يؤكد الدكتور محمد عبد الوهاب العلالي، مسؤول ماجستير التواصل السياسي والاجتماعي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال في الرباط، على مسؤولية الحكومة في تفعيل توجيهات جلالة الملك بالتواصل مع مختلف مكونات الرأي العام بخصوص مستجدات مدونة الأسرة. مشيرا في هذا الحوار مع أسبوعية "الأيام" إلى أن تعزيز التواصل مع الصحفيين ووسائل الإعلام سيساهم في محاربة التضليل والقوى النكوصية التي تحاول استغلال فورة وسائل التواصل الاجتماعي لتمرير خطاباتها المبتورة عن سياقاتها.
كيف ترى طريقة تواصل الحكومة في تقديم بعض تعديلات مدونة الأسرة؟ وهل نجحت في تقريب هذا الورش المجتمعي من عموم المواطنين؟
نحن في بداية المرحلة الثانية من مشروع إدخال إصلاحات جديدة حول المدونة التي تميزت بتوجيهات صاحب الجلالة إلى الحكومة بالتواصل مع الناس حول ما جاءت به حزمة التعديلات. وليس هناك ما يمكن تقييمه على نحو كاف خلال هذه المرحلة القصيرة نسبيا. فالمبادرة الرئيسية، ما عدا تصريحات وزارية محدودة جدًا، تتعلق باللقاء الصحفي الذي عقد يوم الثلاثاء 24 دجنبر الماضي والذي شكل في جوهره خطوة إيجابية أولية لتقديم نتائج التعديلات إلى الصحفيين وعبرهم إلى الرأي العام، لكنها من حيث الشكل، وحسب ردود فعل جزء واسع من الجسم الصحفي، لم تستجب لانتظارات الصحفيين وتساؤلاتهم. لقد اختار لها المنظمون الحكوميون شكل التصريح الصحفي Point de presse وليس ندوة صحفية يجري فيها التفاعل بين المسؤولين والصحفيين حول موضوع حساس وورش مجتمعي يهم عموم الشعب المغربي.
هذه الخرجة الأولى للحكومة، لم تمكن من تداول المعلومات على نحو أوسع وكاف، وربما حسب بعض الملاحظات، كانت لها ردود فعل سلبية. وهذا ما يجب استنتاج الدروس منه لتحقيق تواصل فعال للحكومة.
على مستوى آخر، يبدو أن هناك حاجة لتعزيز التواصل الأفقي بين أعضاء الحكومة حول محتوى تعديلات مدونة الأسرة، للمساهمة الجماعية، متعددة المستويات، للسيدات والسادة الوزراء في الحديث إلى المغاربة وفق تصورات وتحاليل منسجمة، كما أن نجاح تحقيق تواصل مؤثر يمر عبر تعزيز التواصل مع الصحفيين ووسائل الإعلام الوطنية والدولية، وكذا قادة الرأي العام من النخب السياسية والفكرية والدينية ثم التواصل المباشر مع المجتمع.
ما هو الدور الذي ينبغي أن يلعبه التواصل الحكومي اليوم من أجل تقريب التعديلات الجديدة من المواطنين وما هي الآليات الممكن توظيفها في هذا الإطار؟
في حالة الحملة التواصلية للحكومة حول التعديلات، نحن أمام موضوع في غاية الحساسية، له بعد ديني يرتبط بالمقدس، مع وجود قوى نكوصية تعترض على الإصلاحات وتستثمر في النقاش حولها لأسباب سياسية، وتستخدم خطابات دينية عاطفية تسلب الناس ملكة التفكير النقدي. أما الإشكال الآخر، فيتعلق بواقع أن الحكومة تواجه فضاء واسعا للتواصل الاجتماعي يعج بالتفاهات والمعلومات المضللة والأخبار الكاذبة والأنباء المبتورة عن سياقاتها. يتناول فيه الكلمة كثيرون من عديمي الأهلية للحديث في قضايا كبرى تهم الشأن العام، يرددون باستمرار معلومات كاذبة وغير كاملة أو مضللة، وفتاوى وتعليقات وتحليلات لمواضيع اجتماعية وفقهية وقانونية وحقوقية مبتورة عن سياقاتها.
أعتقد أن هذه المحددات البنيوية تجعل مسألة نجاح الحكومة في التواصل مع الشعب حول المدونة أمرا في غاية الأهمية، ويحتاج إلى جهود استثنائية، ولكنه ليس مستحيلاً.
ما سبق، يجعل الحكومة مطالبة بتفعيل توجيهات جلالة الملك بالتواصل مع مختلف مكونات الرأي العام في المرحلة الحالية، وإجراء حوار واسع للانتقال إلى مصادقة الغرفتين حول التعديلات والقوانين المنظمة لها، وشرح الأبعاد الإصلاحية الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية والسياسية للتعديلات وإسقاطاتها الإيجابية على المجتمع، من أجل تحويلها إلى مشاريع قوانين واضحة ذات شرعية سياسية.
وهذا يعني أن التواصل الحكومي يجب أن يلعب دورًا فعالًا في تقريب التعديلات الجديدة من المواطنين من خلال استراتيجية متكاملة تستخدم مختلف الآليات المتوفرة من وسائل الإعلام التقليدية والرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام المؤسساتي لمختلف الوزارات والقطاعات المعنية، وحتى مختلف أشكال التواصل المباشر مع الناس والحوار والاستشارة وتعزيز التواصل مع الشباب والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، ومع الفئات الحضرية والقروية، والتفاعل السريع مع الاستفسارات والشكاوى والمخاوف في فضاء عام هادف للنقاش العام.
كيف يمكن مواجهة العديد من الصور النمطية التي رافقت الكشف عن بعض التعديلات المرتقبة وما هو دور الإعلام العمومي على وجه الخصوص في هذا السياق؟
في موضوع الصور النمطية، أعتقد أن المحددات البنيوية تجعل مسألة نجاح الحكومة في التواصل مع الشعب حول المدونة أمرًا في غاية الأهمية، ويحتاج إلى جهود استثنائية، باستخدام الإعلام العمومي على نحو مثمر، وهو ما يطرح على أعضاء الحكومة، كما الصحفيين، وكل المتحدثين عبر مختلف الأوعية، أن يقوموا بواجبهم في مواجهة الصور النمطية السلبية وثقل التقليد في البنية الاجتماعية، والأخبار المضللة التي طفت إلى السطح، وذلك وفق مقاربات احترافية تتطلب تحديد المضامين التي يجب التفاعل بشأنها وتحديد الفئات المستهدفة والتفاعل معها بفعالية، في واقع يعاني غياب الدراسات السوسيولوجية حول اتجاهات الجمهور ودراسات الرأي العام، ومراصد لتقديم معطيات أكثر موضوعية ومؤشرات يمكن الاستناد إليها في عمليات التقييم والتفاعل السريع، بدل الاعتماد على الانطباعات.
وهنا يبرز دور الإعلام العمومي ضمن هذه المنظومة الشاملة بشكل حيوي. وبالرجوع إلى التجارب الدولية وكذا الوطنية لوسائل الإعلام العمومية الكبرى، فقد أثبتت أنها قادرة على الصمود والنجاح في ظروف الأزمات وأمام فورة الإعلام الرقمي وتراجع الصحافة المكتوبة. فمراجعة التجارب التي تمت مراكمتها في مواجهة وباء كوفيد-19 يبين أن إعلامنا العمومي قام بأدوار إيجابية في ظروف صعبة ويمكنه أن يساهم بفعالية في ورش تعديلات المدونة.
ما هي مسؤولية الإعلام اليوم بوجه عام في المساهمة في هذا الورش وكيف يمكن للحكومة إشراكه من أجل مواكبة كافة المحطات المتعلقة بعرض ومناقشة مشروع قانون المدونة الجديد الذي سيتم عرضه قريبًا على البرلمان؟
هي مسؤوليات كبيرة ومتعددة المستويات باعتبار ذلك، إذا ما تحدثنا بمفاهيم التواصل السياسي، يمثل آلية أساسية للوساطة بين السلطة العليا والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والرأي العام في الاتجاهين. أي من السلطة إلى المجتمع في اتجاه هابط، ومن المجتمع إلى الحاكمين في اتجاه صاعد. لذلك، فالحكومة عليها وقبل أي شيء، أن تقوم بمجهود كبير لتعزيز التواصل الأفقي بين كل أعضائها لتبني خطاب واضح وشفاف بالحجج والدلائل، حتى يتمكن الصحافيون والإعلاميون من شرح أبعاد وتوجهات الإصلاحات إلى الرأي العام والمساهمة في شرح الإصلاحات الجديدة للمدونة واستيعاب مخاوف وتطلعات الرأي العام في هذا الجانب أو ذاك، وهذا ما يفضي إلى مسؤولية الإعلام في تقديم تغطية متوازنة ومحايدة، ويقتضي من المتحدثين في مختلف الأوعية والمنصات التحلي بالنزاهة والشفافية والمصداقية والحياد وتقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول التعديلات لتحديد المخاوف ومناطق الخلاف لتيسير الفهم المتبادل وتعزيز الحوار الوطني حول مشروع استراتيجي كبير ضمن ورش الإصلاحات الاجتماعية.