عجز الميزانية يتفاقم منتقلا من 1.7 إلى 6.9 مليارات درهم بين يناير 2024 ويناير 2025    الصين تطلق أول نموذج كبير للذكاء الاصطناعي مخصص للأمراض النادرة    أمطار مرتقبة في توقعات طقس السبت    أمن والجمارك بميناء طنجة …إحباط محاولة لتهريب 1852 وحدة من المفرقعات والشهب النارية وتوقيف شخص للاشتباه في تورطه في تهريب مواد قابلة للاشتعال تشكل خطرا على الأشخاص والممتلكات    القوة الناعمة.. المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية    المغرب يطلق أول رحلة جوية خالية من الكربون نحو أوروبا بوقود طيران مستدام    "تصريحات تهكمية" تضع وهبي في مرمى نيران نادي قضاة المغرب    حماس تفرج عن 6 رهائن السبت، مقابل سجناء بينهم 108 سيتم ترحيلهم خارج الأراضي الفلسطينية    ستقلب المعادلات..عين المغرب على المقاتلات الشبح    انفجار ثلاث حافلات في تل أبيب، ويعتقد أنه "هجوم على خلفية قومية"    قرعة دوري أبطال أوروبا.. ديربي مدريدي وقمتان ناريتان    النصيري يدخل التاريخ مع فنربخشة التركي    إدارة الرجاء توجه رسالة إلى جمهورها قبل مباراة الكلاسيكو    خلال رمضان.. 272 واعظا لمواكبة مغاربة العالم في 13 دولة    بلاغ هام من الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء    أربعيني في قبضة أمن الحسيمة    زخات رعدية وصقيع بهذه المناطق    رمضان 2025.. كم ساعة سيصوم المغاربة هذا العام؟    دراسة: هذه أفضل 4 أطعمة لأمعائك ودماغك    هل نبدأ في فقدان شبابنا بعد الخامسة والثلاثين؟    رفع الستار عن فعاليات الدورة الثالثة من مهرجان روح الثقافات بالصويرة    تقدم في التحقيقات: اكتشاف المخرج الرئيسي لنفق التهريب بين المغرب وسبتة    المنتخب النسوي يفوز وديا على غانا    لجنة تتفقد المناخ المدرسي ببني ملال    حادث سير يصرع شابة في الناظور    "برلمانيو الأحرار" يترافعون عن الصحراء    المؤتمر الوطني للعربية ينتقد "الجائحة اللغوية" ويتشبث ب"اللسانَين الأم"    حوار مع "شات جيبيتي".. هل الأندلس الحقيقية موجودة في أمريكا؟    "ميزانية المواطن".. مبادرة تروم تقريب وتبسيط مالية جهة طنجة للساكنة    "الفوبريل" يدعم حل نزاع الصحراء    فوز صعب ل"الماص" على المحمدية    الحصبة.. مراقبة أكثر من 9 ملايين دفتر صحي وتخوفات من ارتفاع الحالات    المدير السابق للاستخبارات الفرنسية للأمن الخارج: المغرب كان دائما في طليعة مكافحة الإرهاب    ارتفاع المداخيل الضريبية بنسبة 24,6 في المائة عند متم يناير 2025    أزولاي: البصمة المغربية مرجع دولي لشرعية التنوع واحترام الآخر    اختتام القمة العربية المصغرة في الرياض بشأن غزة من دون إصدار بيان رسمي    من العاصمة .. الإعلام ومسؤوليته في مواجهة الإرهاب    الملتقى الوطني الاتحادي للمثقفات والمثقفين تحت شعار: «الثقافة دعامة أساسية للارتقاء بالمشروع الديمقراطي التنموي»    محكمة بالدار البيضاء تتابع الرابور "حليوة" في حالة سراح    الملك محمد السادس يحل بمطار سانية الرمل بتطوان استعدادًا لقضاء شهر رمضان في الشمال    على بعد أيام قليلة عن انتهاء الشوط الثاني من الحملة الاستدراكية للتلقيح تراجع نسبي للحصبة وتسجيل 3365 حالة إصابة و 6 وفيات خلال الأسبوع الفارط    المغرب يشارك في الدورة ال58 لمجلس حقوق الإنسان    فحوصات الجيش الإسرائيلي لجثمان يحيى السنوار أظهرت خلو دمه من أي تأثير لمواد مخدرة    إسرائيل تفرج عن 602 فلسطيني السبت    المغرب ضيف شرف المعرض الدولي للفلاحة بباريس.. تكريم استثنائي لرائد إقليمي في الفلاحة الذكية والمستدامة    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حلف بغداد: قصة تحالف عسكري، أشعل التوترات في المنطقة
نشر في الأيام 24 يوم 13 - 01 - 2025

Getty Imagesشاه إيران يجلس خلف عجلة القيادة في سيارة جيب عسكرية وبجانبه ملك العراق فيصل الثاني خلال تفقدهما لمناورات عسكرية في إيران
عندما تسمع كلمة بغداد - العاصمة العراقية - قد يرد إلى الذهن أفكار شتى بداية من عاصمة هارون الرشيد والخلافة العباسية، ومرورا بحكايات ألف ليلة وليلة وبساط الريح، وحتى صدام حسين، ولكن قد لا يخطر على البال أن هذه الكلمة كانت تشير ذات يوم إلى تحالف عسكري غربي شرق أوسطي في خمسينيات القرن الماضي، وقد كانت نهاية هذا الحلف هي بداية النهاية للنفوذ البريطاني في الشرق الأوسط.
تأسس ما يعرف بحلف بغداد عام 1955، وكانت بريطانيا تأمل في انضمام الأردن إليه، لكن في 14 يناير/ كانون الثاني من عام 1956 أعلنت المملكة الأردنية رفضها الانضمام إلى الحلف الذي كان يضم إلى جانب بريطانيا كل من العراق وتركيا وباكستان وإيران.
* "فكرة بريطانية": حكاية الجامعة العربية التي تنازلت السلطة الفلسطينية عن رئاستها
* إحداها استمرت 24 ساعة فقط: تعرف على تجارب الوحدة العربية
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن حلف بغداد، هو منظمة أمنية اتخذت من العاصمة العراقية بغداد مقرا لها منذ تأسيسها في 24 فبراير/ شباط من عام 1955 وحتى تمت الإطاحة بالنظام الملكي المعادي للسوفييت في بغداد، وما أعقب ذلك من انسحاب العراق من الحلف، ليتم نقل المقر للعاصمة التركية أنقرة كما تم تغيير الاسم إلى منظمة المعاهدة المركزية (الحلف المركزي)، وفي عام 1979 انسحبت إيران بعد الثورة الإسلامية وسقوط الشاه، ليتم حل هذه المنظمة في نفس العام، فما هي قصة هذا الحلف؟
التصدي للمد الشيوعي
Getty Imagesظهر حلف بغداد في عهد فيصل الثاني آخر ملوك العراق
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، برزت قوتان عالميتان رئيسيتان هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، وشكل الصراع بينهما إطارا للحرب الباردة، حيث سعت كلتا القوتين إلى توسيع نفوذهما السياسي والعسكري في أنحاء العالم.
وبينما كان السوفييت يواصلون توسيع مناطق نفوذهم في أوروبا الشرقية، كانت إحدى المناطق التي يتطلعون للوصول إليها هي الشرق الأوسط.
وقد اعتبرت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا الشرق الأوسط منطقة حيوية لمصالحهما الأمنية، وكانت بريطانيا على وجه الخصوص مرتبطة بالمنطقة، فقد كانت دائماً الدولة الأكثر نفوذاً فيها، وبعد الحرب العالمية الثانية، تعاملت بريطانيا مع أمن المنطقة باعتباره شديد الأهمية بالنسبة لها، ولكن تراجع قوة بريطانيا مقارنة بالولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كان يثير تساؤلات متزايدة حول قدرتها على حماية مصالحها في الشرق الأوسط.
وقد أعربت حكومة الولايات المتحدة في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي عن اهتمامها بتشكيل حلف عسكري في الشرق الأوسط لمواجهة تهديد التمدد الشيوعي السوفييتي إلى مناطق إنتاج النفط الحيوية.
ولذلك، سعت واشنطن إلى إنشاء تحالفات إقليمية تهدف إلى احتواء الشيوعية، فجاء حلف بغداد كجزء من هذه الاستراتيجية، حيث كان يهدف إلى بناء جدار من الدول المتحالفة يمتد من تركيا إلى باكستان.
وقد تشكل حلف بغداد في نفس الوقت الذي تشكل فيه كل من حلف الناتو( حلف شمال الأطلسي) ومنظمة معاهدة جنوب شرق آسيا، إذ حاولت تلك التحالفات الإحاطة الاتحاد السوفييتي من خلال سلسلة من المنظمات العسكرية الموالية للغرب.
وقد ظهرت فكرة التحالفات الثلاثة بعد أن عاد وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس إلى واشنطن من جولته في الشرق الأوسط في مايو/ آيار من عام 1953 حيث اقترح تشكيلا دفاعيا لدول تمتد عبر أوراسيا لاحتواء الشيوعية.
Getty Imagesأعلام دول حلف بغداد خارج مبنى لانكستر هاوس حيث عُقد اجتماع الحلف في العاصمة البريطانية لندن في عام 1958
وتكمن أهمية الشرق الأوسط في عدد من العوامل المختلفة:
* أولاً، كان وجود النفط في العديد من بلدان الشرق الأوسط يعني أن اقتصادات أوروبا الغربية، وبدرجة أقل الاقتصاد الأمريكي، تعتمد على المنطقة كمصدر للطاقة، وكانت بريطانيا تحصل على ما يقرب من 90 في المئة من إمداداتها النفطية من الخليج.
* ثانيًا، يقع الشرق الأوسط ضمن العديد من طرق العبور إلى الشرق الأقصى، وجعلت الممرات المائية والجوية التي تمر عبر مصر والعراق والأردن، بريطانيا تعتمد بشكل كبير على العلاقات الطيبة مع دول المنطقة في مجال الاتصالات والتجارة مع الشرق الأقصى.
* وثالثاً، هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية، فمن ناحية، هي متاخمة للجزء الجنوبي من حلف شمال الأطلسي، وبالتالي فإنها تقدم للمعتدي طريقاً محتملاً للهجوم. ومن ناحية أخرى، يمكن أو توفر قواعد يمكن من خلالها شن هجوم على الاتحاد السوفييتي من الجنوب. ومن جانبها، كانت بريطانيا تمتلك قواعد في الحبانية والشيبة في العراق وعلى جزيرة قبرص، والتي يمكن من خلالها توجيه ضربات نووية إلى القوقاز، وكان يُنظَر إلى توجيه ضربات إلى الاتحاد السوفييتي من الشرق الأوسط، على أنها يمكن أن تعقد تخطيطه الدفاعي من خلال مواجهته بمحاور هجوم متعددة.
"الحزام الشمالي"
Getty Imagesحاول رئيس الوزراء العراقي نوري السعيد دون جدوى إقناع مصر وسوريا بالانضمام لحلف بغداد
وأدت التوترات المستمرة في منطقة الشرق الأوسط في خمسينيات القرن العشرين، مثل الصراع العربي الإسرائيلي وتصاعد معاداة الاستعمار بقيادة مصر، إلى صعوبة تشكيل تحالف يضم كل من إسرائيل والقوى الغربية مع الدول العربية والإسلامية.
وبدلاً من ذلك، حولت الولايات المتحدة تركيزها إلى "الحزام الشمالي"، في إشارة إلى خط البلدان التي شكلت حدوداً بين الاتحاد السوفييتي والشرق الأوسط. وكانت الفكرة هي إبرام تحالف يربط العضو الجنوبي الأبعد في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهي تركيا، بالعضو الغربي الأبعد في منظمة حلف جنوب شرق آسيا، وهي باكستان.
وقد وقعت تركيا وباكستان اتفاقية في عام 1954 لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وبإيعاز من بريطانيا والولايات المتحدة، بدأ تشكيل حلف بغداد في 24 فبراير/ شباط من عام 1955 عندما وقع العراق وتركيا "ميثاق التعاون المتبادل" في بغداد لمقاومة العدوان الخارجي، وفتحتا الطريق أمام دول أخرى في المنطقة.
وفي أبريل/ نسيان، انضمت بريطانيا، وتبعتها باكستان، في الأول من سبتمبر/ أيلول، ثم إيران، أثناء فترة الشاه محمد رضا بهلوي، في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1955.
وهكذا، قام "حلف بغداد" الذي ضم بريطانيا والعراق وتركيا وباكستان وإيران، وكان ذلك في عهد فيصل الثاني، آخر ملوك العراق ورئيس حكومته نوري السعيد، وهدف الحلف تقوية دفاعات المنطقة ومنع الاختراق السوفييتي للشرق الأوسط.
إذ نصت المادة الأولى من معاهدة حلف بغداد على أن الغرض من إقامته هو الدفاع عن أمن وسلامة الأطراف المتعاقدة. وتعهدت هذه الأطراف بموجب المادة الثالثة بالامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية لبعضها البعض، وكذلك بتسوية منازعاتها بالطرق السلمية تماشياً مع ميثاق الأمم المتحدة.
أما مدة سريان معاهدة الحلف فقد حددتها المادة السابعة بأنها 5 سنوات قابلة للتجديد مدة مماثلة، وقد كفلت هذه المادة حق الانسحاب لأي من الدول المتعاقدة وذلك بتقديم إخطار خطي قبل 6 أشهر من انتهاء مفعول المعاهدة.
لكن لم يتم الالتزام بهذا النص لدى انسحاب العراق من الحلف حيث لم تكن الدول الأطراف الأخرى حريصة على استمرار عضوية العراق لانعدام وجود الهدف المشترك بين هذا النظام وأنظمة الدول الأخرى في الحلف.
موقف الولايات المتحدة
Getty Imagesوزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس اقترح تشكيلا دفاعيا لدول تمتد عبر أوراسيا لاحتواء الشيوعية
كانت بريطانيا هي الدولة الثالثة التي انضمت إلى حلف بغداد بعد فترة وجيزة من تأسيسه، وعلى النقيض من ذلك، لم تنضم الولايات المتحدة للحلف بشكل كامل على الرغم من حقيقة أنه ضم دولًا قريبة من الاتحاد السوفييتي.
وبعد انضمام بريطانيا في عام 1955، توقعت أن تنضم الولايات المتحدة إلى الحلف أيضاً، وقد أيدت دراسة مشتركة لوزارتي الدفاع والخارجية في بريطانيا في يونيو/ حزيران من عام 1955، الرأي القائل بأنه لا يمكن تأمين الدفاع عن المنطقة إلا بمساعدة أمريكية، ولقد مارست المملكة المتحدة وغيرها من الدول الأعضاء، دون جدوى، ضغوطاً من أجل انضمام أمريكا إلى حلف بغداد منذ بداياته.
ورغم عدم استجابة الولايات المتحدة، واصلت بريطانيا الضغط على حليفتها الأقوى لحملها على الانضمام إلى المنظمة. واشتد هذا الضغط عندما مر الحلف بأزمة إقالة الضابط البريطاني الجنرال غلوب من قيادة الفيلق العربي الأردني في مارس/ آذار من عام 1956.
لكن الولايات المتحدة رفضت الانضمام بشكل كامل إلى الحلف، وفضلت أن تكتفي بصفة المراقب وقد انضمت إلى العديد من اللجان داخله مثل لجنة الاقتصاد، ولم تنضم إلى اللجنة العسكرية إلا في يونيو/حزيران من عام 1957.
وقد فضلت الولايات المتحدة دعم العديد من الدول الأعضاء في الحلف، مثل العراق وإيران، من خلال حزم المساعدات العسكرية الثنائية. وقد مكن هذا النهج الأمريكيين من التحايل على مشكلة الظهور بمظهر يربطهم بأنشطة قوة استعمارية، كما مكنهم أيضا من الحفاظ على مرونتهم وإبقاء خيار استبدال الحلف بمنظمة - ذات قاعدة أوسع نطاقاً، وقد تكون مقبولة لعدد أكبر من الدول العربية - مفتوحاً، فضلا عن أن عدم الانضمام الكامل جنّب واشنطن استفزاز إسرائيل أو مصر أو المملكة العربية السعودية.
ومن جانبهم، شعر البريطانيون بخيبة أمل لأن الولايات المتحدة لم تنضم بشكل كامل لحلف بغداد، إذ كانوا يرغبون في الاستعانة بالقوة الأمريكية لدعم وضعهم المتدهور في المنطقة.
عوامل ضعف الحلف
Getty Imagesالزعيم المصري جمال عبد الناصر والعاهل الأردني الملك حسين لدى زيارة الأخير لمصر عام 1955
منذ البداية، فشل حلف بغداد في الحصول على دعم واسع النطاق من دول الشرق الأوسط، إذ افتقر إلى هوية مشتركة بضم الجمهورية تركيا القومية، وإيران الملكية الشيعية، والدولة السنية الناشئة في باكستان، والعراق الذي خرج من قبضة الاستعمار مؤخرا.
وقد أخفقت مساعي نوري السعيد رئيس وزراء العراق آنذاك بإقناع عدد من الدول العربية، وفي مقدمتها مصر وسوريا، بالانضمام إلى الحلف لقناعة هذه الدول بأن الاتحاد السوفييتي - الذي بدأ يصبح المزود الوحيد للدول العربية المواجهة لإسرائيل بالسلاح والعتاد والذي أقيم الحلف واقعياً لمواجهته دون سواه - لا يُمثل خطرا عليها.
ورغم ذلك، كانت بريطانيا تأمل في انضمام سوريا والأردن إلى الحلف في مرحلة لاحقة، وقد رفضت سوريا الانضمام، فيما أبدى العاهل الأردني الملك حسين في البداية ترددا بسبب المعارضة الداخلية لهذه الخطوة، وفي نهاية المطاف استجاب الملك حسين لإرادة شعبه الذي خرج في الشوارع بأعداد كبيرة للتنديد بالحلف ورفض الانضمام إليه.
وفي عام 2003 كتب غيرالد بوت محلل شؤون الشرق الأوسط في بي بي سي: "في ذلك الوقت رأيت المتظاهرين يحطمون نوافذ البنك البريطاني حيث كان يعمل والدي في العاصمة الأردنية عمان، وأصابني الانزعاج وأنا طفل من رؤية المتظاهرين يخربون حديقة منزلنا".
وفي لبنان، أيد الرئيس كميل شمعون حلف بغداد إذ كان على علاقة جيدة مع الملك فيصل في العراق والشاه محمد رضا بهلوي في إيران، لكنه لم ينضم للحلف بسبب المعارضة الكبيرة له في البلاد.
وهكذا، قوبلت الطموحات البريطانية بمعارضة شعبية عربية شجعتها قيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر وخطبه النارية عبر إذاعة "صوت العرب"، وقد عارضت مصر أي تحالف يمكن أن يكون امتدادا جديدا ل"الإمبريالية الأوروبية"، كما أن السعوديين لم يثقوا في الحكام الهاشميين في العراق.
وقد أدت التطورات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في السنوات التي تلت قيام الحلف إلى إضعافه.
ففي عام 1956 قام الزعيم المصري جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، وردت إسرائيل بغزو شبه جزيرة سيناء، وتدخلت القوات البريطانية والفرنسية، وكانت نتيجة ذلك خسارة بريطانيا لهيبتها في المنطقة، الأمر الذي أضر بدوره بمكانتها القيادية في حلف بغداد.
وفي بداية عام 1957 جاء الإعلان عن "مبدأ (أو عقيدة)" أيزنهاور، بعد إلقاء الرئيس الأمريكي رسالة خاصة إلى الكونغرس حول الوضع في الشرق الأوسط. وبحسب أيزنهاور، تستطيع أي دولة أن تطلب المساعدة الاقتصادية أو العسكرية من الولايات المتحدة، إذا ما تعرضّت لتهديد، وكان يقصد بذلك التهديد السوفييتي، وهكذا صار طلب المساعدة العسكرية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط غير مرتبط بعضوية الحلف.
وتسارعت وتيرة الأحداث في المنطقة مع حلول عام 1958 لتخيم بظلالها على حلف بغداد وتزيده ضعفا.
ففي فبراير/ شباط من عام 1958 أعلنت كل من مصر وسوريا عن تأسيس "الجمهورية العربية المتحدة"، ثم في 14 يوليو/ تموز من عام 1958، تمت الإطاحة بالنظام الملكي الذي أقامته بريطانيا في العراق في انقلاب عسكري عنيف ودموي، ويُعد حلف بغداد واحدا من أسباب ذلك الانقلاب.
وأدى ذلك إلى تصاعد التوتر في المنطقة، ودفع بالولايات المتحدة إلى إرسال قواتها إلى الأردن بهدف تعزيز نفوذ حلفائها.
وعملاً بمبدأ "أيزنهاور"، طلب الرئيس اللبناني كميل شمعون من الولايات المتحدة التدخل "لإنقاذ الشرعية" واتهم عبد الناصر وسوريا بتسليح ودعم المعارضة في لبنان.
وفي 15 تموز/يوليو 1958، وصلت قوات مشاة البحرية الأمريكية إلى العاصمة اللبنانية بيروت عبر المرفأ في عملية حملت اسم "الخفاش الأزرق". وقالت الولايات المتحدة إنّ الهدف من التدخل هو منع إراقة الدماء في لبنان.
وكان لبنان على حافة حرب أهلية شاملة بين معسكر الرئيس كميل شمعون ومعسكر المعارضة المؤيد لجمال عبد الناصر. وجاء اغتيال الصحفي المعارض نسيب المتني رئيس تحرير ومؤسس جريدة "التلغراف"، والعضو في "الحزب التقدمي الاشتراكي" الذي يترأسه كمال جنبلاط ، بمثابة الشرارة الأولى للاقتتال حيث خرج أنصار المعارضة إلى الشارع، وبدأت الاحتجاجات المطالبة باستقالة شمعون، ولاحقاً، نصبت المتاريس بين أنصار المعارضة وأنصار الحكومة، وتوسعت رقعة الاشتباكات.
ورفض قائد الجيش آنذاك فؤاد شهاب مساندة القوات المسلحة لأي من الطرفين، نظراً لحساسية التوزيع الطائفي داخل المؤسسة العسكرية.
وإلى جانب التدخل العسكري، أرسلت الولايات المتحدة المبعوث روبرت مورفي بهدف إيجاد تسوية سلمية للأزمة. وانتهت الأزمة، بعدم تمديد ولاية شمعون وعدم ترشحه لولاية أخرى، لكنه بقي في منصبه حتى موعد انتهاء عهده رسمياً. وانتُخب قائد الجيش فؤاد شهاب خلفاً له.
ولقد حدثت كل تلك التطورات في لبنان خارج مظلة حلف بغداد.
Getty Imagesأعلن عبد الكريم قاسم انسحاب العراق من حلف بغداد
وفي 24 مارس/آذار من عام 1959، أعلن الزعيم العراقي الجديد عبد الكريم قاسم انسحاب العراق من الحلف الذي لم يكمل عامه الرابع، فتغير اسمه إلى "الحلف المركزي" وانتقلت مكاتبه إلى تركيا.
وفي الواقع لم يقدم الحلف لأعضائه أي وسيلة لضمان الدفاع الجماعي، ولم يُنشئ هيكل قيادة عسكرية دائمة أو قوات مسلحة مشتركة.
وبحلول نهاية إدارة أيزنهاور، أصبح من الواضح لأعضاء الحلف أنه قناة أفضل للتنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي أكثر من كونه تحالفاً عسكرياً.
فقد حاولت باكستان في عام 1965 الحصول على مساعدة حلفائها في حربها ضد الهند، لكن عندما أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 211 في 20 سبتمبر/ أيلول بقطع إمدادات الأسلحة عن الطرفين المتحاربين، أيدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة هذا القرار.
ومع اندلاع حرب جديدة مع الهند في عام 1971 حاولت باكستان مرة أخرى، دون جدوى، الحصول على مساعدة الحلف فلم تحصل إلا على دعم عسكري أمريكي محدود، ولم يكن في إطار الحلف المركزي.
وفي عام 1974، انسحبت بريطانيا من الحلف وأوقفت دعمها له احتجاجا على الغزو التركي لقبرص الذي أسفر عن احتلال الأتراك لشمال الجزيرة.
وفي عام 1979، أدت الثورة الإيرانية إلى الإطاحة بالشاه وانسحاب إيران من الحلف. كما انسحبت باكستان في ذات العام بعد أن قررت أن المنظمة لم تعد تلعب دوراً في تعزيز أمنها، وتم حل هذه المنظمة رسمياً في نفس العام.
* ما هي أبرز التحالفات العسكرية التي نشأت في الشرق الأوسط ولماذا فشلت؟
* هل تنجح فكرة تدشين "ناتو شرق أوسطي" في المنطقة؟
* هل ينجح تحالف عربي - إسرائيلي ضد إيران؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.