الذين يزورون ووهان الصينية، المعقل الأول لفيروس "كورنا"، أو حتى الذين يشاهدون صورها من بعيد، يصابون بالصدمة، لكون هذه المدينة التي زرعت الهلع في العالم، ولا تزال، تتصرف وكأن شيئا لم يكن، وكأن تلك الأيام العصيبة التي مرت منها لم تكن إلا كابوسا عابرا في الزمان والمكان. مدينة ووهان، بملايينها الثلاثة عشر، تبدو مؤخرا وكأنها اكتشفت الحياة من جديد، وكأن سكانها سكان كهف جدد أمضوا ثلاثمائة عام، أو يزيد، في كهف، قبل أن يستيقظوا من سباتهم ويحسوا برغبة جامحة في استئناف حياة كانوا يعتبرونها ضائعة.. تقريبا. قبل بضعة أشهر فقط، كان العالم ينظر إلى ووهان على أنها منبع الشر، وفعلا كانت كذلك، لكنها استطاعت أن تتحول إلى مدينة بيدها الداء والدواء، فقد صدّرت للبشرية أسوأ فيروس ممكن تخيله، لكنها، الآن، تمنح للبشرية أفضل أمل ممكن بعد الفيروس. خرجت "ووهان" من حجر صحي أكثر صرامة من أي حجر آخر في العالم، فالنظام الصيني لا يعترف بالرمادي، إما أبيض وإما أسود، لذلك كان نجاح ووهان كبيرا في الخروج من حضن فيروس كان من الممكن أن يكون أكثر شراسة بكثير. علماء الاجتماع، الذين يتتبعون حاليا كل حركة وكل سكنة في تلك المدينة المنبعثة من رمادها، يلاحظون أن سكانها صورا أكثر إقبالا على الحياة، ويمارسون طقوسهم اليومية بكثير من الاستمتاع وكأنهم يمارسونها لأول مرة. الكثير من سكان ووهان لم يعودوا يحبون السيارات في تنقلاتهم القصيرة، ولا حتى وسائل النقل العام، ليس خوفا من انبعاث الفيروس، بل لأنهم يستمتعون بالمشي وبتنشق هواء طري حرموا منه طويلا. يريدون أن يلتقوا بعضهم البعض في الشوارع ويتبادلون التحايا والابتسامات، رغم أن الأغلبية الساحقة من السكان لا يزالون يرتدون الكمامات، لكن ذلك لا يهم، فالابتسامة تنجلي في العين حتى لو كان الفم مخفيا تحت كمامة. مدينة ووهان تريد حاليا أن تستعيد نفسها كمدينة ثقافية بامتياز، كقلعة لموسيقى "البانك" في العالم، وتريد أكثر أن تنسي الناس في كونها مدينة أكلة لحم الخفافيش والكلاب والثعابين وكل ما يدب على الأرض، خصوصا بعد أن منعت السلطات الصينية الكثير من الوجبات المقرفة. ربما يخرج العالم من الحجر سريعا، وقد نتحول كلنا إلى نموذج لمدينة ووهان وسكانها.. نكتشف الحياة من جديد ونستعيد أنفسنا التائهة من مخالب فيروس يأبى أن يفارقنا سريعا.