تمر الولاية الثانية لحكم ايمانويل ماكرون للجمهورية الفرنسية كالجمر على الفرنسيين. وبعدما اعتقد الجميع أن قصر الاليزيه تمكن من خفض شدة قوة الزلزال السياسي الذي نشأ بعد تصدر اليمين المتطرف الانتخابات الأوروبية وإعلان ماكرون عن إجراء إنتخابات مبكرة، التي تكللت بتشكيل حكومة جديدة، يواجه الرئيس الفرنسي أزمة سياسية تهدد مستقبله على منصة الحكم ومستقبل بلاده ككل.
وتعيش فرنسا سياق سياسي متأزم بعد تفعيل البرلمان مقترح "سحب الثقة" من الحكومة، وهو ما وضع أمام ماكرون حجرة ثقيلة على مكتبه، خاصة وأن التحالف الداعم للرئيس الحاكم، وتحالف اليسار، وتحالف أقصى اليمين بزعامة مارين لوبين، لا يملكون الأغلبية الساحقة داخل الجمعية الوطنية، وبالتالي سيكون من الصعب تشكيل حكومة جديدة.
ويطرح المشهد السياسي المعقد بفرنسا سيناريوهات عديدة، بعد وجود ضبابية في الخطوات التي سيتخذها ماكرون ل"حلحلة" الأزمة، حيث تشير القراءات السياسية إلى إمكانية لجوء هذا الأخير إلى حكومة تكنوقراط وهو الخيار الأفضل وفق تفسيرات المراقبين، أو "تقسيم اليسار بتعيين شخصية اشتراكية معتدلة أو اشتراكية سابقة، مع إمكانية البدء من جديد برئيس وزراء يكون من ذوي البشرة السوداء من حزب الوسط أو يمين الوسط".
وحسب تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بكلية الحقوق- جامعة محمد الخامس أكدال – الرباط، فإن "إيمانويل ماكرون لن يكون ضحية هذه الأزمة السياسية التي تشهدها فرنسا بعد سحب البرلمان ثقته من الحكومة، في ظل وجود صعوبات كبيرة في تشكيل حكومة جديدة نظرا لغياب أغلبية داخل التحالفات السياسية الفرنسية".
وأضاف الحسيني، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه "لا يمكن تشكيل حكومة إلا في حالة تنظيم انتخابات جديدة، وأن ماكرون يصر على إكمال فترة حكمه للجمهورية الفرنسية"، مضيفا أن "عدم توفر أي فريق على أغلبية تمكنه من الإنقضاض على السلطة داخل فرنسا يعد مأزقا كبيرا يواجه ماكرون، وحتى المفاوضات ستكون صعبة في حالة إذا اتفق الأطراف على انطلاقتها".
وتابع المتحدث عينه أنه "حتى مجموعة فرنسا الأبية التي قامت بتجميع أحزاب اليسار لتشكيل تحالف سياسي غير قادرة على تشكيل حكومة بمفردها، ولا يمكن لتحالف الوسط أن ينخرط مع اليمين المتطرف، لكن الإمكانية التي سيعتمد عليها ماكرون هي الاتفاق مع تحالف اليسار للوصول إلى توافق".
وأردف المحلل السياسي أنه "منذ بداية الجمهورية الفرنسية الخامسة لم يسبق لرئيس حكومة أن قضى 3 أشهر على رأس الحكومة، وهذه تعد سابقة سياسية"، مؤكدا على أن "هذه الأزمة السياسية ستؤثر بلا شك على العديد من الجوانب ومن بينها إعداد الميزانية لسنة 2025، في ظل المشاكل الاقتصادية التي تعيشها البلاد".
وأوضح الحسيني أن "هذه الظرفية الحالية لم تؤثر على العلاقات الثنائية بين الرباط وباريس، لأن جميع الأحزاب السياسية والتحالفات تدعم هذه الدينامية الدبلوماسية القوية التي يعرفها البلدين، علما أن العلاقات بين فرنسا والمغرب مبنية على رابح رابح".