ما صدر عن وزير العدل عبد اللطيف وهبي من كلام غير لائق في حق مسؤول قطاع الثقافة بتارودانت ليس مجرد زلة من زلاته المعهودة أو خطأ فرضته العفوية الزائدة التي يعبر بها أو رغبة في إثبات الذات على أبناء الجهة التي جاء منها، إن تداعيات هذا التصريح وأبعاده تتجاوز بكثير كل هذه الاعتبارات الظرفية والنفسية التي يمكن على كل حال بلعها على الرغم من أنها من المفترض ألّا تصدر عن مسؤول حكومي من حجم وزير العدل. فالأخطر في تصريح الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة الذي يعرف كل شيء عن "تقاشر الناس" أنه يهدم بجرة لسان غير محسوبة كل معالم صورة المغرب المتصالح مع تاريخه والمتبرئ من ماضي الانتهاكات والتسلط الأمني والقضائي ضد المواطنين. أن يقول وزيرٌ للعدل يُفترض أنه ضامن للحريات وحارس للحقوق أن كل الأجهزة تعمل تحت إمرته وأنه مطّلع على تفاصيل الحياة الشخصية لموظف من موظفي الدولة ينطوي على حنين إلى سنوات وزير من الوزراء غير المأسوف عليهم، الذي عرف المغاربة في عهده معنى التجسس على الأعراض والاطلاع على الخصوصيات وجمع المعلومات والملفات، واشتهرت حقبته باسم سنوات الرصاص، التي رحلت إلى غير رجعة. السي وهبي يذكر الناس بهذا التصريح اللامسؤول أمام الملأ بشخص ادريس البصري، الذي نعرف أن بعض المسؤولين يحنّون في قرارة أنفسهم لامتلاك جانب من شخصيته وسطوته. لكن هؤلاء المسؤولين يتناسون ويتجاهلون أن المغرب دخل مع بداية الألفية الجديدة مرحلة تاريخية جديدة عندما قرر تصفية تركة الماضي وانتهاكاته والتصالح مع أبنائه وبناته وجبر ضررهم. وقد أقرّ المغرب في سياق هذه المصالحة ضمانات لعدم تكرار ما جرى في الماضي كان من أهمها احترام الخصوصية وحفظ سرية وحرمة البيوت وضرورة التوفر على إذن قضائي مسبق لأي عملية تفتيش أو مراقبة أو مداهمة أو تجسس لغايات أمنية صرفة. نحن كمراقبين من الداخل نعلم أن ما قاله عبد اللطيف وهبي لا يلزمه إلا هو، وأن الأجهزة التي يقصدها أو يتحدث عنها بريئة من ادعاءاته ومن إمكانية خضوعها لهذه الرغبات والنزوات التسلطية. لكن إذا كنا نحن في المغرب نعلم أنه الرجل يهذي، ماذا عن الشركاء والجيران والهيئات الدولية التي تتابع الوضع الحقوقي داخل المغرب؟ ماذا عن تلك الجهات التي تترصّد لبلادنا زلة من الزلات أو خطأ من الأخطاء للطعن في صورتها وفي تاريخها ورصيدها الحقوقي؟ إذا كان وزير العدل الممثل للحكومة المغربية الرسمية يصرح أمام الكاميرات أن الأجهزة تحت إمرته وأنه مطلع على كل خصوصيات الناس فإنه ببساطة يطعن في كل الجهود التي بذلت من أجل تقديم المغرب للعالم في صورته الحقيقية البعيدة عن كل الاتهامات المدسوسة من الخارج الهادفة إلى النيل منه ومقارنته ببلدان لا تزال تحلم بشيء اسمه حقوق الإنسان وتحاول بكل ما تملك من إمكانات مادية ودبلوماسية أن تصل إلى ربع ما حققه المغرب في هذا المجال. لا أتصور كيف يمكن لوزير العدل المغربي بعد هذا التصريح أن يستقبل نظراءه من وزراء العدل الذين يزورون المغرب في إطار العلاقات الثنائية من أوربا وأمريكا وآسيا ليناقش معهم برامج التعاون المشترك أو واقع حقوق الإنسان واستقلالية القضاء والمؤسسات في بلادنا وفي المنطقة التي ننتمي إليها. إن حديث وزير للعدل يهدد موظفا بأنه يعرف لون جواربه ينزع عنه كل شرعية سياسية أو دستورية خصوصا أمام نظراءه من وزراء العدل في البلدان الأخرى، ويؤثر بشكل مباشر على صورة المغرب كبلد أصبح منذ عقدين نموذجا يحتذى في إجراء الإصلاحات وضمان الحقوق لكافة الفئات دونما استثناء.