلهُيعتمد نفس الخطة المكشوفة، التي ظل يعتمد عليها منذ ستينيات القرن الماضي. واليوم يجد هذا النظام نفسه، في مواجهة ضغوطات سياسية، وأزمات بنيوينة وتنموية تعصف بالبلاد، وتهدد بقاءه، فضلا عن اقصاء المنتخب الجزائري وفشله في التأهل الى كأس العالم، في وقت شكلت فيه "كرة القدم" بالنسبة لجنرالات العسكر، وعلى مدى سنوات طويلة "وسيلة فعالة وناجعة للإلهاء والتخدير ". كل ذلك أدى في النهاية الى مزيد من الاحتقانفي الداخل الجزائري. وكمحصلة لما سبق، فإنه من سابع المستحيلات، أن يقيم "النظام القائم في الجزائر"، علاقات طبيعية مع المغرب، ليقينه بأن ذلك سيفقده مبرر وجوده، أو على الأصح "مبرر استمرار "السطوة العسكرية" في البلاد". من جهته، يعي المغرب جيدا هاته الخلفيات والحسابات، ولذلك كان رده دائماحازما وذكيا، عبر نهجه سياسة اليد الممدودة، ونداء الأخوة الذي ما فتئ يوجهه الملك محمد السادس الى ساكن قصر المرادية، في رسالة واضحة الى عسكر الجزائر، مفادها بأن المغرب لن يسمح بتصدير "مشاكلهمالداخلية" إليه. و بصرف النظر عن كل شيء، فإنه من المعيب ألا يتجاوب النظام الجزائري مع النوايا الحسنة للمغرب، واصراره على التعامل معها بمنطق الآذان الصماء، توازيا مع مواصلته لغة التهديد والتصعيد، بدءً بإعلانه قطعالعلاقات الدبلوماسية، وغلق الحدود البرية والجوية، الى جانب ايقافه العمل بأنبوب الغاز المغاربي. هذا، في وقت لا يوجد فيه سبب واحد حقيقي، يدفع الشعبين الجزائري والمغربي إلى المواجهة. بل على العكس من ذلك، فقد سعوا دائمًا إلى السلام والأخوة وبناء فضاء سوسيو –اقتصادي مغاربي.