المغرب يعزز دوره القيادي عالميا في مكافحة الإرهاب بفضل خبرة وكفاءة أجهزته الأمنية والاستخباراتية    هزة ارضية تضرب نواحي إقليم الحسيمة    ارتفاع رقم معاملات السلطة المينائية طنجة المتوسط بنسبة 11 في المائة عند متم شتنبر    إيداع "أبناء المليارديرات" السجن ومتابعتهم بتهم الإغتصاب والإحتجاز والضرب والجرح واستهلاك المخدرات    بلومبرغ: زيارة الرئيس الصيني للمغرب تعكس رغبة بكين في تعزيز التعاون المشترك مع الرباط ضمن مبادرة "الحزام والطريق"    لقجع وبوريطة يؤكدان "التزام" وزارتهما بتنزيل تفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية بالمالية والخارجية    أشبال الأطلس يختتمون تصفيات "الكان" برباعية في شباك ليبيا    مؤامرات نظام تبون وشنقريحة... الشعب الجزائري الخاسر الأكبر    الرباط.. إطلاق معرض للإبداعات الفنية لموظفات وموظفي الشرطة    بوريطة: الجهود مستمرة لمواجهة ظاهرة السمسرة في مواعيد التأشيرات الأوروبية    اللقب الإفريقي يفلت من نساء الجيش    منتخب المغرب للغولف يتوج بعجمان    ‬النصيري يهز الشباك مع "فنربخشة"    الجمارك تجتمع بمهنيي النقل الدولي لمناقشة حركة التصدير والاستيراد وتحسين ظروف العمل بميناء بني انصار    عبد الله بوصوف.. النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام    نهضة بركان يتجاوز حسنية أكادير 2-1 ويوسع الفارق عن أقرب الملاحقين    عمليات تتيح فصل توائم في المغرب    المخرج المغربي الإدريسي يعتلي منصة التتويج في اختتام مهرجان أجيال السينمائي    حفل يكرم الفنان الراحل حسن ميكري بالدار البيضاء    بعد قرار توقيف نتنياهو وغالانت.. بوريل: ليس بوسع حكومات أوروبا التعامل بانتقائية مع أوامر المحكمة الجنائية الدولية    أنشيلوتي يفقد أعصابه بسبب سؤال عن الصحة العقلية لكيليان مبابي ويمتدح إبراهيم دياز    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة        المغرب يرفع حصته من سمك أبو سيف في شمال الأطلسي وسمك التونة الجاحظ ويحافظ على حصته من التونة الحمراء    التفاصيل الكاملة حول شروط المغرب لإعادة علاقاته مع إيران    الأخضر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    كرة القدم النسوية.. توجيه الدعوة ل 27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اغتصاب جماعي واحتجاز محامية فرنسية.. يثير الجدل في المغرب    الحسيمة تستعد لإطلاق أول وحدة لتحويل القنب الهندي القانوني    هتك عرض فتاة قاصر يجر عشرينيا للاعتقال نواحي الناظور        قمة "Sumit Showcase Morocco" لتشجيع الاستثمار وتسريع وتيرة نمو القطاع السياحي    انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"كورونا" في المغرب…أحكام من القرآن والسنة في رعاية صحّة الإنسان حفظا ووقاية وعلاجا
نشر في الدار يوم 21 - 05 - 2020

في إطار مواكبة موقع "الدار" لمستجدات تفشي فيروس "كورونا" المستجد" كوفييد19′′، ونهوضا من الموقع بدوره الاعلامي في تحسيس وتوعوية المواطنين بأهمية الوقاية والالتزام بالحجر الصحي لتجاوز هذه الظرفية الاستثنائية التي تعيشها المملكة والعالم أجمع، يوصل موقع "الدار"، عبر صفحة "دين وحياة" نشر عدد من المقالات العلمية لباحثين وباحثات تتناول المنهج الرباني والنبوي في التعامل مع الأوبئة والأمراض المستجد، و مقاربة الشرع الحنيف للمحن والأوبئة و مختلف أشكال البلاء.
في هذه الحلقة نتوقف مع مقال للباحث بمركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء، مصطفى اليربوعي، في موضوع "أحكام من القرآن والسنة في رعاية صحة الانسان حفظا ووقاية وعلاجا".
يقال المناسبة شرط، ففي سياق انخراط مؤسسة الرابطة المحمدية للعلماء في جهود بلادنا المملكة المغربية للتصدي لوباء فيروس »كوفييد19«، من الجانب العلمي المعرفي التوعوي؛ يأتي هذا القال بعنوان: أحكام من القرآن والسنة في رعاية صحّة الإنسان حفظا ووقاية وعلاجا؛ بقصد الإسهام في بيان كيفية مقاربة التشريع الإسلامي قرآنا وسنة للأمراض والأوبئة.
من البديهي بالنسبة للمسلم؛ بناء على إيمانه بالله تعالى، ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يتجه إلى رسالة ربه، وكلام نبيه صلى الله عليه وسلم؛ ليستنبط منهما ما يستهدي به في التعامل مع المشاكل والأزمات التي يواجهها، كأزمة وباء «كوفييد19» التي نواجهها اليوم.
إن نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية تبين أن الشريعة الإسلامية أولت عناية فائقة للإنسان، وصحته، وسلامته، وعافيته، واعتبرت ذلك مقصداً من مقاصدها.
فجسد الإنسان هو عنوانه، ومظهره، وصورته المشرقة؛ فالإنسان عند الله تعالى مكرم في مخبره وباطنه، ومشرف في مظهره وصورته. قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ [الإسراء: 70]، وقال تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4]، وقال تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ [غافر: 64].
تبرز هذه الآيات أن الإنسان في المنظور الإسلامي مكرم، ومفضل بالعقل، والنُّطق، والتَّمييز، وبحسن الصورة...على غيره من المخلوقات التي يشارك معها الحياة في هذه الأرض؛ لأنه «أحسن خلق الله باطنا وظاهرا، جمال هيئة ، وبديع تركيب»[1]، فالله تعالى خلق الإنسان «في أكمل صورة، وأحسن تقويم، وأجمل شكل»[2].
إن حفظ الصّحة مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، بل إننا نجد أن مقاصد الشريعة الإسلامية الكلية الخمسة المتمثلة في: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ النسل (العرض (، وحفظ المال لها صلة وثيقة بصحة الإنسان؛ فلا تثبت سلامة صحة الإنسان إلا بسلامة نفسه وعقله ونسله، كما أن المقصدين المتبقيين وهما: حفظ الدين وحفظ المال لا يتحققان إلا بسلامة صحة المكلف بحفظهما لتتوفر له القدرة التي هي مناط التكليف؛ ولذلك يجمل علماء الشريعة المقاصد الكلية للإسلام في: حفظ الأديان وحفظ الأبدان، فلا تحقيق لمصالح العباد إلا بحفظ الأديان وحفظ الأبدان.
فأدلة رعاية الإسلام للصحة حفظا ووقاية وعلاجا كثيرة جدا، منها قوله صلى الله عليه وسلم: «إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا...»[3]، وقوله: «ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه، حسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه، فإن كان لا محالةَ، فثُلثٌ لطعامِه وثلثٌ لشرابِه وثلثٌ لنفسِه»[4]، فهذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم في موضوع العناية بالصحة، حفظا ووقاية من الأمراض والأوجاع الناجمة عن سوء التغذية، فأرشد أمته إلى الطريقة النافعة لتناول الطعام، وفي ذلك دليل على إيلاء الشريعة الإسلامية لحفظ صحة الإنسان عناية كبيرة، و قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن كان له شَعَرٌ، فَلْيُكرِمْهُ « [5]، وقوله صلى الله عليه وسلم: « طهِّروا هذه الأجسادَ ، طهرَّكم اللهُ...»[6]، كما أن الإسلام شرع كثيرا من الأحكام الشرعية التي تتغيى حفظ الصحة، والوقاية من الأمراض، كما قرر أحكاما تدعو إلى علاج الأسقام، وسد ذريعة انتشار الأوبئة عند حلولها ونزولها.
ويتناول هذا المقال جملة من الأحكام الشرعية المتعلقة بالصحة؛ حفظا، ووقاية، وعلاجا، مكتفيا في هذا الجزء بالحديث على نماذج من الأحكام التي تستهدف حفظ الصحة، على أن تتعرض الأجزاء المقبلة لنماذج من الأحكام التي ترمي إلى الوقاية من الأمراض، ثم نماذج من الأحكام الآمرة بالعلاج من الأسقام.
أولا: أحكام شرعية في حفظ صحة الإنسان
إن حفظ صحّة الإنسان مقصد من مقاصد الشريعة كما سبق، وتعد النظافة أهمّ عنصرٍ من العناصر التي يحافظ به الإنسان على صحته، ولا يستطيع أحد مؤمنا أو غير مؤمن أن ينكر هذا الأمر؛ لذلك اعتنى الإسلام اعتناء كبيرا بالطهارة لما لها من دور كبير في الحفاظ على صحة الإنسان التي هي قوام حياته، وهي في الإسلام شطر الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم: «الطُّهورُ شَطرُ الإيمانِ»[7]، بل جعل الإسلام هذه النظافة مفتاح الإيمان والجنة، قال صلى الله عليه وسلم: «تخلَّلوا، فإنَّهُ نظافةٌ، والنَّظافةُ تدعو إلى الإيمانِ، والإيمانُ معَ صاحبِهِ في الجنَّةِ»[8].
ولم يكتف الشرع الإسلامي بالدعوة إلى النظافة من قبيل التحسينيات والكماليات، بل أمر بالطهارة، واشترطها لصحة كثير من العبادات، وأمر بالبعد عن النجاسات والأقدار التي أثبت العلم الآن أنها مصدر الميكروبات، وعلة عدوى الأمراض، وسبب انتشارها. قال تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [سورة البقرة: 222]، وذلك بقصد أن تكون النظافة سلوكاً إنسانياً في حياته.
يقول ابن القيم رحمه الله: «كيف تنكر أن تكون شريعة المبعوث بصلاح الدنيا والآخرة مشتملة على صلاح الأبدان؛ كاشتمالها على صلاح القلوب، وأنها مرشدة إلى حفظ صحتها ودفع آفاتها بطرق كلية، قد وكل تفصيلها إلى العقل الصحيح والفطرة السليمة بطريق القياس والتنبيه والإيماء، كما هو في كثير من مسائل فروع الفقه»[9].
فقد فرض الإسلام الصلاة، واشترط لها الطهارة بكل أنواعها؛ الوضوء، والغسل، ونظافة الثوب، والمكان، كالآتي:
أولا: الوضوء، قال تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَوٰةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة:6]، فالوضوء يتحقق بغسل الأعضاء المحددة شرعا؛ قرآنا وسنة، مما يفضي إلى التخلص من الجراثيم؛ «فالأمراض تنتقل للإنسان بإحدى طرق ثلاث؛ إما عن طريق الفم أوالاستنشاق، أو عن طريق الجلد، وما الوضوء إلا الطريق الذي يطهر هذه المواضع كلها»[10].
وبالوضوء تتخلص الأطراف من الجراثيم والميكروبات، بل إن غسلهما يساعد على تنشيط الدورة الدموية.[11] فالوضوء في الإسلام يحقق نظافة الفم، والوجه، واليدين، وشعر الرأس، والأذنين، والرجلين، إذ تغسل هذه الأعضاء مرات عدة في اليوم للصلوات، فهذا منتهى النظافة التي حرص الإسلام على تحقيقها لأفراده، فإفرازات العرق والدهون مجمع للأتربة والغبار، وبيئة خصبة لنمو الميكروبات على سطح الجلد «فالمواد الدهنية، وإفراز العرق، يشجعان على نمو الميكروبات بصورة قد تكون مغلقة أو مرضية»[12].
ولهذا رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في الوضوء، فيقول: «إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء، فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل»[13].
ثانيا: الغسل: أوجب الإسلام الغسل في حال حدوث الجنابة. يقول سبحانه: ﴿يٰأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَوٰةَ وَأَنْتُمْ سُكٰرٰى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا﴾ [سورة النساء:43]. وقال: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾ [المائدة: 6].
وقال تعالى: ﴿وَيَسْئَلُوْنَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ [سورة البقرة: 222].
كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ »[14].
وقد بينت عائشة رضي الله عنها علة الأمر بالغسل يوم الجمعة وهي: ما ينتاب بعض الناس الآتين إلى المسجد لصلاة الجمعة من العرق، والأساخ، والروائح الكريهة، فيؤذون المصلين بالروائح التي تصدر من أجسادهم، فقالت رضي الله عنها: «كان الناس أهل عمل، و لم يكن لهم كُفاة، فكانوا يكون لهم تفل، فقيل لهم: لو اغتسلتم يوم الجمعة»[15] فالتزام المسلم بالطهارة المتمثلة في الوضوء والغسل للصّلاة، واستخدام الماء أكثر من مرّة في اليوم واللّيلة، هو بلا شكّ أسلوب وقائي ضد الأمراض؛ حيث يزيل الأدران والأوساخ التي قد تصيب الإنسان من محيطه، وحث الإسلام على النظافة والطهارة وعلى نظافة البدن والثوب، والمكان.
فكما اعتنى الإسلام بالبدن كاملا اعتنى ببعض الأعضاء بصفة خاصة؛ ومنها:
اليدان، فهو العضو الأكثر استعمالا للمس الأشياء والاحتكاك بها من أعضاء الجسم، فباليد يأكل الإنسان، ويلمس، ويقبض، ويصافح، ويمسح، ويغسل...وبذلك فهو معرض لانتقال الجراثيم من الأشياء التي يلمسها؛ لذلك أمر الإسلام بغسل اليدين وقاية للإنسان من التلوث في حالات كثيرة، منها:
عند الأكل، بل كان ذلك يفعله صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ ، تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ ، قَالَتْ : يَغْسِلُ يَدَيْهِ ، ثُمَّ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ»[16].
بعد قضاء الحاجة، قال صلى الله عليه وسلم: «مَن مسَّ ذكَرَه فلا يُصَلِّ حتى يتوضَّأَ»[17] بعد القيام من النوم، وقبل أن توضع في آنية الوضوء، حفاظاً منه صلى الله عليه وسلم على طهارة اليدين من الأوساخ والنجاسات، وحفاظاً منه كذلك على عدم تلويث الماء حتى لا تتأذى صحة الإنسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « وَإِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي وَضُوئِهِ ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ »[18]. قال محمد سعيد السيوطي: «إذا أدخل المستيقظ من النوم يده في إناء وضوئه بدون أن يغسلها ويطهرهما قبل ذلك، وانتقلت الجراثيم للماء، ثم اغترف منه وغسل وجهه وعينيه، فربما تدخل تلك الجراثيم بعينه، وينتج عنها الرمد العفني الخطر المسمى بالرمد»[19].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبالغ في نظافة يده عند الغسل من الجنابة. عن ميمونة قالت: «أَدْنَيْتُ لِرَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ غُسْلَهُ مِنَ الجَنَابَةِ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ، أوْ ثَلَاثًا، ثُمَّ أدْخَلَ يَدَهُ في الإنَاءِ، ثُمَّ أفْرَغَ به علَى فَرْجِهِ، وغَسَلَهُ بشِمَالِهِ، ثُمَّ ضَرَبَ بشِمَالِهِ الأرْضَ، فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا...الحديث»[20]. وبهذا يتجلى لنا العناية الفائقة التي اختصت بها اليد كطريق من طرق الوقاية الصحية.
فقد اهتم الإسلام بالنظافة بكل جزئياتها وتفاصيلها؛ للدلالة على منزلة النظافة والطهاة في الإسلام؛ فنبه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التزام خمس خصال من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهدي الأنبياء عليهم السلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الفِطْرَةُ خَمْسٌ، أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَة : الخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَنَتْفُ الإِبْطِ ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ»[21] كما حض صلى الله عليه وسلم على نظافة الرأس والشعر، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَنَسُ ، يَا بُنَيَّ ، الْغُسْلَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَبَالِغْ فِيهِ ، فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً , قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ أُبَالِغُ فِيهِ ؟ قَا لَ: رَوِّ أُصُولَ الشَّعْرِ، وَأَنْقِ بَشَرَتَكَ ، تَخْرُجْ مِنْ مُغْتَسَلِكَ وَقَدْ غُفِرَ لَكَ كُلُّ ذَنْبٍ »[22] كذلك أوصى صلى الله عليه وسلم بطهارة الفم، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ«[23]، وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «لوْلَا أَنْ يَشُقَّ عَلَى أُمَّتِهِ لَأَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ ، مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ»[24] يقول الدكتور محمد زكي سويدان: «وأن غسيل الفم بالماء يكفي جدا من جميع هذه العوامل والعواقب، وقد ثبت أن الغسيل بالماء لا يفوقه الغسيل بأي معجون أسنان، إلا ما حوى مادة الفلورين التي تحمي الأسنان من التسوس»[25] وقد نشر مدير معهد الميكروبات والأوبئة في جامعة "روستوك" بألمانيا بحثا أثبت فيه أن السواك الذي يستعمله المسلمون من عصر نبيهم من أرقى وسائل تنظيف الأسنان، لاحتواء السواك على مادة فعالة مضعفة للميكروبات، تشابه في مفعولها مفعول البنسلين[26] هذه فوائد السواك التي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وكشف الطب الحديث عنها، «فإذا أهملت نظافة الأسنان تنشأ حالة مرضية ( بيوريا – التهاب صديدي باللثة) تؤدى إلى أمراض مختلفة؛ منها: الضعف، وسوء الهضم، والروماتيزم»[27].
وهذا يدل على أن ما شُرع من أحكام تعبدية لله سبحانه، تضم في ذاتها منافع صحية كشف الطب الحديث عن بعض منها.
فمعرفتنا بهذه الأحكام، وعلمنا بهذه الفوائد الطبية الموجودة في العبادات التي نقوم بها، وأهمها: الوضوء والغسل، يزيد ثقتنا بهذا الدين، ونعلم أن تعاليمه الحقة، وشريعته الحنيفة جاءت لإرشادنا إلى ما فيه مصالحنا، وإلى اتباع الطريق الذي فيه سعادتنا، والتشبت بالسلوكات الطيبة التي تنفعنا؛ لكي نسعد في الدنيا والآخرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.