□ فصل الصيف إلى أي حد يغريك بالكتابة؟ الصيف يغوي بالامتلاء أكثر ما يغري بالإفراغ، لأنه فصل ناري والكثير من اللهيب يستفزني وقليله يجذبني، عندما تكون النار بالحجم الذي لا تستطيع فيه أن تقتاتني، بل أن تدفئني، مثل حاجة البخور لبصيص منه كي يفيح عطره، او لشعلة تضيء مصباح. ولان للمطر قساوته الاستثنائية في حياتي ، كذلك له سحره ولونه وذاكره طفولية حكائية ، حين ملأت جداتنا لياليه الطويله الباردة ، بتلاوة القصص على مسامعنا، فأضحى نقيضا للصيف وحمل فعل التأسيس للاغراء الفعلي لمخيلة الكتابة.. وعموما أصاب الشاعر محمود درويش بقوله: الصيف لا ينفع فيه الانشاد إلا ما ندر... □ نصك الأول، فاتحة مجدك الإبداعي، هل مازلت تذكره؟ لا اعتقد ان ثمة «نص أول « يرضي اي كاتب كي يعتبر فاتحة مجد، لان المجد الابداعي يصنعه تراكم و نسق وليس نص، ان كان المقصود النبضات الاولى او بواكير رسمت معالم الفعل الابداعي، فكان اول نص نشر لي في صحيفة محلية عام 1988 وهو عبارة عن اقصوصة عنوانها: "حجرية يا حجرية" عن فتاة الانتفاضة التي كانت تشارك في رمي الحجارة ، فدمجت في سرد حسي يصالح ألانوثة فيها من خلال التلاقي ما بين رقتها وثورتها. □ النقد حين يسبر مغاوير النص، ما الذي يضيفه لك كمبدع؟ اعتبر ان العمل الأدبي، يبقى ناقصا بدون النقد الادبي، خاصة أن كان النقد بعدته الموضوعية وابعاده وادواته الحديثة ويعتمد منهج إستدلالي بكل الابعاد المعرفية فهو يحسن سبر غور النص فعلا ولا يسيء أستخدامه، بقراءات مبتورة لا تطلق روح النص ولا تلامس الواقع التاريخي وحركة الاشياء او تلامس الدلالات الفكرية والنفسية والانسانية، بما يضيف للكاتب والقارئ معا. □ وأنت بصدد الكتابة هل تستحضر المتلقي، وهل تعتبره شريكا مفترضا في المتعة المشتركة؟ هو ذات السؤال الذي يتردد دائما اثناء الكتابة في عقلي الباطني، لمن أكتب؟ ودائما بعد كل مقتطف ، اسعى الى اختبار ما كتبت في مختبر الاشخاص الاقرب ، لا اطلب توجيها ، او رقيبا، بل بهدف جس انفعالات ما كتبت أو ما يرتسم على الوجوه او بسماع تعليق لا فرق، وان كان يقبل المغامرة بالاستمرار ، في الية فحص لقدرة المتلقى على الغوص معي الى اخر القاع. □ ما يحدث في العالم الآن كيف يتسلل إلى مواضيع كتاباتك؟ لا يمكن للكتابة ان تكون خارج البيئة. المحلية او العالمية وباشاكلها المختلفة، والادب عموما هي المرآة التي تعكس كافة الاشعاعات الساقطة من امكنة متتعدة، لتعيد تشكيلها بحزمة ضوء جديدة، ووفق انساق ومواقف تلامس الاحداث بعلاقة كيميائية وانسانية ، تترك بصماتها على المفردات والاستعارات وحركة النص ورؤية ومحاكمة الكاتب. □ أصبح الكاتب يزاوج بين الكتابة الصحفية والعمل الإبداعي، ما الذي يتحقق في هذه المزاوجة كقيمة مضافة؟ بالتأكيد هو ليس زواج حرام، عندما يستطيع الكاتب ان يوازي بين نوعين من الكتابة التوثيقية والسردية و يقدم فعلا ادبيا اضافيا دون ان يقع في لعبة شد الحبال، يقع في المحظور حين يتحول النص الى اسما ادبيا بغير مسمى. □ يعدّ النشر الإلكتروني حاليا أكثر سرعة ووصولا للقاريء، كيف ترى حالة الكتاب الورقي من حيث القرائية والإنتشار؟ ما يستهوي في النشر الالكتروني هو السرعه واختراق الحدود والممنوع ، ولكن ما يخيف هو ان يتحول وسيلة الايصال السريعه الى قراءة سريعه، وهذا يؤذي القارئ والنص معا.ان التمعن يحتاج الى التصفح الورقي، تماما كما اقرأ عناووين الصحف الكترونيا ، وموضوعاتها ورقيا. □ السفر والملتقيات الإبداعية والفيس بوك أخيرا، ما حدود الخدمة التي تتوفر في كل هذا؟ التعرف على نفسك ، محاولة لكسر غربة النفس وفي مكان جديد ومع أناس جدد، في السفر مثلا ، انت لا تقف عند حدود اكتشاف المكان بل معرفة قيمتك فيه، وفي الملتقيات الابداعية تحصل المقارنة، اما المدونات والفيس بوك وغيرها، فهي مساحة مفترضة للقاءات مفترضة واحيانا بديلة لأشياء بديهية بالنسبة لكثر ولكنها مستحيلة لنا. □ في اعتقادك، الجوائز التي يحصل عليها المبدع ما تأثيرها على مساره الإبداعيّ، وإلى أي حدّ تعدّ حافزا؟ الكتابة هي فعل للارتقاء وحافزها الاساسي في عقل وضمير المبدع اصلا، فان تحول الابداع الى هدف الجوائز، تحول الى فعل امتهاني، وتسليعي، كأن يقاس الفعل الادبي ليس في قيمته الابداعية التي اضافها بل بعدد الجوائز التي حصدها، تماما هي شبيهه بأغراء أكثر الكتب مبيعا. □ يهيمن على وسائل الإعلام الموقف السياسي في تحليل ما يحدث، في المقابل يغيب موقف المثقف والمبدع، كيف ترى هذا التغييب، وما حدود تأثيره في تشكيل وتنوير الرأي العام؟ أتمنى ان يكون الموقف السياسي في تحليل ما يحدث هو المهيمن، لان الخبر يطغى على التحليل ومادة التفاهة السياسية الاجترارية تتجاوز الثقافة السياسية التحليلية، لان السياسة الاعلامية بمستوياتها الرسمية وغير الرسمية بمعظمها ، اشك بأنها تريد فعلا تنويريا حقيقيا ولكن صورة الاعلام الان مجرد فعل تجهيلي ، يطغى وفقا للحاجة الاستهلاكية و التجارية والترفيهية، لاننا امام وسائل اعلان وليس وسائل اعلام...عندما تصبح وسائل اعلام حقيقية ، فالاعلام وسيلة تربوية وتعليمية وتثقيفية . □ مؤسسات الدعم الثقافيّ ودور النشر والسياسات الثقافية، هل تراها كافية وذات جدوى في دعم المبدع؟ لا تكفي بلا قضية أساسية، هو مبدأ الحرية. من خلال وجود سياسة ثقافية تؤمن بان حرية التفكير هي حليفها الاستراتيجي. □ أتعتقد أنك كتبت نصك المشتهى؟ أشعر بعد كل نص أكتبه بأنه حقق غايتي المرجوه، وانه تحدي قد افشل يوما فيما بعده أو حتى في التفوق عليه، وبعد أن يبرد النص ، سرعان ما يتحول الى ماقبل ، وأقر بأني مازلت أحبو على طريق نشوة الاشتهاء الاخير. □ البوصلة، مجلتنا/ك، كيف تراها؟ ليس المهم أن يكون لديك قلب كي تعشق، الاهم أن يكون ذاك القلب هذه «البوصلة» ====================== مروان عبد العال روائي ورسام تشكيلي وكاتب وسياسي فلسطيني ولد عام 1958 مخيم نهر البارد – شمال لبنان. يقيم في بيروت نشر العديد من النصوص الادبية والمقالات السياسية والفكرية أقام بعدة معارض فنية تشكيلية صدر له: رواية: سفر أيوب – دار كنعان –دمشق 2002 رواية :زهرة الطين- دار الفارابي –بيروت 2006 رواية : حاسة هاربة- دار الفارابي- بيروت 2008 رواية: جفرا..لغاية في نفسها-دار الفارابي- بيروت 2010