استقبال الرئيس الجزائري لنظيره الفلسطيني محمود عباس أبو مازن وإصرار السلطات الجزائرية على الدعاية للمساعدة المالية الكبيرة التي قدمتها جزء من حماقات النظام الجزائري وقراراته التي تسير ضد تيار الواقع والمجتمع الجزائري. لا نقصد هنا أن الشعب الفلسطيني لا يستحق 100 مليون دولار التي ستقدمها له الجزائر، فهو يستحق أكثر من ذلك، وكم قدمت الدول العربية لفلسطين والفلسطينيين من أرواح وأموال ومساعدات بلا منّ أو دعاية بعيدا عن التشهير الإعلامي الذي يحرص عليه إعلام العصابة العسكرية. فالمغرب على سبيل المثال يرأس لجنة القدس التي تقدم بشكل منتظم ودوري مشاريع وبرامج لهذه المدينة المقدسة وتمولها دونما حاجة إلى توظيف ذلك في صراعات دبلوماسية واهية. لكن من الواضح أن المقاربة الدبلوماسية التي حرصت السلطات الجزائرية على نهجها والتصوير الإعلامي المقصود لهذه المساعدات محاولة لتوظيفه ضد المغرب وضد استراتيجيته في مقاربة القضية الفلسطينية وفقا لرؤيته الخاصة، باستغلال علاقاته الجيدة مع اليهود المغاربة لصالح القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. بعبارة أخرى المغرب ليس في حاجة إلى الصور المبهرجة أمام الكاميرات والتبجح بالتبرع بمبلغ مالي كبيرا كان أو صغيرا ليثبت ولاءه لحقوق الفلسطينيين ولمشروع الدولة الفلسطينية المستقلة والمعترف بها دوليا وعربيا. ثم لنناقش الأمر بقدر من الواقعية. إن سلطات الطغمة العسكرية في الجزائر لم تسأل الشعب الجزائري عن حجم احتياجاته واستعداده فعلا لهذه الأُعطية الكبيرة للفلسطينيين في الوقت الذي اتخذت فيه قرارات أخرى لا تقل حماقة، كقرار تعطيل أنبوب غاز المغربي العربي الذي يعبر المغرب نحو إسبانيا، بينما تضطر شركة المحروقات الجزائرية "سوناطراك" في فضيحة سيكون لها ما بعدها إلى كراء سفن خاصة بنقل الغاز للوفاء بالتزاماتها تجاه زبنائها في القارة الأوربية وعلى رأسهم الجارة الإسبانية. هل سأل الشعب الجزائري هؤلاء الحمقى الانتحاريين عن هذه القرارات التي تُهدر ثروات الجزائريين البسطاء بينما لا تزال أزمات التموين بالمواد الغذائية الأساسية تضرب البلاد وتكشف عن وجه مفلس للاقتصاد الجزائري؟ في كثير من الأحيان لم تتردد الدعاية الجزائرية في اتهام المغرب باستغلال القضية الفلسطينية وربما المتاجرة فيها، لكن ماذا سنسمي هذه الدعاية الهائلة التي قام بها إعلام العصابة العسكرية عن تقديم 100 مليون دولار للشعب الفلسطيني وإعلان ذلك من طرف الرئيس الجزائري نفسه؟ أليس هذا المنّ والتبجح قمة في الاستغلال والمتاجرة بالقضية الفلسطينية؟ إن ما يريده الفلسطينيون من أشقائهم العرب يتعدّى الشيكات والمساعدات المالية التي يمكنهم بالمناسبة الحصول عليها من مختلف بقاع العالم. إن ما ينتظره الفلسطينيون اليوم أكثر من أي وقت مضى هو دعم سياسي عقلاني وواقعي لإخراج الدولة الفلسطينية إلى الوجود والحسم مع المشاريع الوهمية المرتهنة للقوى الإقليمية التي احترفت المتاجرة بقضية الفلسطينيين. قبل عقدين من الزمن دخل الفلسطينيون في مفاوضات شهيرة مع إسرائيل وكان الراحل أبو عمار على وشك التوقيع على اتفاق نهائي وتاريخي يحصل من خلاله الفلسطينيون على أراضي 1967 ليؤسسوا عليها تدريجيا دولتهم المستقلة، لكن الذي حال دون هذا التوقيع التاريخي هو تلك المزايدات التي قام بها زعماء دول عربية وإسلامية لم تكن من مصلحتهم على ما يبدو مسألة إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بأقل الخسائر والتفات المنطقة نحو المستقبل. وها نحن ذا لا نزال للأسف نعيش واقع المزايدات بأساليب أخرى وطرق مختلفة لن تنهي أبدا المشكلة ولن تساعد في حلها بصفة نهائية. لأجل ذلك نريد أن نقول للسلطات الجزائرية إن دعم الشعب الفلسطيني مسألة تحصيل حاصل ومُسلّمة من مسلّمات التضامن العربي لكن دولارات المنح والمساعدات لا يجب أن تتحول إلى ورقة سياسية تعمق من جراح الشعب الفلسطيني وتكرس خلافاته الداخلية التي لا تساعد في التوصل إلى الحل السياسي الذي نحلم به جميعا.