لن يكون هناك تأثير أفدح للعزوف السياسي مما سيكون عليه إذا حصل في الانتخابات المقبلة. تحقيق نسبة مشاركة متدنية تقل عن أربعين في المائة مثلا في الانتخابات التشريعية سيمثل فشلا ذريعا وانهيارا تاما لكل الجهود التشريعية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي بذلت في السنوات الأخيرة من أجل مصالحة المواطن مع السياسة والسياسيين. ولأن الناخبين أصلا يكادون يفضون الجمع من حول الصناديق بسبب كل الأزمات التي عاشوها في الولاية الحكومية الحالية وآخرها أزمة جائحة فيروس كورونا، فإن ما يدور اليوم من نقاش وجدل بين وزارة الداخلية والأحزاب السياسية حول إجراءات تنظيم الانتخابات المقبلة لا يساهم على ما يبدو في تحقيق المصالحة المنشودة. جل المتابعين من المواطنين والناخبين البسطاء يرون فيما يحدث حولهم من خلاف حول قضايا القاسم الانتخابي أو قضايا اللوائح النسائية والشبابية صراعا حول "الوزيعة" أو الغنيمة الانتخابية قبل الأوان. هكذا يتصور جل الناس هذه الظرفية السياسية، وهكذا تبدو لهم الأحزاب السياسية كيانات انتهازية تتصيد الفرص وتتقاتل على نصيبها من الكعكة، منشغلة عن همومهم وقضايا حياتهم اليومية المضمخة بتعب الأزمة الاقتصادية المترتبة عن الوباء اللعين. وبالتأكيد أن هذه الرؤية لن تزيد إلا من تيئيس هؤلاء المواطنين وإحباطهم، ودفعهم نحو تعميق الطلاق مع السياسة والانتخابات والاختيار الديمقراطي الحر الذي يفترض أن يقود إلى تشكيل حكومة تدبر شؤونهم لولاية جديدة. والذي يزيد من احتمالات هذا الخطر الذي نتحدث عنه، هو المقاربة التواصلية الباهتة التي تقدم بها هذه القضايا التقنية في الأساس، وتجعلها تبدو وكأنها صراع حول الريع السياسي والانتخابي المكرس منذ سنوات. وعندما يلاحظ المواطن/ الناخب أن الأحزاب السياسية تتقاعس بل تعزف تماما عن طرح ملفات تهم تخليق الحياة السياسية وعلى رأسها مثلا ملف المعاشات التي يستفيد منها النواب البرلمانيون والوزراء، فإنه من الطبيعي أن يؤول ما يجري من جدل وصراع عنيف حول القضايا والإجراءات الانتخابية بأنه صراع مصالح خاصة لا أقل ولا أكثر، وأن لا علاقة لا من قريب ولا من بعيد بالسياسة وانعكاساتها النبيلة على تدبير الشأن العام. ماذا لو طرح البرلمانيون والمنتخبون مسألة المعاشات والتعويضات على طاولة النقاش مثلما يطرحون اليوم وبقوة وتصدي النقاش حول القاسم الانتخابي وحول اللوائح الوطنية النسائية والشبابية؟ يجب على الأقل أن تفهم الطبقة السياسية أنها لا يمكن أن تواصل التشبث من جهة بكل ما يخدم موقعها السياسي ومكانتها في مراكز القرار، دون أن تقدم بالمقابل النموذج والقدوة عن حسن النية، ونبل الهدف الذي يجعلها تدافع عن حظوظها الانتخابية لخدمة المواطن وتطبيق برامجها الانتخابية وليس لأجل تحصين المكتسبات المادية والريعية التي تتقاضاها نخبها في مختلف الهيئات والمؤسسات. من هنا لن نبالغ إذا قلنا إن ما يجري من نقاش جاف وشرس حول القاسم الانتخابي والقضايا المتعلقة بالعرس الانتخابي المقبل، يمكن أن تكون له انعكاسات وتداعيات جد سلبية على التمثل الجماعي للمغاربة لأفق السياسة والانتخابات. هناك جراح غائرة في هذا المجال، ولا يجب تعميقها بمثل هذه النقاشات والسياسات التواصلية غير الموفقة. وعلى الطبقة السياسية أن تدرك أن ما تتصارع حوله اليوم من مواقع وامتيازات وتشريعات انتخابية لن يكون له أي معنى إذا ما تعرضت الانتخابات التشريعية المرتقبة في العام المقبل لضربة قاصمة، لا نرجوها، بسبب العزوف. وهنا فإن على الجميع أن يتحملوا مسؤولياتهم التاريخية لإنقاذ المسلسل الديمقراطي والبقية الباقية من مشروعية المؤسسات وجدوى السياسة.