نسعى من خلال هذا الكتاب تقديم أجوبة على قصاصات أخبار وردت بعضها في الصحافة وبعضها الآخر كان نتاج نقاش داخل الصالونات. لم نكن نود أن نخوض في أغلبها نظرا لتفاهتها أو عدم صحتها أو صعوبة استيعاب التحولات التي يعيشها حزب التجمع الوطني للأحرار. وإذا كان الافتراء من شيم المغرضين أو الخصوم، فإن التحولات الهيكلية تجد صعوبة في الهضم والتمثل نظرا للتعقيدات المرتبطة بها. وإذ نتأسف لبساطة الأطروحة وضعف المبررات، نجد أنفسنا مضطرين لتبسيط الأجوبة طمعا في الرجوع إلى جادة الصواب. فعلا قد شكل الحزب منذ نشأته الدعامة الرئيسية في الحفاظ على التوازنات السياسية؛ لأنه وضع خطا واضحا في السير وسطا بين مختلف القوى السياسية دون السقوط في فخ الارتهان السياسي. وإذا استمر الوضع هكذا على مدى عقدين، فالواجب يتطلب مراجعة للمقاربة المعتمدة منذ النشأة حفاظا على الاستقلالية والوسطية. وللتذكير، لم تكن نتائج الانتخابات لسنة 2016 كافية للحفاظ على هذا المنحى. فكان الخيار إما أن نتخلى عن هدف النشأة والسقوط في أحضان أحزاب أخرى أو البحث عن التغيير. وهنا كان إجماع المناضلات والمناضلين في انتخاب رئيس جديد قادر على المضي في مسار الاستقلال والوسطية والاعتدال. غير أن هذا الحزب الذي يرفض الجمود ويؤمن بشريعة التطور على غرار تطور المجتمع ما دام أنه نابع منه؛ لم يركن إلى النتيجة الانتخابية ولا إلى حائط المبكى بحثا عن السبب. وبكل شجاعة قدم رئيسه الاستقالة وتم انتخاب رئيس جديد. وإذا حصلت القناعة بأن أساليب التدبير التقليدية المرتكزة على القبلية والقرابة والتراتبية كانت من بين الأسباب الرئيسية في تخلف الحزب عن مواعيد الإستحقاقات والمواقف، فإن الجواب قد جاء قصد الابتعاد عن العوامل الثابتة والموروثة والتي كانت توجه تكوين هوية الحزب في الماضي. وبالطبع كان الابتعاد عن النسق التراتبي التقليدي والنسق المتصلب الذي لم يكن يخدم سوى فئة قليلة من المناضلين والمناضلات. جاء الجواب واضحا من خلال الحفاظ على هوية الحزب الأصلية، لكن بمكونات جديدة، تتماشى مع تحولات المجتمع المغربي ومتطلبات العصرنة. جواب يتجاوز المؤسسات الراسخة في حياتنا والتي أصبحت بحكم التحول متقادمة وبالية، بل إن بعضها أصبح معيقا للتقدم والتطور. لقد حرص الحزب على مواكبة التطورات التكنولوجية، والتحولات الاجتماعية، والمنسوب المعرفي للمناضلات والمناضلين، والتطورات الاقتصادية، وتطلعات الشعب المغربي ليعقد مؤتمرا متميزا حاول من خلاله التوفيق بين هذه المكونات. أكيد أن بلورة هذا المشروع يبدو بسيطا في متناول الخطاب وإعلان النوايا، لكن يظل صعب التنفيذ. لذا، كان لا بد من الاعتماد على أسلوب للتدبير يضع مسافة مع الممارسات التقليدية. هنا نجد أنفسنا أمام منظومة متكاملة للتدبير تجد مكانا للأشخاص الذين يؤمنون بالتحول والتقدم وتصد الأبواب أمام الأشخاص الذين يمجدون الأوثان. تعود مسؤولية الإقصاء إلى الذين يرفضون التغيير والذين يتشبثون بالمواقع. غير أن الاعتراف – والاعتراف بالخطأ فضيلة- بالتجاوز يصعب مع الذين يعتقدون أنهم وحدهم من يمتلك الحقيقة المطلقة. لذا، نطرح سؤالا غبيا: لماذا قبل هؤلاء بنتائج المؤتمر ومخرجاته، وسكتوا عنه لمدة أربع سنوات حتى الآن؟ أم كانت لديهم قناعة خفية بأن الحزب سيعرف نكسات تفتح أمامهم نافذة للانقضاض عليه وقت الضعف؟ لقد وافقت مؤسسات الحزب المنبثقة عن المؤتمر الوطني على اعتماد أسلوب جديد للتدبير الإداري للحزب، بما في ذلك المساطير وقواعد اجتماع المؤسسات الحزبية ودورية الاجتماعات والتي تم تسطيرها بشكل واضح في النظام الأساسي والقانون الداخلي للحزب، والمتوافقة مع روح وفلسفة وقواعد القانون التنظيمي للأحزاب. وهنا نطرح السؤال: أين يكمن الخلل؟ فعلا، يكمن الخلل في عدم الحديث عن أشخاص بذاتهم. وحسب اعتقادنا، فإن الاحتكام إلى هذه القواعد وتطبيقها لم يترك مجالا لحياكة القرارات حسب المقاس. أما وأن يحاول البعض تقديم وصفة التدبير المقاولاتي، فالجواب بنعم غير كاف. إننا نعتبر أن المجتمعات البدائية التي تعتمد على شخص كبير القبيلة الذي يملك السلطة والحكمة والنفوذ الكافي لتطبيق الأعراف قد توارت وحلت محلها المجتمعات الصناعية وما بعد الصناعية بحيث توارت معها أيضا الأعراف كمصدر وحيد للتشريع. والمجتمعات الحديثة التي سجلت تقدما في تنظيمها وتنظيماتها قد اعتمدت قوانين وقواعد مكتوبة وشفافة، وفتحت المجال أمام الخاضعين لها اللجوء إلى مساطر الطعن أمام مؤسسات التحكيم. وكل خروج عن هذه القاعدة يمكن تصنيفه في خانة عدم الاعتراف والتمرد والفوضى والعودة إلى ما قبل التاريخ. لقد انقرضت وظيفة كبير القبيلة وحلت مكانها مؤسسات لتدبير شؤونها. وإذا كان هذا الأسلوب في تدبير شؤون المجتمعات الحديثة فإن الشركات والقطاع الخاص عموما قد تبنى نفس النظام في التدبير. والتجمع بوصفه تنظيما اجتماعيا لن يقبل أن يظل بعيدا عن هذا النوع من التدبير إذا كان فعلا يطمح أن يتصدر الاستحقاقات المقبلة. ويفتخر بأن تنظيماته ومؤسساته قد بلغت هذا المستوى من التدبير الفعال والناجع. ونعتقد أن الفعالية والنجاعة أصبحتا شرطا مطلوبا إذا كان فعلا هاجسنا هو البحث عن أجوبة لإشكالات معاصرة ومعقدة، وحلولا واقعية تلائم وتستجيب لتطلعات المواطنات والمواطنين. لن نخوض تفصيلا في الأجوبة على كل نقطة، غير أننا نتوقف عند المفاهيم المستعارة من قاموس ثقافة سياسية لا تربطها علاقة بثقافة التجمعيين الحقيقيين. إن المصطلحات تدين صاحبها وتضعه في قفص الإتهام بالاشتغال بالوكالة لأصحاب ثقافة تعتمد على التبخيس والتشكيك والتشويه والكذب والافتراء. وهنا يقف كل التجمعيين حصنا منيعا أمام هذه المناقصة في المزاد العلني. أما غياب الحزب عن مواكبة القضايا الكبرى للوطن، فنعتقد أن الغيبوبة التي أصابت أصحاب التضليل هي التي حجبت عنهم مواكبة مواقف الحزب المتواترة. فإذا كانت المعركة التي قادها الحزب إلى جانب القوى الحداثية حول القانون الإطار، وترسيم اللغة الأمازيغية باعتبارها مكونا ثقافيا أصيلا، والاصطفاف إلى جانب التجار وقت تعرضهم لهجوم ممنهج من طرف تنظيم سياسي، والصمود أمام الأوراق البنكية التي حاولت استثناء اللغة الأمازيغية، ومواجهة اتفاقيات التبادل الحر التي أضرت بمصالح التجار الصغار، وغيرها كثير؛ فالسؤال عن أي قضايا كبرى تتحدثون؟ إن أكبر قضية وطنية هي قضية المغاربة بدون استثناء: الصحراء المغربية. وهنا نربأ بأنفسنا الخوض في هذا النقاش العقيم ما دام كل المغاربة مجمعون على توابث المملكة ومنها الوحدة الترابية. وما بلاغات المكتب السياسي في هذا الشأن إلا تذكيرا وتأكيدا. وإذا كانت قراءة بلاغات المكتب السياسي بعين ترى فيه لغة الخشب، فلأن السلوك الحضاري لأعضاء المكتب السياسي يلزمهم تجنب العنف اللغوي، الذي أصبح موضوع استهجان. والأسلوب المتحضر يعكس النضج السياسي لأصحابه والصياح والعويل محفوظ لأصحابه. إننا لا نفهم التناقض الحاصل في العرض حين الحديث عن حزب «منفذ لدور صغير لا يليق بحجم وتاريخ الحزب»، استطاع أن يخلق «بلوكاج سياسي لمدة 6 أشهر». فإذا كان التاريخ يعترف بما يسمى البلوكاج، فذلك راجع لحزب كبير، وأكبر مما تتصورون. وإذا أصبح الحزب صغيرا يلعب أدوارا صغيرة، فمن هو المسؤول عن البلوكاج؟ إن الحزب ليس مسؤولا عن البلوكاج لأن رئيسه لم يكن مسؤولا بتشكيل الحكومة. ونقبل هذه التهمة ما دام أصحابها يتملصون من مسؤولياتهم الدستورية. وفي هذه الحالة نفند مقولة حزب صغير. بل نعترف أننا حزب متوسط وسطي وصناديق الاقتراع هي التي تحدد حجم الأحزاب وليس انطباع الحاقدين. ونتمنى صادقين أن تتذكر الأجيال المقبلة هذه الفترة من تاريخ المغرب لأنها تؤرخ للدفاع المستميت لحزب التجمع الوطني للأحرار عن التعددية السياسية ومواجهة الإقصاء. إيمانا منا بالدور الذي يلعبه القطاع الخاص في إنتاج الثروة وخلق مناصب الشغل، فإن التجمع الوطني للأحرار وتماشيا مع مجهودات جلالة الملك نصره في استقطاب الاستثمارات الخارجية قصد الرفع من الإنتاجية الوطنية، كان ولا زال وسيظل مدافعا عن القطاع الخاص. وهنا يقف التجمع الوطني للأحرار ضد كل الذين يساومون مستقبل المغرب ويحطمون آمال أجيال بكاملها نزولا عند نزواتهم الانتقامية وتصفية الحسابات السياسية. لقد فشلت عمليات استهداف الرئيس بداية، فجاءت مقاطعة منتوجات وطنية، وقد فشلت أيضا، فكان تقرير اللجنة الاستطلاعية المزور مناسبة لشيطنة الرأسمال الوطني، وقد فشلت أيضا، فكان تقرير مجلس المنافسة، وقد فشل أيضا، فجاءت المذكرة، وستكون فاشلة كسابقاتها. وتنفجر أصوات الديكة التي تعتقد أن صياحها في الصباح الباكر هو الذي يصنع الكون، لتغني أنغاما مستقاة من قاموس تيار سياسي يربط زواج السياسة والمال. كل هذه الأحداث تؤكد أن الخطة الموضوعة لمحاصرة التجمع الوطني للأحرار، هي فقط وسيلة للترهيب حتى يتراجع الجميع للوراء ويفسح المجال أمامهم دون منافس. وهنا نتذكر المعركة التي سبقت استحقاقات 2016، التي حاصرت شخصا بذاته حتى الانهزام. ونقول أخيرا، لقد انفضحت اللعبة وسقط القناع وانكشف الستار وعليكم البحث عن تكتيك جديد. وبما أننا نعلم أن عرابيكم الذين علموكم هذه الأساليب قد اختفوا، فلقد أصبحتم عاجزين عن الإبداع. وفي غياب الإبداع يبقى زعزعة الأحزاب المنافسة من الداخل هو السبيل لتحقيق أضغاث الأحلام. مع الأسف الكامل، هذا الأسلوب عينه سيلقى المصير نفسه، لأن الذي أثبت نجاحاته في القطاع الخاص لن يفشل في العمل السياسي، ولأن الذي واجه أزمات السوق لن ينحني أمام دسائس المغرضين. والنجاحات في القطاع الخاص ليست وليدة المكائد والمؤامرات والخداع، إنها محصلة الثقة والصدق وحسن التعامل، وهذا هو منطق التجمع الوطني للأحرار وقناعات رئيسه «أغراس-أغراس». إذا كان حزب التجمع الوطني للأحرار قد بنى جسور الثقة بينه وبين المواطنين، فلأنه كان دائما ملتزما بولائه اللامشروط لثوابت المغرب. وكلما تعرض تابث من التوابث للانتقاد خرج التجمع مدافعا وغير مكترث للمزايدات. وفي هذا الصدد لم يتراجع رئيس الحزب في الدفاع عن التوابث الوطنية. وإذا كان خطاب الرئيس في إيطاليا جاء دفاعا عن أحد ثوابت المملكة، ونتفهم انزعاج الخارجين عن الإجماع الوطني، نظرا للضرر الذي لحقهم من تصريح الرئيس، فنتساءل حينه عما أصاب التجمعيين من ضرر.