قبل خمس سنوات، حضر رئيس الحكومة عزيز أخنوش -وكان مايزال وزيرا للفلاحة- إلى البرلمان، حيث قدم مرافعة دافع فيها عن زراعة البطيخ الأحمر بزاكورة، متجاهلا أزمة العطش التي كانت تهدد الزرع والضرع. وكما كل المدافعين عن الزراعات التي تستهلك الماء، قال إن الكيلوغرام الواحد من الشعير يستهلك أكثر من "الدلاح" 12 مرة، لأن هكتارا واحدا ينتج 50 طنا من "الدلاح" في حين لا يتجاوز إنتاجه 30 قنطارا من الشعير.
وأضاف أخنوش، أنه "لا يمكن للفلاحين الذين يزرعون الحوامض والأفوكا والطماطم، تعويضها بزراعة الحبوب"، والسبب حسب رأيه، أن مردود الهكتار من الحبوب هو 12 ألف درهم فقط، مقابل 34 ألف درهم لمنتوجات فلاحية أخرى.
باستحضار منطق عزيز أخنوش، سيمكن فهم الفلسفة التي قام عليها المخطط الأخضر، والتي كانت من أسباب فشله. فهو يعتبر أن العائد المالي يجب أن تكون له الأولوية، لذلك راهن على رفع صادرات المملكة، على حساب الأمن الغذائي للمغاربة.
في النهاية كان من نتائج ذلك أن القطاع الفلاحي مازال يعاني الهشاشة، رغم الميزانيات الضخمة التي رصدت له، لأن هذا "المخطط الأسود" خدم مصالح كبار ملاك الأراضي والشركات الفلاحية الكبرى، بينما ما يزال الفلاح يعاني بسبب ارتفاع التكاليف، وشح الموارد المائية، وضعف الدعم الحكومي، كما يعاني المستهلك من "جشع «الشناقة" والمضاربين الذين بات نفوذهم يزيد يوما بعد آخر.
لقد فشل المخطط الأخضر فشلا ذريعا، لأنه راهن على الزراعة التصديرية ذات القيمة العالية مثل الحوامض والطماطم والأفوكادو، مما يخدم المصالح الاقتصادية لفئة محدودة، فيما يظل المغرب مستوردا رئيسيا للمواد الأساسية، وفي مقدمتها الحبوب، مما يجعله أكثر عُرضة لتقلبات الأسواق الدولية.
بلغة الأرقام، فإن فاتورة ورادات المغرب الغذائية تصل إلى 90 مليار درهم (تمثل 12.5 بالمائة من مجموع الواردات)، بينما لا تتجاوز صادرات المغرب الغذائية 80 مليار درهم. بمعنى آخر فإن المخطط الأخضر غلب كفة الاستيراد والتصدير على حساب الحاجيات والموارد الوطنية.
وعلى العكس من ذلك، فإن العراق على سبيل المثال، البلد الذي يجر خلفه أزمات اقتصادية عديدة، نجح في تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح والشعير، بفضل تشجيع الدولة للإنتاج الزراعي عن طريق تقديم الأسمدة والبذور ومستلزمات إنتاج أخرى بأسعار مدعومة، إضافة إلى شراء الحبوب المنتجة محليا بأسعار تشجيعية تزيد على السعر العالمي.
فيما أشارت تقارير رسمية إلى أن المغرب سيظل رهينا للأسواق الخارجية، حيث يمكن أن تصل احتياجاته إلى 62 بالمائة، لكن ذلك لا يمثل شيئا بالنسبة لأخنوش الذي سبق له أن قال في البرلمان إن "جميع أبواب الأسواق الدولية مفتوحة أمامنا".