بلا مواربة غزة.. مرآة المهزومين من بعيد! عبد الإله حمدوشي نشر في 5 أبريل 2025 الساعة 15 و 01 دقيقة في أسوأ الأحوال.. إن كنت مصرا على الانكسار، فليكن بعدهم لا قبلهم.. أما أن تستسلم وأنت لم تخض المعركة.. فتلك خيانة لا يمكن تبريرها… عبد الإله حمدوشي [email protected]
الذين يظنون أن الشعوب تنتهي بالمجازر، غالبا هم من الذين لم يقرأوا التاريخ جيدا.. من الذين لم يدركوا أن الدول لا تُفنى إذا تهدمت جدرانها، وأن الأمم لا تندثر بعدد قتلاها.. ففي الأيام الماضية فقط، ضرب زلزال عنيف ميانمار، فحصد أرواح آلاف البشر في ساعات.. وقبلها اجتاحت فيضانات مدنا كاملة في آسيا وإفريقيا، فمات تحتها الآلاف، وضاعت قرى من الخريطة.. فالكوارث الطبيعية تُفني.. نعم.. لكنها لا تُسقط فكرة، ولا تُلغي شعبا…
في غزة، يعيش الفلسطينيون مأساة، لم تخلفها كارثة طبيعية، بل جريمة هندسها عقل عسكري عاجز عن الانتصار في ميدان المعركة.. الاحتلال حين فشل في كسر المقاومة بالسلاح.. جرب أن يُطفئ الروح عبر التجويع.. عبر الظلام.. عبر قصف الماء والخبز والدواء. هو لا يقاتل جيشا.. بل يُحاصر الحياة…
لكن المفارقة الكبرى ليست في غطرسة العدو، بل في خذلان القريب.. المؤلم أن البعض حين يرى صور الضحايا لا تشتد عزيمته، بل يضعف إيمانه.. يتألم ثم يسقط في فخ اليأس ويبدأ يهمس بلغات الاستسلام.. وبدلا من أن يصمد ويزداد ثقة بوعد الله.. يبدأ يسأل: "إلى متى؟"، وكأن المقاومة موعد في مفكرة، لا قدر أمة…
أي عار أن تنهزم وأنت في بيتك، تحت المكيف، تقلب في هاتفك صور الضحايا، بينما الذين في الخطوط الأمامية يصمدون تحت النار.. بين القصف والجوع والدماء!
في أسوأ الأحوال.. إن كنت مصرا على الانكسار، فليكن بعدهم لا قبلهم.. أما أن تستسلم وأنت لم تخض المعركة.. فتلك خيانة لا يمكن تبريرها…
غزة لا تطلب المستحيل.. لا تنتظر منا أن نحمل السلاح ولا أن نُهاجر إليها.. تريد منا فقط أن نحفظ المعنى.. أن لا نخذلها من بعيد.. أن لا نُقايض صمودها بيأسنا.. وأن لا نُصفق لهزيمة لم تقع بعد…
هذه الحرب.. ككل حروب التحرر.. لا ينتصر فيها من يملك القنابل الأذكى.. بل من يصمد أكثر.. من يُراهن على الزمن ويُراكم الألم دون أن يُسقط الإيمان.. وأبطال غزة بما قدموه ويقدمونه، هم اليوم مدرسة في هذا الصمود.. مدرسة تقول لكل من يشكك: إن النصر ليس مسألة وقت فقط، بل مسألة يقين…
غزة لا تحتاج إلى رثاء.. تحتاج إلى وعي.. تحتاج إلى أن نُدرك أن الهزيمة الحقيقية تبدأ حين نُسلم عقولنا للخذلان، ونُعلن نهاية المعركة قبل أن تنتهي.. وحينها فقط، نكون قد خسرنا، لا لأنهم انتصروا، بل لأننا انسحبنا قبل الأوان…
باختصار.. غزة، ما تزال تقاوم... لا لتربح أو تنجو، بل لتمنحنا فرصة أخيرة لاستعادة كرامة ضاعت منا في زحمة الهزائم الصغيرة…