أخذ موضوع "فتح قنصلية فرنسية بالأقاليم الجنوبية" حيزا مهما من النقاش الراهن حول العلاقات الثنائية بين باريس والرباط، والتي دخلت إلى مرحلة جديدة، بعد زيارة دولة التي قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة المغربية، في مستهل الأسبوع الجاري، حيث يرى بعض الفاعلين السياسيين والنشطاء الصحراويين أن "خطاب ماكرون داخل البرلمان لم يتجاوز سقف الرسالة السابقة التي وجهها هذا الأخير إلى الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش".
وبعدما كان الجميع ينتظر أمس الثلاثاء، إعلان الرئيس الفرنسي من داخل قبة البرلمان عن فتح قنصلية فرنسية بمدينة العيون كما تداولتها وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية على هامش هذه الزيارة، سجل مراقبون أن هذه الزيارة أتت بمكاسب اقتصادية وتجارية قوية، على عكس المواقف الدبلوماسية التي حافظت على نفس مستويات رسالة العرش، على اعتبار أن قرار فتح قنصلية يعد بمثابة دعم سياسي ومعنوي لملف الصحراء المغربية.
"ويعتبر افتتاح قنصليات عامة لبلدان إفريقية وأوروبية بالأقاليم الجنوبية يعكس دعما متناميا لا مثيل له لمغربية الصحراء على الصعيد الإفريقي والدولي، كما يعد التفاتة سياسية ودبلوماسية ذات دلالة رمزية، حيث تأتي لتعزيز حقيقة أن الصحراء مغربية بالقانون وبالتاريخ، وبإرادة ساكنتها وبدعم المنتظم الدولي وأصدقاء المغرب"، وفق تصريح سابق لوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة.
وأعلن وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، أمس الثلاثاء بالرباط، أن "فرنسا تعتزم تعزيز حضورها القنصلي والثقافي بالصحراء المغربية من أجل إحداث رابطة فرنسية"، علما أنه تم "تحيين خريطة المغرب ونشرها على الموقع الإلكتروني لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية".
وقال صبري الحو، الخبير في القانون الدولي، إنه "يجب أن نفرق بين المواقف والقرارات التي تتخذها الدول والتي تعبر عنها صراحة وجهرا، وتصريفها عبر القنوات الدبلوماسية المعتمدة، وهذا ما ينطبق على الموقف الفرنسي الذي أكد على دعمه لمخطط الحكم الذاتي واعترافه بمغربية الصحراء في الحاضر والمستقبل".
وأضاف الحو، في تصريح ل"الأيام 24″، أنه "عندما نتمعن في هذه التصريحات، نعرف لماذا لم يعلن إيمانويل ماكرون عن فتح قنصلية بالأقاليم الجنوبية، حيث يعتبر هذا القرار مستقلا عن موقف الاعتراف بمغربية الصحراء".
وتابع المتحدث عينه أن "سيادة المغرب على صحرائه واضح ولا شك فيه، وأن فرنسا ستساعد المغرب على وضع حل أممي لإنهاء ملف الصحراء المغربية، لذلك يجب التمييز بين موقف فرنسا وقرار فتح قنصلية بالأقاليم الجنوبية كما تم تداوله أيام قبل الزيارة".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "فرنسا تضم صوتها إلى صوت المملكة المغربية في ما يخص قضية الصحراء، وأن فتح القنصلية فهو تحصيل حاصل لم يغير شيء في الموقف الفرنسي التاريخي"، مشيرا إلى أن "القنصلية هي فقط عبارة عن قرار تحمي من خلاله دولة ما مصالحها الاقتصادية ورعاياها بمنطقة معينة".
وأردف أيضا أن "الخارجية الفرنسية هي التي ستعلن عن فتح قنصلية بالأقاليم الجنوبية وليس ماكرون، لذلك يجب تبني المواقف التي أتت بها الدول الكبرى كالولايات المتحدةالأمريكية وإسبانيا، وعلى الخارجية أن تشتغل من أجل تجسيد هذه الاعترافات على أرض الواقع".
وأوضح الخبير القانوني أن "المغرب يجب أن يوفر أرضية مناسبة بالأقاليم الجنوبية للاستثمار"، مشددا على ضرورة "جذب أنظار كل المؤسسات والهيئات الأمريكية والإسبانية والفرنسية من أجل الاستثمار بالصحراء المغربية".
وخلص الحو حديثه قائلا: "يجب الانخراط بجميع المكونات في هذا الملف لاقناع جميع الجهات الأجنبية، ولهذا دعا الملك محمد السادس كل المؤسسات والهيئات لتفعيل الدبلوماسية الموازية من أجل الدفاع عن قضية الصحراء المغربية".