قاد جمال بلماضي، أمس الأحد، المنتخب الجزائري إلى التأهل إلى نهائي كأس أفريقيا بعد فوزه على نيجيريا بهدفين لواحد.
نادرا ما يظهر إبن ال43 عاما ارتياحه أمام الكاميرات. يبدو شاردا، مفكرا، وغالبا ما يرد على من يسأله عن تشكيلته، بسرد تشكيلة المنافس، وبدقة.
بهذا الإدراك وغيره، عرف بلماضي كيف يضع الجزائر في نهائي أمم إفريقيا، وكيف يرسم للاعبيه مسارا ثابتا في نسخة 2019، بحثا عن لقب ثان في تاريخهم بعد 1990 على أرضهم.
عانى المنتخب منذ ما بعد عام 2015 حين بلغ ربع نهائي أمم إفريقيا، بعد أشهر من بلوغ دور ال16 لنهائيات كأس العالم 2014، والخروج بصعوبة بعد التمديد أمام ألمانيا التي توجت بطلة للمونديال. بعدها، خرجت الجزائر من الدور الأول لأمم إفريقيا 2017، ولم تتأهل لمونديال 2018.
من هنا، بدأت قصة نجاح يكتب المولود في فرنسا أحدث فصولها ببراعة. دور أول بثلاثة انتصارات في ثلاث مباريات أبرزها على السنغال (1-صفر) في المجموعة الثالثة، تفوق على غينيا في ثمن النهائي بثلاثية نظيفة، وتخطي ساحل العاج بركلات الترجيح في ربع النهائي. في خمس مباريات، لم تهتز شباك رايس مبولحي سوى مرة واحدة.
قال النجم السابق للكرة الجزائرية لخضر بلومي في تصريحات لقناة "الهداف" بعد تخطي ثمن النهائي "المشكلة (في المنتخب) حلها السيد بلماضي. سبقه خمسة أو ستة مدربين لم يتمكنوا من حل المشكلة".
وأضاف "بلماضي عرف بطريقته الخاصة أن المشكلة هي بين اللاعبين، خلافات حول الكرة، من ينفذ الركلة الركنية، من ينفذ الركلة الحرة، ركلة الجزاء... حل المشاكل، أبعد من أبعده، وضع البعض في مكانهم، أدخل الناس في الصفوف. المشكلة كانت انضباطية بين اللاعبين".
مفردة واحدة تكررت بين المعلقين لدى الحديث عن جزائر 2019: الروح.
في مقابل نبرته الهادئة وصوته الخفيض في المؤتمرات الصحافية، يبدو بلماضي كتلة من الحركة على خط الملعب: يوجه اللاعبين، يحتفل بالأهداف، يصرخ نحو الحكام بعد قرار يراه غير مناسب أو خطأ قاس على لاعبيه...
على المستطيل الأخضر، المنتخب صورة مدربه: صلابة دفاعية، استحواذ في الوسط، وخط مقدمة فتاك قائم على رباعي موهوب يضم القائد رياض محرز، سفيان فغولي، يوسف بلايلي، وبغداد بونجاح.
يجري لاعبو الجزائر خلف كل كرة. يستبسلون في استعادتها اذا ضاعت، او انتزاعها اذا ما سنحت الفرصة لذلك، كما فعل بونجاح في ربع النهائي ضد ساحل العاج، ممهدا الطريق أمام هدف فغولي الافتتاحي.
منذ بداية البطولة، قلل من شأن اعتبار الجزائر مرشحة، مذك را دائما بالمرحلة السابقة الصعبة. في أحاديثه، بقيت حسرة الغياب عن المونديال الأخير حاضرة، لاسيما عندما قارن بين منتخب بلاده والمنتخبات الثلاثة الأخرى في نصف النهائي الإفريقي (تونس، نيجيريا، والسنغال)، مذكرا بأن الجزائر هي الوحيدة بينهم التي غابت عن نهائيات روسيا 2018.
على المستوى الشخصي، يحاول تفادي أي سؤال يخترق مساحته الخاصة. قالها مرة "سأمرض اذا ما بدأت بالتحدث عن نفسي"، ورد مرة على سؤال عن عدم سروره رغم نتائج المنتخب "بلا، أنا مغتبط"، لكن دون أي تبدل في معالم وجهه.
أضاف "ربما أنا متعب لاسيما وأن مباراة أخرى تنتظرنا سريعا (...) أنا لا أخفي فرحتي، لكن ثمة مباراة أخرى تنتظرنا".
يرى عارفو بلماضي أن هذه المثابرة هي من أسرار نجاحه.
يوم تعاقد معه الاتحاد الجزائري، كان المدرب المتحدر من ولاية مستغانم (شمال) خارجا من تجربة قطرية. اللاعب الذي عرف في مسيرته أندية مثل باريس سان جرمان ومرسيليا الفرنسيين وساوثمبتون الإنكليزي، دافع عن ألوان الغرافة ولخويا.
مع الأخير بدأ مسيرته كمدرب في 2010. حقق لقبي الدوري المحلي في موسميه الأولين، ووصل الى المنتخب القطري الأول الذي فاز معه بكأس الخليج 2014، وبعدها الى الدحيل (النادي الناشئ من دمج لخويا والجيش)، فقاده الى ثلاثية الدوري المحلي وكأس قطر وكأس الأمير.