أثارت حملة الإعفاءات غير المسبوقة التي باشرها وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، محمد سعد برادة في صفوف المديرين الإقليميين، جدلا واسعا بين أوساط الرأي العام التربوي الذي استغرب لهذا العدد الكبير من المديرين الإقليميين الذين تم إنهاء مهامهم. مصادر من الأسرة التربوية، وصفت القرار بأنه "غير واضح" و"مفاجئ"، منبهة إلى أن إعفاء هذا العدد الكبير يمكن أن يكون له انعكاس سلبي حيث يمكن أن يولد انطباعا بأن المنظومة التربوية على المستوى الوطني "مرتبكة".
وتساءلت المصادر ذاتها: كيف يمكن ألا يكون للوزارة حس استباقي بحيث تعالج الأمور في بدايتها؟، مبينة أن يمكن قبول إعفاء مدير أو مديرين، لكن أن يُعفى هذا الكم الكبير من المدراء الإقليمين على المستوى الوطني (16 مديرا)، فإن "الوزارة متهمة بكونها تركت الأمور تصل إلى هذا الحد، مع افتراض أن هؤلاء المديرين يستحقون الإعفاء".
واعتبرت المصادر، أن بلاغ وزارة التربية الوطنية بشأن عملية الإعفاءات "لم يكن واضحا بالشكل المطلوب، حيث تحدث عن أن الأمر يتعلق بدواعي تدبيرية لكنها قدمت عناوين ولم تقدم تفاصيل، بخصوص قرار كبير يمكن أن يخلق بعض الارتباك على مستوى المديريات، ويتطلب أن تكون المعطيات التي بني عليها مفصلة ودقيقة".
وكانت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، قالت في بلاغ إخباري، إنه "تعزيزا لحكامة المديريات الإقليمية والرفع من قدراتها التربوية والتدبيرية، تم إجراء عملية نقل 07 مديرين إقليميين، وإنهاء مهام 16 مديرا إقليميا، كما سيتم فتح باب التباري لشغل منصب مدير إقليمي ب 27 مديرية إقليمية، من بينها 11 منصبا شاغرا".
وأشارت ذات المصادر إلى أن بعض المديرين الذين تم إعفاؤهم ومنهم مدير إقليمي لمديرية خنيفرة خرج بتوضيحات أكد من خلالها بأن مؤشرات الإنجاز على مستوى المديرية التي كان على رأسها تضع المديرية من الأوائل على المستوى الوطني ومع ذلك تفاجأ بقرار الإعفاء.
هذا، وفجّر المدير الإقليمي للوزارة بخريبكة، مفاجأة، عندما كشف أن مديرية خريبكة تصدرت نتائج التقييمات الوطنية، مؤكدا أن "بلاغ وزارة التربية الوطنية يحتوي على مغالطات كثيرة ويجب البحث عن مبررات أخرى لهذه الإعفاءات".
وعبرت المصادر ذاتها، عن تخوفها من أن يكون هذا القرار الذي يأتي في "ظل ارتباك الوزارة" مرتبطا بأجندات أخرى غير التي ذُكرت في البلاغ، مضيفة أن "يُخشى أن يكون هذا القرار مقدمة من أجل "تبليص" بعض الناس المقربين من الوزير وحزبه في مناصب المسؤولية لاعتبارات سياسية، خاصة مع اقتراب السباق المحموم للانتخابات المقبلة".
وتابعت أن هناك أيضا من ربط هذا القرار بالنتائج المتعلقة بمشروع مدارس الريادة، لافتة إلى أن "هذا المشروع يُدبر مركزيا على كافة المستويات حيث إن التعلمات التي تقدم للتلاميذ تصاغ مركزيا بل حتى الامتحانات الإشهادية تصاغ وطنيا على مستوى الوزارة بمعنى أن تدبير هذا المشروع هو تدبير مركزي مائة في المائة ودور المديريات فقط التنفيذ"، وأردفت: "فإذا كان هناك تعثر بالنسبة للمشروع ونتائجه فإن الذي ينبغي أن يتحمل المسؤولية هي الوزارة وليس المدراء الإقليميين".
أكثر من ذلك، توضح المصادر، فإن مشروع مدارس الريادة، لازال في طور التقييم والتحقق من نتائجه، فقبل حوالي أسبوع صدرت مذكرات حول التحقق من نتائج المراقبة المستمرة، متسائلة: كيف يمكن أن نبني على مؤشرات أولية من أجل إعفاء هذا الكم الهائل من المديرين الإقليميين.
وترى ذات المصادر، أن السبب الذي يمكن أن يكون معقولا وموضوعيا ومقبولا هو أن تكون هناك معطيات دقيقة أو اختلالات أو اختلاسات أو شيء من هذا القبيل، مسجلا أنه رغم ذلك فإن هذا السبب لا يمكن أن تنتظر الوزارة إلى أن تصل الأمور إلى هذا العدد أو الكم الهائل من المسؤولين ثم تقدم على هذه الخطوة.
وخلصت المصادر، إلى أنه "يبدو أن الأمور على مستوى الوزارة فيها الكثير من الارتباك وعدم الوضوح مما يجعل هذا القرار غير متقبل على مستوى الرأي العام التربوي"، مشددة على أنه "في كثير من الأحيان عندما تصدر قرارات معقولة بغض النظر عن من تم إعفاؤه، تشعر وأن القرار متقبل من قبل الرأي العام التربوي، لكن هذا القرار لم يلاق الترحيب اللازم ويُنظر له بتوجس واحتياط وهناك علامة استفهام كبيرة لازالت مطروحة".