أكد الملك محمد السادس أن حرصه على أن يحيط مؤتمر مراكش الدولي للعدالة برعايته، تعبير عن "المكانة المتميزة التي تحظى بها السلطة القضائية لديه، والعطف الموصول الذي نسبغه على مؤسساتها وأعضائها". وأشاد الملك في رسالته التي تلاها نيابة عنه المستشار عبد اللطيف المنوني، باختيار موضوع "استقلال السلطة القضائية بين ضمان حقوق المتقاضين واحترام قواعد العدالة"، ليكون محورا للمؤتمر، لما يكتسيه من أهمية بالغة، ومن راهنية على صعيد مختلف الأنظمة القضائية، التي تسعى إلى تعميق دورها في صون الحقوق والحريات، وفي ترسيخ الأمن القضائي اللازم للدفع بعجلة التنمية، وحماية المجتمع.
وأضاف الملك في الرسالة التي وجهها اليوم الإثنين إلى (الوزراء، ورؤساء المجالس العليا للقضاء، ورؤساء النيابات العامة)، المشاركين في المؤتمر الدولي المنظم بمراكش:" نتطلع أن يشكل هذا المؤتمر، فرصة سانحة للمشاركين، على اختلاف أنظمتهم القضائية، لتشخيص ما يعترضهم من تحديات مشتركة، وتقديم ما يرونه من إجابات شافية، وحلول مبتكرة لمواجهتها، على ضوء المبادئ الكونية التي يتقاسمونها".
وفيما أكد على أن المؤتمر، يأتي في سياق تفعيل الورش الكبير والتاريخي لإصلاح منظومة العدالة بالمغرب، أبرز الملك أن المغرب التي يسعى باستمرار إلى الانخراط في التوجهات الحديثة للعدالة، ويعمل بإصرار على تطوير منظومته القضائية لتستجيب لانشغالات المواطنين، وحاجيات المتقاضين، وتطلعات المجتمع، ومستلزمات العصر.
وزاد الملك في رسالته قائلا:"إيمانا منها بالأهمية المحورية لاستقلال السلطة القضائية، ودورها في بناء دولة الحق والقانون، فقد بادرت إلى وضع مقومات هذا الصرح، واتخاذ ما يقتضيه من تدابير مؤسسية وتشريعية وعملية"، وأضاف:" في هذا الصدد، حرصنا على التنصيص صراحة في الدستور على استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية، كهيأة دستورية مستقلة ذات تركيبة متنوعة تضم، تحت رئاستنا، شخصيات قضائية وحقوقية، وقضاة منتخبين، وتسهر على تطبيق الضمانات المخولة للقضاة، وتدبير مسارهم المهني، كما منع الدستور أي تدخل في القضايا المعروضة على القضاء، وأوكل للقانون معاقبة أي محاولة للتأثير على القاضي، واعتبر إخلال القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما وموجبا للمتابعة الجنائية عند الاقتضاء".
ولم يقف النص الدستوري عند هذا الجانب، حسب الرسالة الملكية التي شددت على أن الدستور، أقر أحكاما تكرس حقوق المتقاضين، وقواعد سير العدالة، مرسخا وظيفة القاضي في حماية حقوق الأشخاص، والجماعات، وحرياتهم، وأمنهم القضائي، وعلى ضمان الحق في التقاضي، وعلى صيانة قرينة البراءة، والحق في المحاكمة العادلة داخل أجل معقول.
من جهة أخرى، أكد الملك في رسالته أنه بغض النظر عما حققه المغرب من إنجازات، في بناء الإطار المؤسساتي لمنظومة العدالة، فإنه يبقى منشغلا، مثل كل المجتمعات التي تولي أهمية قصوى للموضوع، بالرهانات والتحديات التي تواجه القضاء عبر العالم، وأضاف أن في مقدمة هذه التحديات، يأتي "ضمان تفعيل استقلال السلطة القضائية في الممارسة والتطبيق، باعتبار أن مبدأ الاستقلال لم يشرع لفائدة القضاة، وإنما لصالح المتقاضين، وأنه إذ يرتب حقا للمتقاضين، فكونه يلقي واجبا على عاتق القاضي، فهو حق للمتقاضين في أن يحكم القاضي بكل استقلال وتجرد وحياد، وأن يجعل من القانون وحده مرجعا لقراراته، ومما يمليه عليه ضميره سندا لاقتناعاته.وهو واجب على القاضي، الذي عليه أن يتقيد بالاستقلال والنزاهة، والبعد عن أي تأثر أو إغواء يعرضه للمساءلة التأديبية أو الجنائية".