يعد التعبير عن الصوت في الانتخابات من اهم اشكال المشاركة السياسية، فعلى الرغم من التطورات التي عرفها النظام الديمقراطي من خلال مراجعة القواعد المؤطرة للممارسة الديمقراطية، ظلت المشاركة مؤشرا مهما في قياس مدى سلامة وصحة الجسد الديمقراطي. ان إقرار التعددية السياسية والفكرية وضمان حرية التعبير سواء من خلال الترشح او التصويت تشكل عمود النظام الديمقراطي. ومنذ أول دستور1962 لسنة اختار المغرب التعددية السياسية، بل انه اعتبر أن نظام الحزب الوحيد نظام ممنوع في المغرب. ووفق هذا الاختيار نظمت العديد من الاستشارات الانتخابية سواء التشريعية و المحلية لتكرس كفالة حق كل شخص يتمتع بحقوقه المدنية و السياسية و تتوفر فيه الشروط التي حددها القانون ، اختيار من يمثله في الهيئات المنتخبة و من يسند له مهمة تدبير الشأن العام . وساهم دستور 2011 في تطور و نضج المعايير المنظمة لمختلف العمليات الانتخابية من خلال اعتماد جملة من القواعد التي من شانها ان تمنح الاستشارات الانتخابية المصداقية و النزاهة و الشفافية المطلوبة .وبما يعزز من أدوار و اختصاصات السلطتين التشريعية و التنفيذية . ولقد عززت الوثيقة الدستورية العلاقة بين انتاج السياسات العمومية وتنفيذها وبين مساطر الاستشارة والمشاركة عبر تقوية حضور سلطة /صوت الناخب في الفعل العمومي، حيث أن اختيار النخب التي ستسند لها مهمة إعداد وتنفيذ السياسات العمومية يمر بالضرورة من عملية التصويت التي تمكن من المفاضلة بين مختلف البرامج المتنافسة. غير أن مسلسل المشاركة لا يقف عند هذه اللحظة السياسية، بل يجب أن تستمر من أجل تتبع مدى قدرة هذه النخب على تنفيذ هذه البرامج ومدى فعاليتها في تحسين أوضاع المواطنات والمواطنين. فلسيت فقط البرامج الانتخابية وحدها هي التي تكون منطلق للتصويت والمفاضلة السياسية بل كذلك نتائج وآثار السياسات التي اعتمدتها النخب السياسية التي تولت التدبير. فمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة يجب أن يستحضر مدى قدرة النخب السياسية المنتهية ولايتها والهيئات السياسية التي تنتمي اليها على الوفاء بوعودها الانتخابية. فإضافة الى البعد السياسي أي الأيديولوجي / العقدي أحيانا والذي يجب أن يحدد علاقة الناخب بالأحزاب السياسية هناك البعد التقني / التدبيري الذي أصبح محددا في عملية التصويت. فتطور السياسات العمومية يفرض بالضرورة انخراط المواطن / الناخب في أهداف هذه السياسات، خاصة وان الحكومات مطالبة بتقديم الأجوبة عن المشاكل التي يواجهها المجتمع وطرح الحلول المناسبة والفعالة. لقد اثبتت جائحة كورونا وما خلفته من نتائج سلبية على حياة المواطنات والمواطنين ضرورة تجديد النخب والبحث عن كفاءات جديدة قادرة على تقديم البدائل الناجعة والكفيلة بتجاوز هذه الاثار على الاقتصاد والمجتمع والسياسة، وأكدت من جهة أخرى على أهمية انخراط المواطن في تتبع تنفيذ وتقييم هذه البرامج. فالمشاركة السياسية الفعالة تبدأ من لحظة الادلاء بالصوت وتستمر في تتبع تنفيذ السياسات العمومية. وتم تسجيل ارتفاع بين للرغبة في الترشيحات لانتخابات 8 شتنبر 2021، حيث بلغ عدد الترشيحات المودعة برسم انتخاب أعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات 157الف و569تصريحا بالترشيح. وهوما يشكل زيادة بنسبة 20 في المائة مقارنة مع انتخابات 2015. وهو نفس المنحى التصاعدي بخصوص لوائح الترشيح برسم انتخاب أعضاء مجالس الجهات حيث بلغ عدد اللوائح المتنافسة 1123 لائحة، اذ بلغ معدل الترشيحات على 678 مقعدا، 15 ترشيحا عن كل مقعد. وبلغ عدد الترشيحات على الصعيد الوطني بمناسبة انتخاب أعضاء مجلس النواب على صعيد الدوائر الانتخابية المحلية والجهوية ما مجموعه 1704 لائحة تتضمن 6 آلاف و815 ترشيحا، بمعدل وطني يفوق 17ترشيحا عن كل مقعد. لقد كان للتعديلات التي عرفتها المنظومة القانونية المنظمة للانتخابات، وخاصة ما تعلق باعتماد القاسم الانتخابي على أساس المسجلين في انتخاب أعضاء مجلس النواب وعلى أساس المصوتين في انتخاب أعضاء مجالس الجماعات وحذف العتبة في الانتخابات الجماعية والجهوية وتدابير التمييز الإيجابي تجاه النساء أثرا بالغا في الجاذبية التي عرفتها عملية الترشيحات. فهذا التزايد على مستوى عدد الترشيحات بفرض بالضرورة المشاركة المكثفة للمواطنات والمواطنين في عملية التصويت، لأن عملية المفاضلة بين هذه النخب المرشحة و بين برامج الهيئات السياسية التي تنتمي إليها تتطلب المشاركة الفعلية للمقيدين في اللوائح الانتخابية و الذين و صل عددهم الى 17.983.490 . إن رفع تحديات المغرب وفق منظور النموذج التنموي الجديد و تفعيل المشاريع الهيكلية المرتبطة به يستلزم تقديم أفضل النخب السياسية و البرامج الواقعية و يتطلب كذلك انخراط ومشاركة الجميع بكل مسؤولية في عملية التصويت بما يمكن من اختيار افضلها كفاءة و قدرة على التدبير و التسيير بما يحسن من ظروف عيش المغاربة، ويحقق أهداف المشاركة الانتخابية سواء من الناحية السياسية أو من الناحية التدبيرية . *أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط