مصطفى البختي باحث في قضية الصحراء المغربية والمحيط الإقليمي للمغرب يشكل يوم 6 نونبر من كل سنة ذكرى مجيدة في تاريخ المغرب، وهي المسيرة الخضراء التي تعتبر " إبداع سياسي في تحرير الصحراء المغربية" ومعلمة بارزة في تاريخ المغرب، جسّدها حدث شعبي برهن من خلاله الشعب المغربي عن تشبثه بمغربية الصحراء. ذلك المثال النادر لوسيلة سلمية، حققت وبدون قتال النتائج التي قد تسعى إليها حملة عسكرية مخطط لها؛ ومتفقة تماما مع ميثاق الأممالمتحدة، الذي يؤكد على فض النزاعات الدولية بالوسائل السلمية. ومن هنا تلافى المغرب مواجهة عسكرية مع إسبانيا، في خطوة رائدة في درب التحرر، وفق سلوك سلمي متحضر؛ التي دحرت مناورات إسبانيا فرانسيسكو فرانكو بتواطؤ النظام العسكري الجزائري الذي كان يطمح إلى الوصول بحدوده الغربية إلى المحيط الأطلسي، بخلق كيان مصطنع وهمي، في المنطقة، وذلك بفصل الصحراء عن المغرب الذي فرض ضغطاً على إسبانيا في المحافل الدولية وعلى صعيد القوى الدولية المؤثرة، إلى جانب دور القوى الوطنية والإعلامية، وكذا الضغوط الدولية المتجلية في القضاء على معاقل الاستعمار.
حيث أن إسبانيا لم تكن ترغب في تصفية حقيقية للاستعمار؛ وهذا ما خلّف نزاعاً في المنطقة الصحراوية للمغرب، التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من الحقيقة التاريخية والوطنية المغربية، وذات تفاعل دائم مع باقي مُكونات المجتمع المغربي، كما أنها لم تعرف تاريخياً أية سلطة سياسية ودينية غير السلطة المغربية، إلى غاية الاستعمار الاسباني لها الذي استعمل الافتراء على التاريخ والخدع على الواقع لتثبيت تواجده بها.
اكتست قضية الصحراء المغربية حينئذ مَظهَراً أخر وبعداً أخر تجلى فيما يلي: – تطويق المغرب وعزله، من الشمال (إسبانيا) والشرق (الجزائر) والجنوب (كيان وهمي بميليشيات كأداة تحت السيطرة الجزائرية والإسبانية) والمحيط الأطلسي من الغرب. – ضمان إسبانيا استمرار احتلال سبتة ومليلية والجزر، وضمان تأييد (أو على الأقل سكوت) النظام العسكري الجزائري – ضمان الجزائر استمرار استتباع تندوف ومنطقتها، والحصول على منفذ إلى المحيط الأطلسي لتسويق معادن هذه المنطقة (خاصة حديد غارة الجبيلات)
وبعد أن أفشلت المسيرة الخضراء لما تمثّله الصحراء من هوية مغربية دينيا وثقافيا وإنسانيا وتقاليديا وتاريخيا، كينونة المغرب. مخططات النظام العسكري الجزائري من جهة، وإسبانيا فرانكو -خصوصا- بمخططها الإستعماري في تنظيم استفتاء ميكيافيلي في غشت 1974؛ودفعت بإنسحاب إسبانيا المستعمرة، من أراضي المغرب الجنوبية، أكدت على إثره إخلاء مسؤوليتها الإدارية، معتبرة أن "السياسة الإسبانية إيجابية جداً"، ولم يسبق لها أيضاً أن قدمت أية مطالب في الصحراء. كما عبّر خوان كارلوس Juan Carlos،في 3 نونبر 1975، الذي أوكلت له بالنيابة مهمة تسيير الحكم بإسبانيا، على أن "الصحراء مغربية، وإذا وجد بلد تسلّم له فهو المغرب وليس بلد آخر".
وتم التسليم بموجب اتفاقية مدريد الثلاثية في 14 نونبر 1975، [(والتي وقعها كارلوس أرياس نافارو عن الجانب الإسباني، وأحمد عصمان عن المغرب، وحمدي ولد مكناس عن موريتانيا)، للمغرب وموريتانيا وفي إطار من الشرعية الشعبية تمثلت في حضور أغلبية الجماعة التي هي بمثابة برلمان سكان المنطقة، بعد زيارة وزير الصحراء الإسباني آنذاك إلى المغرب، التي على إثرها تم إيقاف المسيرة في 9 نونبر 1975]. فاتفاقية مدريد هذه، حددت مباشرة النظام القانوني للصحراء المغربية، وكانت من هذه الناحية استمرارية لقرارات الأممالمتحدة التي كانت تدعو إسبانيا دائماً إلى إجراء مفاوضات تتعلق بتسوية مشكلة السيادة على الإقليم؛ فالأصل في نزاع الصحراء المغربية خلال هذه المرحلة هو ثنائية النزاع: مغربي-إسباني، وتسوية هذا النزاع تمر عبر قيام مفاوضات مغربية-إسبانية تنتهي بدورها إلى تسوية مشكلة السيادة.
وفي 19 نونبر 1975، وافق البرلمان الإسباني على اتفاقية مدريد وعلى المرسوم الملكي الذي أذن للحكومة الإسبانية بالتخلي عن الصحراء، والذي جاء فيه: "إن الصحراء لم تكن في يوم من الأيام تشكل جزءا من التراب الوطني للمملكة الإسبانية". وهو اعتراف واضح من اسبانيا بأن ما كانت تدعيه من قبل ما هو إلا مجرد افتراء وتضليل. كما أعلنت رسمياً موقفها النهائي بخصوص ملف الصحراء في 26 فبراير 1976، بأن: "اسبانيا تعتبر نفسها غير ذات صلة في المستقبل بأية مسؤولية ذات طابع دولي فيما يخص إدارة الإقليم".
وانتهى التواجد الاستعماري بشكل نهائي في 28 فبراير 1976، بعد جلاء آخر عسكري إسباني في 12 يناير 1976، وتم تسجيل هذا الانسحاب في الأممالمتحدة بمقتضى التوصية 3458/76.
وأثناء خروج إسبانيا من الصحراء المغربية، انتقل النظام العسكري الجزائري من التواطؤ معها كمستعمرة سابقة، إلى احتضان الأداة (ميليشيات البوليساريو)، وزرع فكرة الانفصال لديهم وتبنيهم بإشراف عسكري، لتحقيق أوهام أجنداته المرضية في محاصرة المغرب ونهج سياسة توتر شاملة في المنطقة، وتدبير أداة نزاعه الإقليمي بواسطة أجهزتها العسكرية والمخابراتية والدبلوماسية.
ومن العوامل الأساسية لنجاح المسيرة الخضراء: – عامل التعبئة الوطنية: الذي جسّد مركزية القضية الوطنية في المغرب، وتمثّل في سرعة تشكيل وتماسك الجبهة الداخلية التي شاركت فيها مختلف القوى الوطنية في تنظيم المسيرة الخضراء التي اخترقت الحدود المصطنعة في 6 نونبر 1975، وشكّلت تحدّيا صارخا للقوات الاستعمارية المدجّجة بالسّلاح. – عامل الحنكة السياسية: التي غيّرت معطيات الصراع في منطقة شمال غرب إفريقيا، فأربكت بذلك حسابات الإسبان، وارتبكت حسابات النظام العسكري الجزائري. – عامل الاستفادة من الظرفية السياسية لإسبانيا: والتي كانت فيها النخبة السياسية الإسبانية مضغوطة أولا بهذا المد التحرّري، وثانيا مضغوطة بمتطلّبات الانتقال الديمقراطي.
ونتيجة نجاح المسيرة الخضراء تغيرت معطيات النزاع، لما حققته من مكاسب على الصعيد السياسي لصالح المغرب، شكلت ضربة موجعة لميليشيات البوليساريو التي قامت الجزائر إيوائها لديها في مخيمات تندوف، واستطاعت أن تحيك المؤامرات واستغلال الوضع لتوتير المنطقة وقيامها بحرب استنزافية على التراب المغربي.
لأن الجزائر كانت معارضة لاتفاقية مدريد، وسلّمت الحكومة الجزائرية مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، معتبرة فيها -إياها- عدم اعترافها باتفاقية مدريد، معلنة أن الإطار الوحيد والمقبول لتصفية الاستعمار في الصحراء، يجب أن يكون تحت إشراف الأممالمتحدة، وعلى أساس مبدأ تقرير المصير. خالقة مزاعم وإدّعاءات مغرضة تضليلية مغلوطة، بعد تبنيها للبوليساريو، الانتقال بالقضية من نهاية الاستعمار إلى افتعال لنزاع إقليمي لمواصلة الحرب بالوكالة ضد المغرب، بعد أن حولت تندوف كقاعدة خلفية لميليشيات البوليساريو الإرهابية، التي كانت سببا في قيام مشكل الصحراء، لتعطيل حل النزاعات الحدودية بين البلدين، وباقي المشاكل البينية العالقة، ساهمت في عرقلة لبناء الإتحاد المغاربي
هذه المناورات الخبيثة للنظام العسكري الجزائري ضد الوحدة الترابية للمغرب، المبنية على عداء مرضي، لتعطيل فتح ملف مشكل الحدود بين البلدين، بالعمل جاهدا لإطالة أمد النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، وهي المناورات التي دحرتها الدبلوماسية المغربية، بتقديم مقترح الحكم الذاتي الذي يحظى بدعم دولي واسع، وكحل سياسي جدي واقعي وذو مصداقية، تحت السيادة المغربية التي لا تفاوض حولها. باعتبار الصحراء مغربية وستبقى مغربية.