قال الفيلسوف اليساري الفرنسي Louis PierreAlthusser بأن " الإيديولوجي يأتي إلى الواقع ليبحث فيه عن ما يدعم فرضية أتى بها معه، ويتجاهل فيه (أي في الواقع) ما يزعج نظريته". يكاد ينطبق هذا الوصف في بعض "تلابيبه غير الفلسفية" على المعطي منجب، صاحب "براءة" إحداث لجان التضامن مع معتقلي الجرائم الأخلاقية والاعتداءات الجنسية، والموّقع الدائم والوحيد على بيانات وتدوينات التضامن الجاهز التي تصدر ظاهريا عن ما يسمى بجمعية " الحرية الآن". فالمعطي منجب كان أول من نشر خبر توقيف سليمان الريسوني، وهي مسألة مفهومة بحكم العلاقة الشخصية بينهما ورابطة العضوية في "الحرية الآن"، لكن ما لم يكن مفهوما ومستساغا هو تلك التنقيحات والتحيّينات المتكررة التي أدخلها المعطي منجب على تدوينة التضامن، والتي حاول أدلجتها وفق تصوره المسبق للواقع، قبل أن يضطر منزعجا لتغييرها بحكم الأحداث المتسارعة في الواقع. اعتقال هوليودي.. بمسحة درامية! أول بيان أصدره المعطي منجب بلسان جمعية "الحرية الآن" تحدث عن " اعتقال هوليودي"لسليمان الريسوني، مشفوعا بمزاعم تتحدث عن اعتقال والدة زوجته، مع ربط هذا الإجراء المقيد للحرية بالخط التحريري للمتهم، والحال أن منصات التواصل الاجتماعي كانت تتداول بشدة وقتها خبر الشكاية التي تقدم بها شاب من المدافعين عن حقوق الأقليات، يتهم فيها سليمان الريسوني بتعريضه لهتك العرض بالعنف واحتجازه بمسكنه بدعوى تصوير فيلم عن "مجتمع الميم". لكن هذه المسحة الدرامية حول خبر التوقيف، سرعان ما سيتم حذفها في التنقيح الثالث الذي خضعت له تدوينة التضامن في نفس الليلة، حيث سيتم الحديث هذه المرة عن اعتقال عادي بدون أي إخراج هوليودي، وذلك بعدما أدرك المعطي منجب ومن يحملون معهم الإيديولوجيا الجاهزة بأن الواقع يختلف تماما عن انطباعاتهم الراسخة إزاء القضية. واللافت للانتباه هنا، أن المعطي منجب وحده الذي نشر خبر اعتقال "حماة" سليمان الريسوني، دون أي جهة ذاتية أو معنوية ولا أي مصدر إعلامي أو حقوقي آخر، وذلك قبل أن يتراجع بهدوء ويسقط واقعة الاعتقال الوهمية من بيانات التضامن وتدوينات النضال التي سينشرها لاحقا! وفي سياق متصل، فعندما كان المعطي منجب و"الحرية الآن" ولجنة التضامن المبتدعة مؤخرا يتحدثون عن اعتقال تعسفي وهوليودي، مشوب بشطط الشرطيين، كان موقع "اليوم 24" الذي يتشارك معه سليمان الريسوني في نفس المجموعة الإعلامية ويقتسم معه نفس الخط التحريري، قد نشر خبرا جاء فيه بالحرف "كانت عناصر بزي مدني، أوقفت مساء أمس الجمعة بالدار البيضاء، الزميل الصحافي سليمان الريسوني، رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم، وعقب ذلك تم الاتصال بزوجته، وأبلغت من طرف المصالح الأمنية وفق المقتضيات القانونية أن سليمان الريسوني يوجد رهن الحراسة النظرية بأمر من النيابة العامة". فمن الذي أولى بالثقة والتصديق؟ هل هو المعطي منجب الذي تحركه الإيديولوجيا والمواقف الجاهزة بعيدا عن مصلحة أطراف الدعوى؟ أم هو الموقع الإخباري اليوم 24 الذي ينتمي مع المتهم لنفس المنبر الإعلامي ويتشارك معه نفس الخط التحريري، والذي أكد " استيفاء واحترام المقتضيات القانونية في الإشعار بخبر التوقيف". ومن عبثية الصدفة، إن لم تكن من عمدية المعطي منجب، ف"الحرية الآن" و"لجنة التضامن" وحدهما من تحدثا عن مشاركة 15 شرطيا في عملية توقيف سليمان الريسوني، وكأن عدد الشرطيين هو المقياس القانوني الذي تتحدد على أساسه مشروعية التوقيف من عدمها.وبتعبير آخر، إذا شارك شرطيان أو ثلاثة فالتوقيف يكون مشروعا، وإذا تجاوز هذا السقف فإنه يكون معيبا في الشكل والعدد !!فهذا الطرح اللامنطقي ليس غريبا عن المعطي منجب، الذي سبق له أن ادعى أن 40 شرطيا شاركوا في توقيف توفيق بوعشرين، قبل أن يتعرض هذا الرقم للتناقص والتآكل في بورصة المزايدات المؤدلجة. مزاعم أخرى كثيرة… نفى مصدر أمني ما ادعاه المعطي منجب من كون زوجة سليمان الريسوني أو أي فرد من عائلته قد تعرض لتقييد الحرية أو الاعتقال، موضحا بأن "الزوجة اقتضت ضرورة البحث تحصيل إفادتها بعدما أثارها الضحية في محضر أقواله، حيث تم استدعاؤها رسميا بواسطة وثيقة مكتوبة، وتم الاتصال بها هاتفيا، قبل أن يتم اصطحابها على متن سيارة المصلحة من طرف شرطيات، إحداهن عميدة شرطة، إذ تم الاستماع إلى إفادتها وإرجاعها إلى منزلها على متن سيارة المصلحة، ضمانا لسلامتها وحرصا على تأمين نقلها حتى منزلها في زمن الطوارئ الصحية". وبدورها أثارت مواقف لجنة التضامن العديد من التعليقات والتدوينات الساخرة، إذ تساءل أحد المعلقين "كيف لهؤلاء الذين يدعون العمل الحقوقي والتمرس القانوني أن يمنعوا النيابة العامة من حقها الأصيل في الأمر بفتح بحث تمهيدي بناءً على شكاية من شخص مجهول أو من لدن شخص بهوية غير حقيقية ؟" مستطردا تدوينته " إن القانون يعتد بالوشايات كأساس لفتح الأبحاث التمهيدية بمقتضى المادة 21 من قانون المسطرة الجنائية، مع أن الوشاية قد تكون مجهولة أو شفوية أو مكتوبة أو بمجرد الهاتف". ومن جانبه، أكد أستاذ القانون الجنائي محمد بوكيري بأن المادة 39 من قانون المسطرة الجنائية تعطي لممثل النيابة العامة صلاحية ممارسة الدعوى العمومية إما تلقائيا أو بناءً على شكاية من شخص متضرر، كما هو الحال بالنسبة للضحية محمد آدم في قضية سليمان الريسوني، بل أكثر من ذلك، تنص المادة 84 من نفس القانون على أنه يمكن للنيابة العامة أن "تقدم ملتمس فتح التحقيق ضد شخص معين أو مجهول". وأردف أستاذ القانون الجنائي بأن "تدوينة الضحية محمد آدم كانت في البداية بمثابة وشاية أو تبليغ مفترض حول جريمة، وفق مدلول المادة 21 من قانون المسطرة الجنائية، وذلك قبل أن تتحول إلى شكاية رسمية بعدما تم الاستماع إليه من طرف الشرطة القضائية في محضر قانوني"، مضيفا بأن هذه "الإجراءات تتسم بالشرعية والمشروعية ولا يعيبها أي خرق في الشكل ولا الجوهر". وفي سياق ذي صلة بهذا الموضوع، تساءل رواد المنصات التواصلية حول أسباب إقصاء المعطي منجب و"الحرية الآن "لمطالب الضحية محمد آدم، وإمعانهم الممنهج في إنكار وجوده وتبخيس حقوقه الفئوية كأقلية جنسية غير معترف بها، مستغربين " كيف لمن يدعي الدفاع عن حقوق الإنسان أن يزدري حقوق الأقليات التي هي أولى بالحماية في الشرائع الدولية حسب ما جاء في بعض التدوينات والتغريدات على مواقع التواصل الاجتماعي".