قرأت عن الفيلم على هذه الصفحات قبل أكثر من شهر كفيلم أجنبي مأخوذ عن كتاب لرولا جبريل، الصحافية الفلسطينية التي يحكي الكتاب، والفيلم، سيرتها وسيرة هند الحسيني. طيّب منيح. ثم بعد ذلك رأيت أفيش الفيلم منتشراً في شوارع باريس وأكشاكها، وبأحجام كبيرة على واجهات السينمات هناك. أحببت الأفيش، يكفي فيه نظرة الهندية الجميلة فريدا بنتو، والتي أدت دور رولا في الفيلم، وكانت عزائي (عادة يُضاف: الوحيد) لحضور الفيلم بعد ذلك. حتى الآن "أفيش" مشكلة مع الفيلم. كتير منيح. اقتطعت تذكرة وحضرت الفيلم. خرجت من السينما. أحسست بذلك الشعور "الدّرويشي" بتصرّف: لم تقتلونا فقط، بل لعنتم سنسفيلنا بحبّكم القاسي. الفيلم من إخراج الأميركي اليهودي جوليان شانبل، ويبدو أن صديقنا يشعر بالذنب تجاهنا خاصة أن والدته –على ذمّة العلاّمة ويكيبديا- كانت رئيسة "الجمعية الصهيونية للنساء في أميركا"، لكني أعتقد (عادة يُضاف: جازما) بأنه أخرج الفيلم حباً بالقضيّة، وهذا ما علينا تحمّله لأنه في أحيان كثيرة يكون هذا الحب خانقاً، أو مثلا: "معوّفنا الله". تعرفون ذلك الشعور عندما يحبكم أحدهم ويتحمّس لعمل أي شيء لأجلكم.. أي شيء؟ هال "أي شيء" هذه تكون عادة شيئا سخيفاً-مهوّ أي إشي- لأن قيمته لا تكون فيه، بل في الحب الذي يكتنفه. أرجو ألا أكون متفائلاً جداً من حبّ الآخرين لقضيّتنا (ليس لنا). لابدّ من مقال خاص عن أنّ: ليش قضيتنا كتير سكسي وإحنا لأ؟؟ أعجبني الفيلم بتصويره وإخراجه ومعالجة الألوان فيه ونقله للروح الواقعية لأحداث وأمكنة الفيلم عبر الحركة الدائمة وشبه العفوية للكاميرا، وأداء المبدعة هيام عبّاس وفريدا بنتو وأمور أخرى لن يكون من بينها "الحب القاسي". لن أتكلّم عن استخدام اللغة الإنجليزية في الفيلم كلغة حوار أساسية لفلسطينيين في أمكنة فلسطينية، كان الأمر مضحكاً لي كفلسطيني وسيكون فجّاً ومصطنعاً لغير العربي. فقط تخيّلوا أنكم تحضرون فيلماً عن قضية إقليم الباسك في إسبانيا، يمثل فيه باسكيّون في أمكنة باسكيّة، لكنهم يتكلّمون الإنجليزية. ألم أذكر بعد مشكلتي مع الفيلم؟ بصراحة لا مشكلة لدي معه، الفيلم بالمحصلة يعتبر من الأفلام الصديقة للقضية، مشكلتي مع الخط السياسي الذي يروّج له هذا الفيلم وخاصة في ربعه الأخير، وأيضا مع سطحية هذه الصداقة: واحد، الفيلم يدعو بسذاجة بدت مملة ومقيتة لي كفلسطيني (لن تكون مقيتة لسويسري مثلا) إلى تلك الفكرة المثالية الطفولية عن المفاوضات والسلام والعيش المشترك للشعبين، لكلٍ دولته المستقلة الآمنة.. إلى آخر هذا العهر. تنين، أما التعبير عن هذه الصداقة فكان بالكليشيهات غير المقنعة التي يغصّ بها الفيلم، وبالحوارات السياسية التاريخية المقحمة على المَشاهد: يعني واحد قاعد مع حبيبته (خاصة وإن أدّت دورها فريدا بنتو) ع تلّة، بيقعد يحكيلها عن تاريخ بناء المستوطنات وكأنه يقرأ من كتاب مدرسيّ، أم ببلّش يبوسها؟؟ هل الفلسطينيون كائنات معقّدة؟ إن كان الفيلم موجّها للآخرين في هذا العالم – كونه يعتمد اللغة الإنجليزية- لن يكون إلا تقديماً وتبريراً سطحياً وغير مقنع للوقوف مع الفلسطينيين في قضيتهم، وأخاف أن يسبب ذلك رد فعل عكسياً أو أن يقارن الفيلم بفيلم قد يمثّل وجهة النظر الصهيونية، والصهاينة شطّار في ذلك. إذن قد يكون الفيلم، في مشاهده الأخيرة تحديداً، إحدى تلك البيانات السياسية التي تصدرها السلطة -في زمن عرفات أو عباس، لا فرق- وتم تصويره وإخراجه بتقنية وحِرفية عالية ولكن بسطحية، واستغباء للمُشاهد. الفيلم حكى بإخلاص عن حقوقنا، وعن الممارسات القمعية لجيش الاحتلال والمعاناة اليومية للفلسطينيين داخل الوطن، ونقَلها إلى السينما، ولكن من حقي كفلسطيني أن أقلق حين لا يكون الأسلوب بحجم ومستوى الموضوع، وحين نكون محامين فاشلين لقضية عادلة، وحين تشدّنا الكليشيهات إلى خارج السياق. وكذلك حين نحاول إقناع العالم بأن أحدنا إذا اختلى بحبيبته، ببلّش يحكيلها عن تاريخ المستوطنات! (والأسوأ حين لا يرانا الآخرون إلا كأبطال، وأيقونات، ومشاريع شهادة.) *** "إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغيّر المدافعين، لا أن نغيّر القضية".. غسان كنفاني. www.horria.org