قمع احتجاج أمازيغي يثير سخط الحقوقيين    فوز مريح لنهضة بركان على النادي القسنطيني قبل لقاء العودة في الجزائر    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا فكرت بريطانيا في قطع النيل عن مصر؟
نشر في الأيام 24 يوم 22 - 12 - 2024

Getty Imagesعبد الناصر ورئيس الوزراء البريطاني أنتوني إيدن في اجتماع بالقاهرة سنة 1955 قبل عام من أزمة السويس
"مصر هبة النيل"، هي مقولة الفيلسوف اليوناني هيرودوت في القرن الخامس، وقصد بها أن نهر النيل الذي يعد من أطول أنهار العالم ويمر عبر هذا البلد، هو الذي ساهم في صنع حضارته وأصبح المصدر الرئيسي للماء، وبالتالي الحياة.
وفي موسوعته "قصة الحضارة"، قال ويل ديورانت عن علاقة النيل ومصر: "استقر المصريون القدماء على ضفاف نهر النيل، وكانت الوحدة السياسية ضرورة تستجوبها رغبة المصريين العارمة في دخول التاريخ، وحدثت الوحدة مع بدايات الأسرة المصرية الأولى، وكانت بداية الانطلاق نحو الكتابة والتدوين والخروج من عصور ما قبل التاريخ إلى رحابة العصور التاريخية".
* إسرائيل وبريطانيا وفرنسا خططوا لأبعد من السيطرة على قناة السويس في حربهم على مصر عام 56 وثائق بريطانية
* قناة السويس: وثائق تكشف أسرار الدور البريطاني في إجهاض أحد أكبر مشروعات تطوير الممر الملاحي العالمي
* النيل: لندن رفضت خطة إثيوبية قبل ستة عقود لتشكيل جبهة من دول المنبع ضد مصر والسودان، وثائق بريطانية
ومن المعروف أن أزمة السويس عام 1956 ارتبطت بالنيل بسبب تراجع الغرب عن تمويل إنشاء السد العالي، مما دفع الزعيم المصري آنذاك جمال عبد الناصر إلى تأميم القناة وهو الأمر الذي أدى إلى قيام بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بمهاجمة مصر.
ولكن هناك أمرا آخر ارتبط بالنيل له علاقة بتلك القضية، ففي خضم الأزمة فكر البريطانيون في قطع النيل عن مصر للضغط على عبد الناصر لحمله على التخلي عن السيطرة على قناة السويس.
وأُسدل الستار على أزمة السويس في 22 ديسمبر/ كانون الأول من عام 1956 عندما أنهت القوات الفرنسية والبريطانية انسحابها من مدينة بورسعيد المصرية، ولكن ما هي علاقة بريطانيا بالنيل؟ وكيف خططت لقطعه عن مصر؟
أدرك البريطانيون أن النيل هو شريان الحياة لمصر. وبعد احتلالهم البلاد، دافعوا عن مصالح مصر المائية في نهر النيل، ولكن تغير الأمر بعد ذلك خلال أزمة السويس.
Getty Images
الدفاع عن مصالح مصر
منذ احتلالها مصر في عام 1881 وحتى عام 1956 عمدت بريطانيا إلى الدفاع عن مصالح مصر المائية من خلال عدة معاهدات وهي:
* اتفاقية 1891 بين بريطانيا، نيابة عن مصر والسودان، من جانب، وإيطاليا، التي وقعت باسم إثيوبيا، من جانب آخر، وتقضي بالامتناع عن إقامة أية منشآت على نهر عطبرة، من شأنها التأثير بدرجة ملحوظة على مياه النيل.
* اتفاقية 1902 بين بريطانيا، نيابة عن مصر والسودان، من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر، وتعهدت فيها الأخيرة بعدم القيام بأعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا قد تؤثر في مياه النيل إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية.
* اتفاقية 1925 بين بريطانيا وإيطاليا تكفل اعتراف الأخيرة بحقوق مصر والسودان في مياه النيل الأزرق والأبيض، وتعهدها بعدم إقامة أي إنشاءات من شأنها أن تؤثر تأثيرا ملحوظا في المياه التي تصل إلى النهر الرئيسي.
* اتفاقية 1929 بين بريطانيا، نيابة عن عدد من دول حوض النيل وهي أوغندا وكينيا وتنزانيا، من جانب، ومصر من جانب آخر، وهي الاتفاقية التي تضمنت إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، كما تمنح المعاهدة مصر حق الاعتراض على إقامة أي مشاريع على نهر النيل من شأنها أن تؤثر على حصتها من المياه.
لكن قُبيل الهجوم الثلاثي على مصر أو ما عُرف بأزمة السويس في عام 1956، وضعت الحكومة البريطانية خطة سرية غريبة لقطع نهر النيل عن مصر، وذلك في محاولة للسيطرة على قناة السويس.
وقد بدأت المناقشات حول هذا الأمر خلال سبتمبر/أيلول من عام 1956 حين كانت أزمة السويس تتصاعد إلى نقطة الغليان.
أزمة السويس
تقول دائرة المعارف البريطانية إن تلك الأزمة اندلعت في يوليو/تموز من عام 1956 عندما قام الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر بتأميم شركة قناة السويس، التي كانت تسيطر عليها فرنسا وبريطانيا.
وكانت قناة السويس قد قدمت لبريطانيا طريقا بحريا أقصر إلى إمبراطوريتها. ومع بزوغ القرن العشرين وازدياد أهمية النفط، وفرت القناة طريقا بحريا قصيرا إلى حقول النفط في الخليج العربي، لذلك كانت بريطانيا ملتزمة بحمايتها.
وتعرضت قناة السويس للهجوم خلال الحربين العالميتين.
Getty Imagesجعلت أزمة السويس من جمال عبدالناصر بطلا في عيون العرب
فبعد فترة وجيزة من اندلاع الحرب العالمية الأولى، أعلنت بريطانيا مصر محمية، وتم إرسال القوات البريطانية والهندية لحماية القناة، فيما أرسلت تركيا، التي دخلت الحرب كحليف لألمانيا في عام 1914، قوات للاستيلاء على القناة في فبراير/شباط من عام 1915.
وقد تم صد ذلك الهجوم، وبحلول عام 1916 تم دفع الخطوط الدفاعية البريطانية إلى عمق صحراء سيناء لمنع أي محاولة أخرى.
وقد أعلنت المعاهدة الأنجلو-مصرية الموقعة في لندن عام 1936 أن مصر دولة مستقلة ذات سيادة، لكنها سمحت للقوات البريطانية بالاستمرار في التمركز في منطقة قناة السويس لحماية المصالح المالية والاستراتيجية لبريطانيا في القناة حتى عام 1956، الذي سيتقرر فيه مدى الحاجة إلى وجود تلك القوات ويعاد التفاوض بشأنها إذا لزم الأمر.
وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1954، تم التوقيع على معاهدة جديدة بهذا الشأن من قبل جمال عبد الناصر رئيس وزراء النظام الجديد في مصر، الذي أطاح قبل عامين فقط من ذلك التاريخ بالملك فاروق، وأنتوني نوتينغ، وزير الدولة البريطاني للشؤون الخارجية، وكان من المقرر أن تستمر هذه الاتفاقية لمدة 7 سنوات.
وبمقتضى تلك المعاهدة كان من المقرر سحب القوات البريطانية من مصر بحلول يونيو/حزيران من عام 1956، وأن تتم إدارة القواعد البريطانية بشكل مشترك من قبل فنيين مدنيين بريطانيين ومصريين.
ووافقت مصر على احترام حرية الملاحة عبر القناة، وتم الاتفاق على السماح للقوات البريطانية بالعودة إذا تعرضت قناة السويس للتهديد من قبل قوة خارجية.
وفي تلك الفترة كانت مصر تسعى لبناء السد العالي الجديد في أسوان، وقد تعهدت الولايات المتحدة وبريطانيا في يناير/كانون الثاني من عام 1956 بالمساعدة في تمويل بنائه.
لكن الموقف الأمريكي تغير، إذ باتت الولايات المتحدة مقتنعة بأن مشروع السد لن ينجح، وأرادت تقليص الإنفاق على المساعدات الخارجية.
كما كانت واشنطن قلقة بشأن شراء عبد الناصر للأسلحة السوفيتية.
و أبلغ وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس السفير المصري في واشنطن في 19 يوليو/ تموز أن حكومته قررت عدم تمويل بناء السد.
واتخذ سلوين لويد وزير الخارجية البريطاني حينها نفس الموقف الأمريكي.
وبعد ذلك رفض البنك الدولي تقديم ما تعهد به لمصر وهو مبلغ 200 مليون دولار.
وتقول دائرة المعارف البريطانية إن عبد الناصر رد على القرار الأمريكي والبريطاني بإعلان الأحكام العرفية في منطقة القناة وتأميم شركة قناة السويس في 26 يوليو/تموز من عام 1956، متنبئا بأن الرسوم المحصلة من السفن التي تعبر القناة ستدفع تكاليف بناء السد في غضون 5 سنوات.
وقد خشيت بريطانيا وفرنسا من أن يغلق عبد الناصر القناة، ويقطع شحنات النفط المتدفقة من الخليج العربي إلى أوروبا الغربية.
الخطة البريطانية
هكذا كانت الأمور تتصاعد صوب نقطة الغليان، ومن هذا المنطلق فكر البريطانيون في قطع شريان الحياة عن مصر للضغط على عبد الناصر لحمله على التخلي عن السيطرة على قناة السويس.
وذكرت وثائق بريطانية حكومية تعود لفترة الخمسينيات من القرن الماضي أن بريطانيا خططت سرا لقطع تدفق مياه نهر النيل خلال المواجهة مع عبد الناصر أثناء أزمة السويس.
فقد طُلب من المخططين العسكريين البريطانيين أن يتوصلوا إلى خطة حول كيفية خفض تدفق النهر بشكل كبير، الأمر الذي من شأنه أن يشيع الاضطرابات في صفوف المزارعين المصريين.
واعتقد المخططون العسكريون البريطانيون آنذاك أن بوسعهم استخدام أحد السدود في أوغندا لخفض منسوب مياه نهر النيل لجعله يتدفق بشكل شحيح، مما يضر بشكل كبير بالزراعة والاقتصاد في مصر.
ونصح الخبراء بأن تعظيم التأثير يمكن أن يكون من خلال تقليل تدفق المياه من سد شلال أوين في أوغندا، إذ سيؤدي ذلك إلى خفض ارتفاع بحيرة فيكتوريا، وهي أحد المصادر الرئيسية للنيل الأبيض حيث أن ثلاثة أرباع تدفق النهر يأتي من بحيرة فيكتوريا، عبر سد شلالات أوين الذي يزود أوغندا وكينيا بالكهرباء.
وأشاروا إلى أن هذا السد يمكن أن يحجز 80 في المئة من المياه التي تتدفق إلى الشمال، وبالتالي فإن بحيرة فيكتوريا سترتفع بمقدار 24 سنتيمترا فقط، وفي غضون 16 شهرا سيكون التأثير محسوسا في مصر مع "آثار خطيرة".
ووصفت تلك الوثائق كيف اعتمدت مصر بشدة على النيل الأبيض بين فبراير/ شباط، ويوليو/ تموز عندما ركز المزارعون على زراعة محاصيلهم من الأرز والقطن، مشيرة إلى أنه رغم أن هذه المحاصيل قد تتضرر بشدة من هذا الإجراء، إلا إنه من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى تدمير الاقتصاد أو التسبب في مجاعة خطيرة.
كما أشارت الوثائق إلى أن الخبراء اقترحوا بأن التهديد بقطع النيل عن مصر قد يؤتي ثماره، إذ نسبت إليهم القول إن التهديد بالتدخل في النهر، الذي يزيد طوله عن 4 آلاف ميل، سيكون له "تأثير نفسي كبير على المصريين الذين تبنوا دائما موقفا أنانيا تماما بشأن استخدام مياه النيل، متجاهلين حقوق شعوب النهر الأخرى في النهر".
وأوضح جون هانت، المسؤول بمجلس الوزراء البريطاني أنه "قد يؤدي التهديد باتخاذ هذا الإجراء إلى نشر كلمة بين المصريين بأنه ما لم يتراجع عبد الناصر ستقطع بريطانيا النيل".
غير أن الوثائق حذرت من أن "مصر كانت تشعر بالقلق دائماً إزاء سيطرة بريطانيا على منابع النهر، وذلك لأن النهر حيوي بالنسبة لها، وبالتالي فإن أي اقتراح بالسيطرة على النيل دون موافقة مصر من المؤكد أنه سوف يتسبب في عواقب وخيمة".
وتم تقديم الخطة السرية إلى السير أنتوني إيدن رئيس الوزراء البريطاني آنذاك قبل 6 أسابيع فقط من غزو فرنسا وبريطانيا للقناة في نوفمبر/تشرين الثاني 1956 في أعقاب تأميم عبد الناصر لها.
وفي 24 سبتمبر/ أيلول، أرسل سكرتير مجلس الوزراء نورمان بروك وثيقة من 5 صفحات توضح بالتفصيل "الحقائق البارزة" من وزارة الدفاع إلى رئيس الوزراء، بناء على طلبه.
ولكن مستشاري رئيس الوزراء حذروا من أن قطع المياه عن النيل سيؤدي حتما إلى حرب وزيادة "كراهية الأجانب في العالم العربي".
كما أن مثل هذه الخطوة كان من الممكن أن يكون لها تداعيات كبيرة على صورة بريطانيا في العالم وتأثير مدمر على أوغندا وكينيا وتنزانيا.
وفي النهاية تم التخلي عن الخطة باعتبارها غير قابلة للتطبيق، وقد تتسبب في عواقب وخيمة.
الهجوم الثلاثي
عندما فشلت الجهود الدبلوماسية لتسوية الأزمة، أعدت بريطانيا، وفرنسا التي أرادت الانتقام من موقف مصر الداعم للثورة الجزائرية، لعمل عسكري سرّا لاستعادة السيطرة على القناة.
وهكذا بات إيدن، الذي أشار إلى سياسة استرضاء بريطانيا لأدولف هتلر في الثلاثينيات، يدرس القيام بعمل عسكري قد يؤدي إلى سقوط عبد الناصر واستعادة نفوذ بريطانيا في المنطقة.
في ذلك الوقت، كان المشرعون البريطانيون يزعمون أن هذا الإجراء قانوني.
وكشفت الوثائق أن المدعي العام السير ريغينالد مانينغهام بولر كتب رسالة قوية تتحدى هذا الإجراء.
فقد كتب لإيدن قائلا: "لا أستطيع أن أتوصل إلى أي حجة يمكن أن تزعم أنها تبرر في القانون الدولي مطالبتنا لمصر بسحب قواتها من جزء من أراضيها التي تدافع عنها، أو التهديد باحتلال أراضيها بواسطة القوات المسلحة إذا لم تستجب لهذا الطلب".
وأبلغ وزير مجلس الوزراء آنذاك السير نورمان بروكس رئيس الوزراء أنه لا ينبغي له أن يثير قضية شرعية الحرب في خطاباته.
ووجدت بريطانيا وفرنسا حليفا جاهزا متمثلا في إسرائيل، التي تفاقم عداؤها لمصر بسبب إغلاق ناصر لمضيق تيران (عند مصب خليج العقبة) والغارات العديدة التي شنتها قوات الكوماندوز المدعومة من مصر على إسرائيل خلال الفترة ما بين 1955-1956.
وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 1956، التقى إيدن ونظيريه الفرنسي غي موليه والإسرائيلي ديفيد بن غوريون في سيفرس بالقرب من باريس، وأبرموا اتفاقية سرية مفادها أن إسرائيل يجب أن تهاجم مصر مما يوفر ذريعة لغزو أنجلو-فرنسي لقناة السويس.
Getty Imagesتجمهر مصري حول دبابة بريطانية في بورسعيد خلال أزمة السويس عام 1956
وأمر بن غوريون الجنرال موشيه ديان، رئيس أركانه، بالتخطيط لشن هجوم على مصر.
وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول من عام 1956، قاد الهجوم الإسرائيلي إنزال جوي للسيطرة على ممر ميتلا، وتبع ذلك قتال عنيف.
وفي اليوم التالي، أصدرت بريطانيا وفرنسا إنذارا للطرفين لوقف القتال على الفور.
وواصل الإسرائيليون عملياتهم، متوقعين هجوما مصريا مضادا، وبدلا من ذلك، كان جيش عبد الناصر ينسحب.
وخلال الفترة من 29 أكتوبر/ تشرين الأول، و5 نوفمبر/ تشرين الثاني تمكنت القوات الإسرائيلية من احتلال شبه جزيرة سيناء باستثناء شريط ضيق على امتداد قناة السويس.
وفي 5 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1956، بعد حوالي ثلاثة أشهر و 10 أيام من تأميم عبد الناصر للقناة، بدأ الهجوم الأنجلو-فرنسي على السويس، وقد سبقه قصف جوي أدى إلى تحطيم وتدمير القوات الجوية المصرية.
وفي 5 و6 نوفمبر/تشرين الثاني قامت القوات البريطانية والفرنسية بعمليتي إنزال في بورسعيد وبور فؤاد، وبدأت في احتلال منطقة القناة.
وقد واجه هذا التحرك العسكري معارضة من قبل الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة على حد سواء.
وتقول الوثائق البريطانية إنه رغم اعتراض الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور على الاستيلاء على القناة، فإن جهاز الاستخبارات البريطانية كان يعمل سراً مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على خطة لإسقاط عبد الناصر، الذي اعتبره إيدن بمثابة هتلر الشرق الأوسط.
وأضافت الوثائق أنه في 8 أكتوبر/ تشرين الأول، أي قبل شهر من الغزو، أبلغ وزير مجلس الوزراء السير نورمان بروك إيدن عن محادثات سرية أجراها رئيس لجنة الاستخبارات باتريك دين في واشنطن مع وكالة الاستخبارات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكية، وقال بروك: "انضم الأمريكيون إلينا في الاتفاق على أن أهدافنا المشتركة، وكانت تتطلب إزاحة عبد الناصر عن السلطة في مصر".
ولكن بينما كانت الطائرات الحربية البريطانية والفرنسية تقلع لشن الهجوم، أبلغ دين أن وزير الخارجية الأمريكي جون فوستر دالاس، أراد حذف فقرات رئيسية من الوثيقة الأنجلو-أمريكية المشتركة بشأن المحادثات، وتنص بشكل مباشر على أن الهدف هو التخلص من عبد الناصر، بحسب الوثائق.
وفي منتصف ليل 6 نوفمبر/تشرين الثاني، تمت الدعوة لوقف إطلاق النار بناء على إصرار الأمين العام للأمم المتحدة داغ همرشولد.
وفي اليوم نفسه، اضطر إيدن إلى التراجع عن موقفه، وتحت ضغط من الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار.
وكانت القوات الأنجلو-فرنسية قد وصلت إلى جنوب بورسعيد، لكنها لم تكن تسيطر بعد على القناة بأكملها عندما تم إيقافها.
لقد كانت العملية من الناحية العسكرية في طريقها إلى تحقيق نجاح كبير، ولكن تم إيقافها بسبب الضغط الدولي.
وفي 22 ديسمبر/كانون الأول قامت الأمم المتحدة بإجلاء القوات البريطانية والفرنسية، وانسحبت القوات الإسرائيلية في مارس/آذار من عام 1957.
وقد أضرت أزمة السويس بسمعة السير أنتوني إيدن، وأدت إلى استقالته في يناير/ كانون الثاني من عام 1957.
* قصة الهجوم الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر
* جمال عبد الناصر: إرث مختلف عليه وجدل لا ينتهي
* "سقط" من التاريخ 30 عاما، حكاية أول رئيس للجمهورية المصرية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.