القوات المسلحة الملكية تساهم في تقييم قدرات الدفاع والأمن بجمهورية إفريقيا الوسطى    سبيس إكس تطلق 22 قمرا جديدا من طراز "ستارلينك" إلى الفضاء    الصين تطلق قمرا صناعيا جديدا    أجواء باردة.. توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    القصة الكاملة لخيانة كيليان مبابي لإبراهيم دياز … !    حادثة سير مروعة بطنجة تودي بحياة فتاتين وإصابة شابين    الشاذر سعد سرحان يكتب "دفتر الأسماء" لمشاهير الشعراء بمداد الإباء    إصابة عنصر من القوات المساعدة بحروق خطيرة في حريق سوق بني مكادة بطنجة    المغرب ينجح في توقيف فرنسي من أصل جزائري مبحوث عنه دولياً في قضايا خطيرة    المغرب يعود إلى الساعة القانونية    تذكير للمغاربة: العودة إلى الساعة القانونية    الأسير الإسرائيلي الذي قَبّل رأس مقاتلين من "القسام" من أٌصول مغربية (فيديو)    التحولات الهيكلية في المغرب.. تأملات في نماذج التنمية والقضايا الاجتماعية الترابية" محور أشغال الندوة الدولية الثانية    افتتاح أخنوش رفقة ماكرون للمعرض الدولي للفلاحة بباريس يشعل غضب الجزائر    نهضة بركان يحسم لقب البطولة بنسبة كبيرة بعد 10 سنوات من العمل الجاد    فيروس غامض شبيه ب"كورونا" ينتشر في المغرب ويثير مخاوف المواطنين    مقتل شخص وإصابة عناصر شرطة في "عمل إرهابي إسلامي" في فرنسا    التعادل يحسم مباراة آسفي والفتح    الجيش والرجاء يستعدان ل"الكلاسيكو"    اختتام رالي "باندا تروفي الصحراء" بعد مغامرة استثنائية في المغرب    منتخب أقل من 17 سنة يهزم زامبيا    توقيف عميد شرطة متلبس بتسلم رشوة بعد ابتزازه لأحد أطراف قضية زجرية    الملك محمد السادس يهنئ العاهل السعودي    في أول ظهور لها بعد سنة من الغياب.. دنيا بطمة تعانق نجلتيها    انطلاق مبادرة "الحوت بثمن معقول" لتخفيض أسعار السمك في رمضان    توقعات أحوال الطقس ليوم الاحد    أخنوش يتباحث بباريس مع الوزير الأول الفرنسي    تجار سوق بني مكادة يواجهون خسائر كبيرة بعد حريق مدمر    السينما المغربية تتألق في مهرجان دبلن السينمائي الدولي 2025    مسؤول أمني بلجيكي: المغرب طور خبرة فريدة ومميزة في مكافحة الإرهاب    الرئيس الفرنسي يعرب عن "بالغ سعادته وفخره" باستضافة المغرب كضيف شرف في معرض الفلاحة بباريس    "البيجيدي" مستاء من قرار الباشا بمنع لقاء تواصلي للحزب بالرشيدية    عجز الميزانية قارب 7 ملايير درهم خلال يناير 2025    التخلص من الذباب بالكافيين يجذب اهتمام باحثين يابانيين    "الصاكات" تقرر وقف بيع منتجات الشركة المغربية للتبغ لمدة 15 يوما    مساءلة رئيس الحكومة أمام البرلمان حول الارتفاع الكبير للأسعار وتدهور الوضع المعيشي    مشروع قرار أمريكي من 65 كلمة فقط في الأمم المتحدة يدعو لإنهاء الحرب في أوكرانيا دون الإشارة لوحدة أراضيها    في حضور أخنوش والرئيس الفرنسي.. المغرب ضيف شرف في المعرض الدولي للفلاحة بباريس    رئيسة المؤسسة البرازيلية للبحث الزراعي: تعاون المغرب والبرازيل "واعد" لتعزيز الأمن الغذائي    رفض استئناف ريال مدريد ضد عقوبة بيلينغهام    بين العربية والأمازيغية: سعيدة شرف تقدم 'الواد الواد' بحلة جديدة    إحباط تهريب مفرقعات وشهب نارية وتوقيف شخص في ميناء طنجة المتوسط    الكوكب المراكشي يبحث عن تعزيز موقعه في الصدارة عبر بوابة خريبكة ورجاء بني ملال يتربص به    متابعة الرابور "حليوة" في حالة سراح    استثمار "بوينغ" يتسع في المغرب    السحب تحبط تعامد أشعة الشمس على وجه رمسيس الثاني    تحقيق في رومانيا بعد اعتداء عنيف على طالب مغربي وصديقته    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آلية ضغط ورفض واحتجاج..جذور المقاطعة في التاريخ المغربي
نشر في الأيام 24 يوم 19 - 05 - 2018

لفتت مقاطعة شرائح واسعة من المغاربة لبعض سلع شركات ثلاث هي شركة سنطرال الفرنسية، وشركة سيدي علي لرئيسة الاتحاد العام لمقاولات المغرب السيدة مريم بنصالح، وبنزين محطات شركة افريقيا للملياردير ووزير الفلاحة السيد عزيز أخنوش، أنظار الرأي العام داخل المملكة، خاصة بعد تصريحات بعض وزراء حكومة العثماني أمام بعض ممثلي الأمة، أو تصريحات بعض مسؤولي هذه الشركات. كما اهتمت بعض وسائل الإعلام الدولية بتغطية هذا الحدث ومحاولة تحليل بعض مظاهره الشعبية وتطوراته السياسية. غير أن هذه المقاطعة لا تعتبر دخيلة على التركيبة الاجتماعية بالمغرب، بل تشكل امتدادا تاريخيا لتعامل مكونات هذه التركيبة مع المستجدات الاقتصادية التي عرفتها البلاد منذ منتصف القرن 19، وخضوع المغرب للهيمنة الأجنبية سواء على الصعيد الاقتصادي، أو السياسي.


المقاطعة كآلية للرفض السياسي

عرف المغرب خلال القرن التاسع عشر مجموعة من التحولات الجذرية، ارتبطت بتنامي التدخل الأجنبي الذي أثّر على بنيات المغرب الاقتصادية وعلاقة الدولة بنخبها السياسية، حيث حاول السلاطين المغاربة التقرب من كبار التجار لخبرتهم في التعامل مع الأوربيين، وللتجربة الكبيرة التي راكموها في التجارة مع هؤلاء الأجانب. وقد بدأت الدولة تتخلى تدريجيا عن بيروقراطيتها التقليدية المكونة أساسا من كبار الفقهاء والعلماء، غير أن هذه الأخيرة لم تحتمل هذه التحولات، فشنّت حملة شعواء على كبار التجار ورمتهم بالكفر والفسوق، وهو الأمر الذي يبرز التصادم الكبير بين الفئتين والصراع حول المكانة والنفوذ الذي وصل مداه خلال هذه الحقبة. وهكذا قام العلماء والفقهاء، بوصفهم ضمير الأمة الإسلامية والمعبر عن رأي الجماعة الإسلامية، بمهاجمة الامتيازات العديدة التي كان يتمتع بها التجار، وعابوا عليهم على الخصوص احتماءهم بالأجنبي، مستنكرين ظاهرة الحماية القنصلية التي انطلقت من مبدأ حماية التاجر الأوربي ومن يتعلق به بالعمل، ثم انسحبت على من يتعلق به بالتعامل مع التجار المغاربة. فبالاضافة إلى الخسائر المالية التي ألحقتها هاته الظاهرة بخزينة الدولة، وهو ما كان يثير حنق السلطة المركزية، فإن العلماء نظروا إليها على أساس أنها مساهمة جادة في تسهيل مأمورية الأوربيين الطامعين في احتلال البلاد والقضاء على شخصيتها، عن طريق محو عقيدتها ونشر الأفكار والتقاليد الأوربية. وقد بدأت تهمة مهادنة الأوربيين توجه إلى التجار عموما وتجار فاس على وجه الخصوص منذ 1860م، حيث كان العراقي أول من أطلق عليهم تلك التهمة صراحة حين قال: "... ومشاورتنا للسفهاء من التجار الذين لم يباشروا الحرب ولا قاربوا ساحتها لكونهم جبلوا على الجبن، وقد استولى حب الدنيا على قلوبهم واشتاقوا إلى معاشرة الروم وأرضهم، كما تعلن بذلك ألسنتهم لدى الخاص والعام".

وتوالت، بعدها، الصيحات الداعية إلى مقاطعة المحميين من التجار، بل إن من العلماء من كفّر أفراد تلك الفئة، كما ورد عن العربي المشرفي في مؤلفه "الرسالة في أهل الباسبور الحثالة" الذي جاء فيه: ".... وبعد، فقد توجه سؤال لأهل العلم، حفظهم الله بحفظ أهل السنة، وفي حادثة حدثت في قرننا هذا في حدود السبعين والمائتين والألف، وهي دخول المسلمين تحت كلمة الكفر ويعبرون عنها بالحماية معتذرين بها عن تحصين أموالهم من ثقل المغارم، مع أنهم يجعلون حظا وافرا لمن يحميهم بإذلال وطيب نفس، فهل يكون المحتمي بالحماية على هذه الحالة مسلما عاصيا، أو خرج عن دينه بالكلية، وللإمام أن يحكم فيه بالاجتهاد؟"

وقد أورد أحمد بن خالد الناصري حادثة مقتل أحد تجار فاس جراء احتمائه بالأجنبي، إذ "في سنة اثنتين وثمانين ومائتين وألف حدثت فتنة بفاس، وذلك أن الناس كانوا في صلاة الجمعة بمسجد القرويين، وكان فيهم التاجر الأمجد أبو عبد الله حبيب بن هاشم بنجلون الفاسي.. فلما سجد مع الناس شرخ بعض اللصوص رأسه بحجر كبير من أحجار التيمم التي تكون بالمسجد، ثم انحنى عليه بخنجر كان بيده، فقطع به بطنه".

ولم يقتصر تهجم الفقهاء وتعبئتهم للعامة على مقاطعة التجار وامتيازاتهم الناجمة عن نظام الحماية الأجنبية الذي كانوا يستفيدون منه، بل شمل أيضا دعوتهم إلى مقاطعة البضائع والسلع الأجنبية، حيث تنوعت آراء العلماء وفتاوي الفقهاء مثلا في سكر القالب والشاي والقهوة، وفي حكم التبغ و"طابا"، وفي الدجاج الرومي، وفي الخميرة الرومية... فضلا عن البضائع الأخرى المصنعة، كالتجارة في البضائع المستوردة التي كتب عليها اسم الله واسم الرسول صلى الله عليه وسلم بدافع الإشهار، وحكمهم في صابون المشرق المجلوب من بلاد الكفار، وصابون أهل الذمة وغير ذلك من السلع الأجنبية. وهكذا أثارت مسألة الاتجار مع الأوربيين جدلا كبيرا دفع الكثير من العلماء إلى تناولها بالدراسة والتحليل لما أثارته من إشكالات عدة، سواء لدى العامة أو الخاصة. وقد ارتبطت معظم النوازل الفقهية بالجهة مصدر السلعة. وهكذا، سنجد أن التبغ مثلا لكون بعضه يرد من الجنوب، فقد وجد في بداية الأمر من يقول بجوازه. ولما توالى وروده من الغرب تشدد الفقهاء في منعه، إلى أن قام المخزن بتسريح أمره، بيد أنه بقي مثار جدل، بحيث مازال يعامل من التقبيح أكثر مما يحمل من الرفعة داخل المجتمع المغربي.

و لم يكتف العلماء بمنع التجار من السفر إلى أرض "الحرب"، بل منعوا كذلك تصدير السلع المغربية إلى بلاد الكفار، حيث شمل هذا المنع خاصة المواد الرئيسية، كالقمح والتمر والخيول وغيرها، فقد رأى الفقيه البلغيثي أن "مما شاع، الآن وقبل، وهو من المحرمات، شراء التمر الجيد والتغالي فيه وتوجيهه إلى بلاد الكفار من أهل الحرب لبيعه لهم في مواسمهم وغيرها بالثمن. وقد تقرّر عند الفقهاء والأئمة الخلاف في بيع الطعام للكفار الحربيين في زمن الرخاء والهدنة، والمشهور هو مذهب ابن القاسم، وهو المنع، ولو في الهدنة والرخاء... وشمل المنع بيع البقر ونحوها لهم، بما في ذلك من إغلائه على المسلمين وتقوية للكفار على كفرهم حتى بالنسبة للجلود والحديد والخيل ونحوه، وخاصة آلة الحرب..."

المقاطعة كآلية للضغط السياسي

لقد كرست معاهدة الحماية النفوذ السياسي والاقتصادي لفرنسا بالمغرب، حيث اتجهت سلطات الحماية إلى جانب سياستها العسكرية والسياسية إلى استغلال الموارد الاقتصادية المحلية من خلال الاستثمارات التي مولتها أكبر الشركات المالية الأوروبية، ومن بينها بنك باريس والبلاد المنخفضة وشركة شنايدر وشركاؤه، وبنك الاتحاد الباريسي، إذ عهد إلى هذه الأخيرة تنمية موارد المغرب الاقتصادية لخدمة الأسواق الخارجية، عن طريق استغلال الأراضي وتوطين الجالية الأوربية وإنجاز الأشغال الكبرى المتعلقة بالبنية التحتية. وقد كان نصيب القطاع الفلاحي مهما، في هذه الاستثمارات، فتأسست بالمغرب عدة شركات زراعية من ضمنها الشركة المغربية، ضيعة بني عمار، الشركة المغربية للزراعة والمقاولات، والشركة الزراعية لولاد دحو. ...كما اهتمت الاستثمارات الاستعمارية بالنشاط الصناعي الذي يتطلب رأسمالا محدودا، ويحقق أرباحا مرتفعة كالنسيج والصناعة الاستخراجية وخاصة الصناعة الغذائية، حيث تمركزت معظم شركات هذه الصناعة بالدار البيضاء بالنسبة للمنطقة السلطانية، وبتطوان بالنسبة للمنطقة الخليفية، والتي كان من أبرزها صناعة المطاحن والمعلبات والسكر والشاي والمحروقات. ... وقد أقبل المغاربة بالتدريج على استهلاك مثل هذه المنتجات التي بدأت تقتحم نمط معيشهم اليومي الذي كان يقتصر على استهلاك منتجاته المحلية والتقليدية. لكن بسبب المعارض التجارية، والسماح بفتح مجموعة من المتاجر، خاصة متاجر التقسيط، تحول المغاربة خاصة في المدن إلى استهلاك هذه المنتجات والسلع الأجنبية مثل الخبز الرومي أو ما كان يسمى بالكومير والباريزيان، وكذا بعض منتجات الحليب ومشتقاته بالإضافة إلى المشروبات الغازية بكل أنواعها. ولعل هذا ما دفع بمكونات الحركة الوطنية في مناهضتها للوجود الاستعماري الفرنسي إلى استخدام مقاطعة المنتجات الفرنسية كسلاح للضغط السياسي على سلطات الحماية في خضم الصراع حول استقلال المغرب، متأثرة في ذلك ببعض الأفكار السياسية للمهاتما غاندي الذي دعا الهنود، في إطار سياسة العصيان المدني ضد الوجود الانجليزي، إلى مقاطعة المنتجات الأجنبية وخاصة شراء النسيج الأجنبي. وهكذا فقد تصاعدت أعمال الوطنيين بعد نفي الملك محمد بن يوسف وأسرته خارج البلاد لتتخذ شكل مقاومة عنيفة ومباشرة. فإلى جانب تبني سلاح المقاومة المسلحة الذي استهدف رموز الاحتلال الفرنسي كالمقيم العام الجنرال كيوم الذي نجا من محاولة اغتيال بقنبلة في مراكش، وكذا بن عرفة الذي تعرض لعملية دهس من طرف المقاوم علال بن عبدالله أثناء توجهه لصلاة الجمعة...، تم اللجوء إلى سلاح المقاطعة الاقتصادية للضغط على سلطات الحماية ومن خلالها على دوائر القرار بالمتربول. وهكذا تمت الدعوة بالإضافة إلى مقاطعة المساجد التي يذكر فيها اسم بن عرفة، والمؤسسات التعليمية الفرنسية والأجنبية، إلى مقاطعة السلع الفرنسية خاصة التبغ، والحليب وبعض المنتجات الأخرى.

المقاطعة كآلية للاحتجاج السياسي

تطرقت الصحافة الأجنبية لحملة مقاطعة المنتجات مرتفعة السعر، والتي أطلقها نشطاء مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي شملت حليب "سنطرال"، ومنتجات "إفريقيا"، والمياه المعدنية "سيدي علي"، حيث ألحقت هذه الحملة، حسب بعض التقارير المتداولة، بالشركات المستهدفة خسائر فادحة جدا. وهكذا أشار موقع "دويتشه فيله" الألماني الإخباري على سبيل المثال إلى أن "موجة من الغضب تجتاح المغرب بعد ارتفاع كبير في أسعار بعض المنتجات الأساسية. هذا تسبب في إطلاق حملة كبيرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لاقت مشاركة واسعة"، مضيفا أنه "بعد النجاح الذي حققته الحملة الجزائرية " خليها تصدي "(دعها تصدأ) للاحتجاج على الارتفاع الجنوني لأسعار السيارات، أطلق ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب حملة مقاطعة واسعة لمحاربة الغلاء وارتفاع أسعار المنتجات، والتي انتشرت بشكل كبير، وذلك في محاولة لدفع عدد من الشركات المنتجة لها إلى خفض أسعارها". وأشار هذا الموقع الألماني الى أن " هذه الحملة لم تقتصر على المغرب فقط، وإنما شارك فيها نشطاء مغاربة يقيمون في أوروبا وأمريكا، منددين بارتفاع أسعار الحليب والبنزين والمياه خلال السنوات الأخيرة، مقارنة مع الدول التي يقيمون فيها. كما طالبوا المسؤولين في الحكومة بالضغط على الشركات الكبرى لخفض أسعار منتجاتها مراعاة للقدرة الشرائية للمواطن المغربي البسيط". وأوضح ذات الموقع: "منظمو حملات المقاطعة توعدوا بمواصلتها على مدى شهر كامل حتى تحقيق مطلبهم". ويبدو أن هذه الحملة قد لاقت تجاوبا كبيرا في مختلف ربوع المملكة، حيث انتشرت عدد من الصور على الفايسبوك تظهر اشتراك عدد من المحلات التجارية في عدة مدن مغربية بالامتناع عن شراء هذه المنتجات.

ويمكن أن نرجع أسباب هذا التجاوب الشعبي إلى عدة عوامل سياسية وسوسيولوجية من أهمها:
تقاطع هذه المقاطعة مع الحراك الشعبي ل 20 فبراير 2011 من خلال التعبئة الافتراضية وطبيعة السلوك الاحتجاجي الذي لم يتخذ أي لبوس حزبي أو نقابي أو تنظيمي معين.

مقاطعة ثلاثة منتجات تكتسي رمزية اقتصادية وسياسية خاصة، فمنتج حليب سنطرال يحيل على منتج فرنسي ارتبط في الذاكرة الشعبية بالوجود الفرنسي، إلى جانب مشروب ولماس الذي يحيل أيضا على شركة تأسست في عشرينيات القرن الماضي، في حين يحيل منتج شركة إفريقيا غاز على منتج محتكر من طرف أحد مليارديرات العهد الجديد وأحد المقربين من المربع الملكي، بالإضافة إلى كونه متهما بالتورط في إقالة رئيس حكومة أعادت انتخابه صناديق الاقتراع الشعبي.

تراجع التنظيمات النقابية وفشلها في مواجهة سياسة ليبرالية متوحشة نفذها رئيس الحكومة السابق عبد الإله ابن كيران من خلال الإجهاز على صندوق المقاصة، وفرض اقتطاعات متوالية لإنقاذ الصندوق الوطني للتقاعد الذي شارف على حد زعم هذه الحكومة على الإفلاس المالي.

تفاحش موجات الغلاء وارتفاع تكاليف المعيشة بما فيها تكاليف التمدرس الخصوصي، بالموازاة مع تدهور التعليم العمومي، في وضعية اجتماعية تتميز بارتفاع حاد في نسبتي البطالة والمديونية.

لكن يبدو أن ما زاد من نسبة التجاوب الشعبي مع هذه الحملة هو التصريحات الاستفزازية لبعض المسؤولين سواء داخل الحكومة أو مسيري بعض هذه الشركات المستهدفة إلى جانب بعض الفعاليات الحزبية، حيث استعملت فيها نعوت قدحية (كالخيانة، القطيع، المداويخ. ...). وعلى الرغم من محاولة بعض هؤلاء المسؤولين التخفيف من حدة هذا الاستفزاز من خلال الاعتذار أو التراجع عن بعض هذه التصريحات، فإن مختلف هذه المبادرات لم تحد من حدة النقمة الشعبية التي صاحبت هذه الحملة، سيما أن الحكومة وعلى غرار تعاملها مع حراك كل من جرادة والحسيمة لم تسارع إلى تبني أي خطوة ملموسة لاحتواء هذه الحملة، بل يبدو أن الصراع السياسي بين مكونين حزبيين داخل حكومة العثماني قد زاد من استعار أوار هذه الحملة، والركوب عليها لتصفية حساباتهما السياسية. فحزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة وزير الفلاحة صاحب شركة افريقيا غاز المستهدفة اتهم "كتائب حزب العدالة والتنمية " بالضلوع في إشعال هذه الحملة وتوجيهها ضده، في حين يتبرأ حزب رئيس الحكومة من هذه التهمة، الشيء الذي جعل الحكومة عاجزة عن اتخاذ أي موقف ناجع لمواجهة حملة المقاطعة والمراهنة على الزمن لانطفائها التلقائي، بل حتى مناقشة تداعيات هذه الحملة داخل مجلس الحكومة قد أظهرت ضعف تقدير هذه الحكومة على استيعاب هذا الوضع والتحكم في مجرياته، إذ أن الاكتفاء بتوجيه تهديدات مبطنة لمتزعمي هذه الحملة الافتراضيين، والدفاع عن موقف الشركات المقاطعة في تحديد ثمن منتجاتها، والإشارة إلى ضرورة حماية الفلاحين المتضررين، أظهر بأن هذه الحكومة لا تمتلك أي تصور أو استراتيجية لاحتواء هذا الوضع وإقناع المقاطعين بوقف حملتهم، بل يبدو أن تهديدات الحكومة يمكن أن تزيد من تأجيج نقمة المقاطعين والدخول في رهان قوة سينعكس بلا شك في شهر رمضان، الذي يتميز عادة بارتفاع في نسبة الاستهلاك والإقبال خاصة على منتوج الحليب ومشتقاته.

في حين أن مناورات الشركات المستهدفة التي اقتصرت على الحفاظ على أسعار هذه المنتجات وتبرير سلامة موقفها في تحديد هذه الأسعار، ورفض أي تفاوض بهذا الشأن، لن تساهم إلا في إطالة هذه المقاطعة والتصلب في موقف المقاطعين.

وفي إطار ترقب ما سيسفر عنه هذا الوضع، فيمكن للمتتبع أن يخلص إلى أن هذه المقاطعة قد عكست بمجرياتها درجة النضج السياسي لدى فئات وشرائح واسعة من الشعب المغربي في الدفاع عن حقوقها الاقتصادية، سيما بعد أن فقدت الثقة في التنظيمات النقابية التي لم تعد قادرة على الدفاع عن مطالبها وفشلت في مواجهة سياسة ليبرالية متوحشة تقوم على ضرب ممنهج لكل المكتسبات الاجتماعية وتقويض للخدمات العمومية، وتفقير متسارع للفئات الوسطى، من خلال إلقاء عبء تمدرس وصحة وسكن أبنائها على كاهلها مع تجميد الأجور والرفع من تكاليف أسعار المعيش اليومي، الشيء الذي سيؤدي بهذه الفئات حتما إلى الانتقال من المقاطعة الاقتصادية من خلال الامتناع عن شراء مواد استهلاكية لشركات خاصة إلى المقاطعة السياسية التي ستتفجر من خلال هجر صناديق الاقتراع خلال الانتخابات التشريعية القادمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.