الدرك الموريتاني يحبط عملية تهريب مهاجرين بسيارة إسعاف قرب نواذيبو    النقابة الوطنية لموظفي التعليم العالي تحتج رداً على تنصل الوزارة    اتحاد طنجة يخطف تعادلا من العاصمة العلمية    تأجيل مباراة برشلونة وأوساسونا بعد وفاة طبيب النادي الكاتالوني    تساقطات ثلجية وأمطار في الريف والأطلس.. المديرية العامة للأرصاد الجوية تحذر    عنف وهدر مدرسي وصعوبات اقتصادية.. حقوقيون يطالبون بالحد من العقبات التي تواجه النساء المغربيات    حملة إنسانية لجمع المشردين والأشخاص بدون مأوى بالحسيمة    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    إنتر ميلان يفوز بشق الأنفس على مونزا ويعزز صدارته للدوري الإيطالي    عشية بدء المفاوضات الثانية.."حماس" تدعو إلى فتح المعابر ودخول مواد الإغاثة لغزة دون قيد أو شرط    ال"كاف" يعقد جمعه العام الاستثنائي منتصف مارس الجاري بالقاهرة    عمر الهلالي يعلق على اهتمام برشلونة ورغبته في تمثيل المغرب    من هو "كارليس مينيارو" الذي فجع برشلونة برحيله قبيل انطلاق مواجهة أوساسونا؟    أمسية رمضانية أدبية احتفالا بإبداع الكاتب جمال الفقير    سوريا.. الشرع يعتبر التطورات الحالية ضمن "التحديات المتوقعة" ويدعو للحفاظ على "الوحدة الوطنية"    وزير جزائري سابق يعرض معادن بلاده على ترامب لتغيير موقفه من قضية الصحراء المغربية    مايكروسوفت تقرر وقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    الشرع يدعو إلى الوحدة في سوريا    الصين عززت جهودها القضائية لمكافحة الفساد في 2024 (تقرير)    علماء صينيون يكشفون أسرار الحياة في أعمق نظام إيكولوجي بحري على الأرض    "حماس" تدعو المجتمع الدولي لحماية الفلسطينيات من جرائم إسرائيل    إغلاق مسبح ''المون'' بالجديدة.. قرار يحتاج إلى إعادة نظر    أكثر من 3 مليار درهم لرفع الطاقة الاستيعابية لمطار طنجة    المحامي البعمري: إعادة جثمان الشاب الجزائري في أقرب وقت واجب إنساني    توضيح بشأن عاصفة جانا    السفير الأمريكي الجديد في المغرب.. على خطى جده السفير السابق لواشنطن في الرباط بين عامي 1979 و1981    المغرب وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية في إفريقيا    إيران ترفض دعوات أمريكية للتفاوض    الأمن الوطني يوقف ستة أشخاص بتهمة التحضير لتهريب دولي للمخدرات    البطولة.. الجيش الملكي يرتقي إلى الوصافة عقب انتصاره على نهضة الزمامرة اتحاد طنجة يعود بنقطة من فاس    جلالة الملك محمد السادس يبعث برقية تعزية ومواساة إلى أسرة الفنانة الراحلة نعيمة سميح    الجزائر بين فخاخ العسكر وإغراء واشنطن.. موارد البلاد على طاولة المساومات    بنهاشم يوضح سبب مغادرة الزمامرة    مسؤول أممي: المغرب أصبح وجهة متميزة للمستثمرين في القطاع السياحي    الملك: رحيل سميح "خسارة فنية"    تشييع جنازة الفنانة نعيمة سميح بمقبرة سيدي امحمد ببنسليمان    تخصيص أكثر من 3,27 مليار درهم لرفع الطاقة الاستيعابية لمطار طنجة إلى 7 ملايين مسافر    سميرة سعيد تنعى رفيقة الطفولة نعيمة سميح بكلمات مؤثرة    النساء بجهة الشمال يمثلن ما يقرب من ثلث اليد العاملة الدائمة في المؤسسات الربحية    توقيع اتفاقية لتنفيذ البرنامج الوطني لتكوين الأطفال في المجال الرقمي والذكاء الاصطناعي    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    تساقطات ثلجية وأمطار قوية وهبات رياح قوية مرتقبة من السبت إلى الاثنين بعدد من مناطق المغرب    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    عمرة رمضان 2025: الموسم الذهبي لوكالات الأسفار    رحيل أيقونة الطرب المغربي نعيمة سميح عن عمر 73 سنة    الفنانة نعيمة سميح في ذمة الله    مكتب الحبوب يدعم الموردين ب14.77 درهم للقنطار    تسرب الغاز قبالة سواحل السنغال وموريتانيا.. "غرينبيس إفريقيا" تحذر من الأثر البيئي    أفضل النصائح لخسارة الوزن    عمرو خالد: هذه ملامح استراتيجية نبوية ناجعة للتعامل مع تقلبات الحياة    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    السمنة تهدد صحة المغاربة .. أرقام مقلقة ودعوات إلى إجراءات عاجلة    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    عمرو خالد: 3 أمراض قلبية تمنع الهداية.. و3 صفات لرفقة النبي بالجنة    في حضرة سيدنا رمضان.. هل يجوز صيام المسلم بنية التوبة عن ذنب اقترفه؟ (فيديو)    









حين يربو الشعر
نشر في البوصلة يوم 12 - 09 - 2009

لاشك في أن «الشعرية» خاصية إبداعية عامة توجد في أي نص أدبي بدرجات متفاوتة، وإن كان الشعر هو تمثلها الأكبر، حسب مكونات ومحددات إيقاعية ودلالية تفرضها التجربة الداخلية للكاتب. ولا يمكن الجزم هنا أن الشعر عموما تحدده القصيدة بقصديتها الإيقاعية المعروفة، لكن يتعالق الشعر والنثر في خواص أخرى يستوعبها النثر أيضا ويتبناها كالتكثيف و والتصوير والرمزية والإيقاع﴿ الذي هو أكبر من العروض والوزن﴾...ولهذا السبب طفت على السطح إشكالية ظهور الشعر في أرض النثر والعكس صحيح، عبر أنماط شعرية ، كان الهاجس الأكبر لتجنيسها هو تعدد المسميات المتضاربة، ولا يمكننا المجادلة والمساءلة أكثر إلا أن نلمح إلى أن شعراءنا القدامى لم يسمعوا بالخليل ولا بقانونه العروضي ، وإنما كانوا يلهجون بالشعر بعد أن يتقصدون في نظمه بتهذيبه وتنقيحه﴿ ومن هنا جاء اسم القصيدة التي تواضعوا عليها حتى بقيت المصطلح المقدس المنزل الذي لا يضاهيه اسم أخر﴾.
تبقى إذن الإشكالية في أيهما له قصب السبق، القول الشعري أم ضوابطه الإيقاعية المقعد لها بعديا؟ أكيد أن ماء الشعر يتدفق رقراقا من كل صوب قبل أن نصنع له القنوات والسدود، بل إنه يتخذ لنفسه مجراه الذي نسميه النهر ...أزمتنا إذن أزمة مصطلحات، وليست أزمة إبداع وتجريب وتجديد عبر طفرات جادة ورصينة؛ إن ما كتبه شكسبير من سوناتات شعرية جعل معاصريه يهاجمونه بدعوى البدعة، لكنه قرئ بنهم في عصرنا الحالي، إلا لأنه - ربما - سبق عصره، بل إن لغة الشعر الإنجليزية الراهنة في معظمها شكسبيرية النزعة.
إن من بين الأسباب التي جعلت مصطلح′′قصيدة النثر′′يثير جدالا واسعا وعقيما، ليس في شعرياتها المتباينة، والتي تحتاج في نظري إلى تأطير واحتواء موحد للأقوى حضورا منها شكلا وإيقاعا، وإنما في أساس التسمية التي عطلت كثيرا من التجاوب و التوافق حول مصداقية التجربة الشعرية الجديدة، التي فرخت العديد من الشعريات، وتلك مسألة صحية، نحو نمط واحد أو متنوع الأجناس، فيه من النضج الإيقاعي والاستيفاء الدلالي ما يذر الرماد في العيون...إشكالية المصطلح هذا، قد بات من الواضح إعادة النظر فيها، لا لشيء أخر وإنما لأنه يجمع بين أمرين متناقضين لا يمكن التوفيق بينهما ولو تجريبا، أي بين نوعين أدبيين، فرع من نوع كلي(الشعر) في مواجهة نوع أخر قائم بذاته - أقصد (القصيدة) وهي مجرد تسمية متفق عليها لأحد أجناس (الشعر:النوع الأدبي)أي الشعرية العمودية ( أقول هنا بإمكانية ابتكار أجناس شعرية جديدة في كنف الشعر) - النوع الثاني النقيض هو(النثر)، ذلك النوع الأدبي ذو النزعة التقريرية المتشتتة، اللامنظمة واللامحدودة إلا في أجناسه، بخلاف الشعر، صاحب الصنعة المحكمة القابلة للتسييج والقولبة دلاليا وإيقاعيا وبصريا...دعونا نلقي نظرة خارجية، ففي التاريخ الشعري الياباني مثلا، هناك مصطلحات قائمة بذاتها لأجناس شعرية توالدت في ما بينها، وأعطت أنماطا شعرية منها ما تلاشى، ومنها ما بقي، الجميل فيها إذن هو مسمياتها المختلفة عن بعضها البعض، بل إنها لا تستعير اسمها حتى من الاسم الشرعي، الدال الأكبر(الشعر)، وهكذا نجد مثلا : التانكا، الرنجا، الهايكو...
ما الضير في أن يعبر عن روح الشعر، وأن يلقب بمسميات أخر، بمعزل عن مصطلح′′ قصيدة′′ أو عن اسم′′الشعر′′نفسه، أليس الشعر بنوع أدبي، شأنه شأن النثر؟ ولماذا لا نلحق لفظة النثر بالأجناس المنضوية تحته؟ أليست هناك أجناس كثيرة نثرية لها أسماؤها الخاصة بها، كالقصة والرواية والمسرح والمقالة...وأخرى كثيرة لها فرادتها بالرغم من تبعيتها للنثر، الحديث الشريف، القرآن الكريم، الخطابة، الرسائل...ألا يمكننا أن ندرج في خانة الشعر أجناسا شعرية بمسميات أخر؟ تعبيرا عن التجنيس والابتكار والتنويع؟ طبعا مع التحديد الدقيق والصارم للضوابط العامة التي تؤثر على شعرية النص كدال أكبر.
شخصيا يثيرني ويستهويني كل جديد إبداعا واسما، إذ أن مسألة التجنيس داخل الأدب لا يمكن كبحها ما دام خيال البشرية فياضا وأساليب الحياة في تطور، أتساءل هنا كيف فات على القائمين بشؤون الشعر غنى اللغة العربية بفقهها ، لينقبوا عن مصطلحات بديلة مناسبة للشعرية العربية الجديدة بعيدا عن الاستيراد، وإن نأت المصطلحات اشتقاقيا عن هذا الابن البكر الذي شاخ′′القصيدة′′؟ ألا يحق لنا كأخلاف أن نكتشف في أرض الشعر قارات جديدة(شعريات) وأن نسميه وفق فلسفتنا المعاصرة كما فعل الأسلاف؟ أم رفع القلم وجفت السطور؟ من وجهة نظري، لا يمكن للشعر كنوع أدبي وكمؤسسة قائمة بذاتها، أن يطور نفسه ويفجر طاقات أخرى وتمظهرات تفرضها الحساسية الجديدة والذائقة الإنسانية المعاصرة داخل اللغة –التي تستوعب أنواع أدبية أخرى- بشكل وبلغة ومفردات وإيقاعات ودلالات أخرى عبر شيء أخر عديم، غير النثر، وهو الصورة الرئيسة للغة بادئ ذي بدء، إن النثر قول لغوي تنبثق منه الأنواع الأدبية وخطابات نفعية أخرى، فلا غرابة أن يعود الشعر إلى مهده الأول(هذا النثر) كالعنقاء يبعث من جديد ليهذب نفسه ويلبسها حلة أخرى لائقة، لا أن يتمثل بصورته، ويدعو نفسه شعرا، من هنا أمكننا القول أن الشعر أشد أناقة وتكلفا من النثر، إنه ذلك الداندي المتأنق الواقف دوما أمام مرآة، الطالع علينا كل مرة بحلة وزينة غاية في الظرف والتجمل، ولو كانت أدواته نثرا.
لقد ترسخت في أذهاننا وفي خارطتنا الجينية- كعرب- الشساعة والمدى البعيد والنمطية الرتيبة، كما الصحراء، جبلتنا الأولى، حيث لا حدودا محددة ولا أفقا كسيرا، فانعكس ذلك حتى على طرق لباسنا وأكلنا وحديثنا الفضفاضة، فألفنا كل أمر طويل وكل شكل ثابت، فكل شعر لم يتجاوز سبعة أو عشرة أبيات لا يسمى قصيدة بل مقطوعة، وكل مطولة معلقة، وما عدا ذلك فهو مشبوه، وكأن ما أبدعه غيرنا من شعر هو بدعة (لنأخذ كمثال غير محصور قصيدة الهايكو اليابانية ذات الأسطر الثلاثة العجيبة التي تلخص عبقرية اليابانيين شعرا وحكمة).
إن التقدم الحضاري الذي تعرفه البشرية في شتى العلوم والمعارف والانمحاء الجبري للحدود الثقافية والفكرية والمذهبية لهو المبرر الأساس في انفجار وانشطار الاكتشاف والابتكار والإبداع الإنساني، فتطورت التكنولوجيا وتقدمت العلوم وصارت أكثر تخصصا، وهي تمنح للإنسان رغد العيش ويسر الحياة وإمكانية الإبداع أكثر فأكثر، وما كان ذلك لولا الطفرات الجادة التي يقوم بها أولو الاختصاص؛ أما إذا رجعنا إلى الشعر العربي، فإنه ما زال خجولا بطيئا في تطوير نفسه نموا وربوا وتحديثها مواكبة مع روح العصر وتماشيا مع باقي المعارف الإنسانية الأخرى، اللهم الجدالات العربية المحتدمة داخل الأوساط المعنية حول أصالة الشعر وأزمة مصطلحاته والحؤول دون الاعتراف بميلاد أجناس شعرية أخرى تبشر بأفق شعري متنوع، لازلنا حقا أوفياء للقديم الذي بناه أسلافنا بكل اقتدار وفذاذة حسب بيئتهم وفلسفتهم، فماذا تبقى لنا نحن- أصحاب عصر أخر- سوى التمجيد والافتخار- وهو حق علينا- فكما لو أننا أمناء متحف.
الأمر ببساطة يحتاج إلى هيكلة جديدة لتفكيرنا اتجاه الأشياء وإلى التاريخ في مساره الانتقالي من حقبة إلى حقبة ومن محطة إلى أخرى، إن درس التاريخ يلزمنا ألا نعيده، وإلا لماذا انتقل الإنسان من الكهوف والبدائية إلى المدنية والحضارة؛ إننا في الوقت الراهن نتمنى وندعو بإلحاح إلى إنشاء أكاديمية عربية للشعر، درءا لتلك الجماعات والميليشيات(المنصرفة إلى أناها وبعدها الطوفان)، هذه الأكاديمية تضم خيرة المهتمين والشعراء العرب، لتنظر في السجالات العامة في إطار المساءلة التاريخية والمستجدات الحقيقية التي تطرحها الشعرية العربية المعاصرة ما دامت اتحادات كتاب العرب وبيوتاتهم الشعرية الضيقة قد عجزت عن إيجاد توافق عام حول المصير الشعري العربي ومصطلحاته المعيقة للامتداد والزحف خارج الوعاء، تلك المعلقة قيد الريح إلى إشعار مجهول.
........................................
سعيد السوقايلي
شاعر مغربي
هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.