من الواضح أن التحاق المهندس إدريس بنهيمة بحزب الاستقلال قرار يخترقه في الوقت نفسه الطموح الشخصي للرجل من جهة وربما الاستجابة لمتطلبات السياق السياسي من جهة أخرى. فظهور المدير العام السابق للخطوط الملكية المغربية في لقاء جماهيري لحزب الاستقلال بالداخلة جاء ليؤكد ما بدأ التحضير له منذ أن تم إعفاء الرجل من مهامه على رأس شركة الطيران وبدأ يطلق العنان بين الفينة والأخرى لانتقاد سير التدبير العمومي للكثير من القطاعات. وما كان يقدم على أنه أخبار غير مؤكدة أصبح اليوم حقيقة بعد أن أعلن إدريس بنهيمة اختياره لحزب الاستقلال لخوض غمار مشواره السياسي. وفي سياق هذا الإعلان لم يتردد بنهيمة في أول خروج إعلامي له على صفحات "ليكونوميست" في امتداح وظيفة السياسي ومن ثمة الوزير الذي "وحده يستطيع مواجهة الإشكاليات المعقدة وإيجاد توافق إيجابي بين مختلف الفرقاء" على حد قوله. هذا التركيز على إعادة الاعتبار للفاعل السياسي من زاوية تجربة بنهيمة لا يمكن تفسيره إلا بكونه "عرضا لخدمات سياسية" مستقبلية بعد أن تقلب الرجل بين مختلف المقاولات والإدارات العمومية ولم يحظ بتجربة وزارية ذات قيمة غير تلك التي عمر فيها لشهور قليلة ما بين 1997 و1998 بتكليف من الملك الراحل الحسن الثاني حاملا حقيبة النقل والملاحة التجارية والسياحة والطاقة والمعادن. بالنسبة لتكنوقراطي مخضرم مثل ادريس بنهيمة يبدو أن الوقت قد حان للمطالبة بمسؤولية سياسية من حجم أكبر. لا بد في هذا الإطار من الانتباه لمعطى أساسي في السياق السياسي الحالي يزكي هذا الطموح لدى إدريس بنهيمة الذي ينتمي إلى طينة من التكنوقراط القادمين من جيل سابق والذين أصبحوا اليوم عملة نادرة. هناك صورة مهزوزة وسالبة اليوم لبعض المسؤولين الحكوميين، بدء برئيس الحكومة الذي التصقت به صفة الهشاشة والحياد المبالغ فيه، مرورا بالرجل القوي وزير الفلاحة عزيز أخنوش الذي تأثرت صورته كثيرا بتبعات حملة المقاطعة وصولا إلى قيادات أحزاب المعارضة وعلى رأسهم حزب الأصالة والمعاصرة والذين عجزوا عن تقديم زعامة مقنعة. في ظل هذا العرض الباهت الذي توفره الطبقة السياسية يبدو أن إدريس بنهيمة يرى في نفسه أنه الأجدر بدخول غمار المنافسة السياسية تحت غطاء حزبي لن يجد فيه أفضل من حزب الاستقلال الذي يظل دائما ماكينة انتخابية قادرة على الاكتساح والتصدر. وفي ثنايا الخرجة الإعلامية للرجل نقرأ بجلاء هذا الطموح القوي نحو العودة إلى التدبير العمومي من بوابة السياسة والحكومة وربما بالضبط من بوابة رئاسة الحكومة. فمن الواضح أن قدم بنهيمة اليوم دخلت بيت الاستقلاليين لكن عينه على ما يبدو على كرسي سعد الدين العثماني. في هذا الحوار الصحفي لم يتردد إدريس بنهيمة في الدعوة إلى تعديل المادة 47 من الدستور، التي تنص على تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات، مؤكدا ضرورة تعديلها بشكل سريع، وتبسيطها، وإزالة أي إشارة إلى الانتماء الحزبي لرئيس الحكومة المعين. ورغم أن الرجل حاول تبرير هذه الدعوة بمبررات احتمال رئيس الحكومة في تشكيل أغلبية برلمانية خلال فترة زمنية معقولة إلا أنه من الظاهر أن المبطن في كلامه انتقاد المسؤولين الحكوميين وعلى رأسهم رئيس الحكومة التي اعتبرها ضعيفة في مواجهة "مجموعات الضغط والشركات لا تتردد في تحدي طلبات الحكومة، بمجرد إزعاجهم وغالبًا ما تخرج هذه المجموعات منتصرة" على حد قوله. هذا الانتقاد لا يتعلق هنا فقط بالممارسة السياسية للحكومة بقدر ما يحاول التلميح إلى ضعف وفقر الكفاءات التي أضحت تعانيه الأحزاب السياسية وعلى رأسها الحزب المترئس للحكومة حزب العدالة والتنمية. وتعتبر ورقة الكفاءات إحدى الأوراق التي يحاول حزب الاستقلال اليوم توظيفها لصالحه خصوصا في ظل الشروخ التي عرفتها ورقة الكفاءات لدى حزب التجمع الوطني للأحرار الذي أعاد أخيرا محمد بوسعيد للمكتب السياسي، وهو الوزير السابق في المالية العائد من نقاهة سياسية طويلة بعد الإعفاء الملكي على خلفية التقصير في المسؤوليات بخصوص مشروع الحسيمة منارة المتوسط. واستثمارا لورقة الأطر والموارد البشرية قد يكون التحاق إدريس بنهيمة بنادي الاقتصاديين الاستقلاليين بداية لحملة استقطاب واسعة استعدادا للسباق الانتخابي المرتقب في 2021.