يوم بيوم حالة عبد اللطيف وهبي نور الدين مفتاح نشر في 14 نوفمبر 2024 الساعة 1 و 51 دقيقة القضية تبدو سوريالية لأن الوزير محام أصلا، والوزارة زائلة والبدلة السوداء دائمة متى شاء صاحبها، وها هي أسرته تنتفض ضده ليس من أجل مصلحة فئوية – وهذا رأيي على أية حال – ولكن من أجل مضامين في المسطرة تكاد تكون غير دستورية. وهذا ليس جديداً على حكومة السيد عزيز أخنوش الذي فجر احتجاجات طويلة من أجل مراسيم أو قوانين أقل ما يقال عنها أنها تمت بدون مقاربة تشاركية، ولا تواضع سياسي ولا حصافة قانونية. ونذكر هنا بالقانون الأساسي لرجال التعليم ولطلبة الطب وقانون اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة غير الدستوري، واللائحة طويلة. نور الدين مفتاح [email protected]
أعرف السيد عبد اللطيف وهبي منذ 30 سنة تقريبا، كان محاميا بمكتب المناضل الصنديد أحمد بنجلون، وكان يكتب معنا عمودا حول العدالة بأسبوعية «الصحيفة» التي كنت أرأس تحريرها أواسط التسعينيات. ومنذ ذلك الوقت كنت أحس أن الرجل له طموح جامح، ويحب الفضاء العام، وهو شيء مشروع. وقد اختلفت معه أكثر من مرة حول علاقة ما يكتبه بوظيفته والملفات التي كان يترافع فيها، أو القضاة الذين يتناولهم، وهو اختلاف لم يفسد للود قضية.
ودارت الأيام، وتبدلت الأحوال في مملكة انقلبت فيها البوصلة من السنوات الزاهية لليسار إلى الصعود المدوي للإسلاميين، فانهيار الجميع والعودة إلى الأحزاب الجديدة – القديمة، حيث أصبح السيد وهبي قياديا سياسيا ثم أمينا عاما لحزب الأصالة والمعاصرة فوزيرا للعدل. وكل هذا لا يمكن إلا أن يسجل كقصة نجاح في مسار مهني وسياسي لرجل إن كان قد غير انتماءاته فإن الأمر ليس جريمة يعاقب عليها القانون الجنائي. إنها حرية في الاختيار، وأما السرائر فلا يحاسب عليها إلا الله سبحانه.
والسبب الذي يجعلنا نفرد هذه الافتتاحية لرجل واحد هو أن السيد عبد اللطيف وهبي اختار أن يكون في الواجهة، وإذا كان لكل فرد شخصية، فإن الزمن بين أن للسيد وزير العدل شخصية حادة وتواجهية وأحيانا صدامية فيما يعتقد فيه أنه على صواب. بل إنه وسط حكومة يغلب على بروفايلاتها الجانب التكنوقراطي، يحس أنه صاحب القميص رقم 10 من الناحية السياسية في الجهاز التنفيذي. ولكن هذا شيء والملفات التي اشتغل عليها وهبي شيء آخر، وقد بدأ مشواره في الوزارة بسحب جميع مشاريع القوانين التي كان سلفه مصطفى الرميد قد تركها في البرلمان، وقال إنه لم يتراجع على جرأة بعض مضامينها، ومن ضمن ذلك تجريم الإثراء غير المشروع، وإنما أخرجها من لجنة العدل والتشريع ليجوّدها ويعيدها خالية من البصمات الإسلاموية حسب ما يمكن أن نفهمه بالتلميح لا بالتصريح.
وعلى الرغم من أن عبد اللطيف وهبي لبس جبة معاداة الجناح الاستئصالي في حزب الأصالة والمعاصرة عندما كان أمينه العام هو وريث إلياس العماري حكيم بنشماس، وخاض حربا ضروساً ضد إخوانه إلى أن أطاح بهم. وخلال معركته كان من المترددين الدائمين على فيلا حي الليمون بالرباط، حيث يعتكف رئيس الحكومة الأسبق السيد عبد الإله ابن كيران. رغم كل هذا، فقد تغير عبد اللطيف وهبي مرّة أخرى، وأصبح يحمل هذه المرة سيف الحداثة البتار في مواجهة الإسلاميين الذين تحولوا بالنسبة له عمليا إلى «ظلاميين»!
وكأنه يريد أن يتخلص من هذا القرب من أصدقائه القدامى، لم يترك وهبي فرصة تمر إلا وخرج خرجات صاخبة، من مثل التصريح وإعادة التأكيد على عدم قانونية طلب عقد الزواج في الفنادق لرجل وامرأة يريدان إيجار غرفة، أو في ما يتعلق بالعديد من بنود المدونة المثيرة للجدل والتي لم تمنعه عضوية لجنتها من مواصلة السجال في موضوع بالغ الحساسية مجتمعياً، لدرجة أن أمير المؤمنين أحال التقرير النهائي للجنة تعديل هذه المدونة على المجلس العلمي الأعلى.
لقد أحال السيد عبد اللطيف وهبي، الذي فقد منصب الأمانة العامة لحزبه في الطريق، مشروع قانون المسطرة المدنية على مجلس النواب، وكانت النتيجة بعد شد وجذب وسجال ومواجهات أن تمت المصادقة على هذا المشروع الذي يتضمن مواد خطيرة حسب معنيين رئيسيين به هم المحامون. وإذا كان من شيء قد نجح فيه المحامي عبد اللطيف وهبي فهو أنه استطاع أن يجمع محاميي المملكة على كلمة سواء، لتقرر جمعية هيئاتهم لأول مرّة في تاريخ المغرب المستقل خوض إضراب مفتوح عن حضور الجلسات، هو سار لحد كتابة هذه السطور.
القضية تبدو سوريالية لأن الوزير محام أصلا، والوزارة زائلة والبدلة السوداء دائمة متى شاء صاحبها، وها هي أسرته تنتفض ضده ليس من أجل مصلحة فئوية – وهذا رأيي على أية حال – ولكن من أجل مضامين في المسطرة تكاد تكون غير دستورية. وهذا ليس جديداً على حكومة السيد عزيز أخنوش الذي فجر احتجاجات طويلة من أجل مراسيم أو قوانين أقل ما يقال عنها أنها تمت بدون مقاربة تشاركية، ولا تواضع سياسي ولا حصافة قانونية. ونذكر هنا بالقانون الأساسي لرجال التعليم ولطلبة الطب وقانون اللجنة المؤقتة لتسيير شؤون الصحافة غير الدستوري، واللائحة طويلة.
إن أغرب ما تضمنه مشروع قانون هذه المسطرة المدنية المصادق عليها من طرف مجلس النواب في انتظار مجلس المستشارين هو الحكم على المغاربة الذين يفكرون في التوجه إلى القضاء بأنهم منذ البداية سيئو النية، فهي تنص على فرض غرامات على المتقاضين الذين لا يصدر الحكم في صالحهم! (يخسر القضية ويخلص من الفوق!).
أكثر من هذا، تحرم المادة 30 من مشروع هذه المسطرة المواطن الذي صدر الحكم في قضيته من الاستئناف إذا لم تتجاوز قيمة الطلبات بشأنها 40 ألف درهم! بأي حق؟ بأي منطق؟ ولماذا 40 وليس 10 أو 100 ألف درهم؟ وهل 40 ألف درهم بالنسبة لرب شركة هي 40 ألف درهم بالنسبة لمواطن يتقاضى السميك؟ وهل 40 ألف درهم في الدارالبيضاء لها نفس القيمة في القرى الجبلية النائية؟ وهل نشرع ونشرعن لقضاء التمييز بين الفقراء والأغنياء؟
نفس هذه الأسئلة تطرح على الحق في اللجوء إلى محكمة النقض بحيث يجب أن تتجاوز قيمة الطلبات في القضية 100 ألف درهم! غريب!. والذي مس هيئة المحاماة بشكل مباشر هو أن مشروع المسطرة المدنية نص على استحداث مكاتب وسطاء يمكنهم أن يتدخلوا لحل النزاعات قبل لجوء المتقاضين إلى المحاكم، بل وصل الأمر إلى إلغاء دور المحامي في بعض مراحل التقاضي.
يقول وهبي إنه تحاور مع المعنيين بهذه المسطرة، ولكن كل الأساتذة الذين أعرفهم ويعرفهم وهبي، وقد كانوا قبله وقبلي يكتبون تاريخ هذه المهنة، أراهم اليوم مصدومين ومشدوهين من زميل لهم دوره أن يكتب قاعدة قانونية تعكس تطور واقع مجتمعي لا أن يأتي بحلول ترقيعية لمشاكل تراكم الملفات في المحاكم عبر ربوع المملكة.
الحل لهذه الملايين من الملفات المتراكمة لا يجب أن يكون على حساب المواطن ودولة القانون التي تحتكم لدستور من مستوى سقف دستور 2011 أو على حساب مهنة المحاماة التي تعاني أصلا بدون هذه المسطرة، فإذا بالسيد وهبي يضع الملح على الجرح.
يبدو أن المواقع تغير المواقف وربما المبادئ، ولكن الوزارة ليست دائمة، فالدوام لله، وغدا لن يبقى من الكرسي والمعالي إلا ذكرى طبيعتها بيد صاحبها. وأنا لا أحاكم نوايا السيد عبد اللطيف وهبي ولا اختياراته السياسية، ولكن يبدو لي أن الواجب يقتضي أن أقول رأياً ليس لي فيه مصلحة اتجاه رجل ليست لي معه خصومة بل بالعكس، ورب كلمة صادقة قد تساهم في الإصلاح.
وإذا كان من شيء أضيفه فهو أيضا لجوء السيد وهبي كوزير للعدل إلى القضاء في قضايا تعبير، وهذا حقه، واللجوء إلى القضاء مسألة حضارية إلا أن موقع الوزارة يتطلب «قشابة» واسعة جدا، وأسلوبا للرد على الإساءة المفترضة يمكن أن يتم ببيانات حقيقة أو باللجوء إلى محكمة الرأي العام. فلا يمكن أن ترجع كرامة رجل عمومي ومسؤول مست بكلمة عن طريق سجن أو تغريم المذنب المفترض، وقد عرفنا وزراء في تاريخ المغرب القريب الذي عشته شخصيا على الأقل نالوا من النقد والتقريع ما لم أشهده اليوم، ورغم ذلك ترفعوا.
أتمنى أن يترفع السيد عبد اللطيف وهبي، وله أجران. وتضامني الكامل مع جميع المتقاضين، وتحية زكية لكل المحامين.