مر موضوع "التعديل الحكومي" من مخاض طويل سيطرت عليه التكهنات والتكهنات المضادة، دون تحقيق تصورات المحللين السياسيين الذين أجمعوا في فترات متفرقة على "ضرورة لجوء أصحاب الاختصاص إلى إجراء تغييرات وزارية في عدة حقائب حسب ما جرى به العرف السياسي والدستوري للمملكة المغربية"، إذ عاد هذا الموضوع إلى الواجهة مع اقتراب الدخول السياسي الجديد. وعاش التعديل الحكومي الذي طال انتظاره على وقع عملية "المد والجزر السياسي"، حيث كانت التوقعات تشير إلى إمكانية حدوث هزة سياسية بعد إعادة ترتيب الأحزاب المشكلة للحكومة بيتها الداخلي، والإرساء على القيادات التي ستدير الشؤون الداخلية والخارجية للحزب، لكن تبين أن هذا لم يتحقق رغم مرور أسابيع كثيرة عن المؤتمرات الحزبية.
وبما أن السلطة التقديرية لإحداث "زلزال حكومي" بهدف إضفاء دماء جديدة في جسد الحكومة الحالية كما جرت التجارب السابقة في يد رئيس الدولة وفق الفصل 47 من الدستور المغربي، فإنه ليس من المستبعد إجراء تعديل حكومي مع الدخول السياسي الجديد في أكتوبر المقبل وفق مراقبين، نظراً لوجود شقوق في بعض الحقائب التي تحتاج إلى تغيير يضاهي حجم التحديات التي تواجه البلاد.
في هذا الصدد، قال محسن الندوي، محلل سياسي ورئيس مركز للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، إن "التعديل الحكومي عرف سياسي منذ عهد الملك الحسن الثاني واستمر هذا النهج في عهد الملك محمد السادس خاصة مع دستور 2011، حيث كانت الحكومات التي تلته شهدت تعديلات حكومية في نصف مدة ولايتها".
بخصوص الحكومة الحالية، يرى الندوي، في تصريح ل"الأيام 24″ أنه "كانت هناك بعض التوقعات حول إمكانية إجراء تعديل حكومي بعد إنهاء أحزاب الأغلبية مؤتمراتها الحزبية والتنظيمية الداخلية، ومن جهة أخرى عادة ما يكون التعديل الحكومي مرتبط بتجويد عمل الحكومة بعد مرور نصف ولايتها، وبالتالي تجديد النفس الحكومي لنصف الولاية المتبقية".
وتابع المتحدث عينه أن "التعديل الحكومي رغم أنه لا يغير شيئا في البرنامج الحكومي ولكن قد يخفق بعض الوزراء في تنفيذ السياسة الحكومية لضعف الكفاءة أو لعدم استطاعة تحمل المسؤولية الوزارية، لذلك بات التعديل الحكومي أمرا ضروريا في القريب العاجل لتدارك النقائص التي شابت السياسة الحكومية في بعض القطاعات الوزارية خاصة مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية الرؤى الملكية الواردة في الخطابات الملكية التي ينبغي تفعيلها و العمل بها لأهميتها".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "الظروف الاجتماعية والاقتصادية تستلزم اعتبار معايير الجدية والكفاءة والأخلاق عن أي تعديل حكومي منتظر ولا مجال للمجاملات الوزارية وجبر الخواطر لبعض السياسيين للاستوزار حتى لا يكون مصدرا لإضافة تقاعد مريح للمزيد من الوزراء الجدد وكتاب الدولة".
وأردف أيضا أنه "لذلك فالهدف من التعديل الحكومي ينبغي أن يكون العمل على إيجاد حلول سريعة للتحديات القائمة لاسيما تلك المرتبطة بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، لذلك فهناك قطاعات وزارية يمكن أن تعرف استقرار بعد اصدار أنظمة أساسية مثل الصحة والتعليم".
وزاد: "هناك قطاعات وزارية لم تكن بحجم المسؤولية المرتبطة بتفعيل الحماية الاجتماعية، وهناك قطاعات وزارية غير منسجمة أثرت بشكل سلبي على القطاعات الوزارية مثل الشباب والرياضة، إضافة إلى قطاعات وزارية يلزمها الجدية أكثر، مثال: للمالية والعدل والفلاحة والإسكان والطاقة والصناعة".
"من مظاهر هذه الجدية من حيث التصريحات الوزارية المسؤولة التي تحترم الهوية الدينية والوطنية للمواطنين ومن جهة أخرى تتجلى الجدية في عدم القيام بمجموعة من المهام والمسؤوليات الموازية للمهام الوزارية مثل رئاسة المجالس الجماعية وهو ما يتطلب تعديل المادة 32 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير اشغال الحكومة"، يضيف المتحدث.
وخلص الندوي حديثه قائلا: "المغرب بحاجة اليوم أكثر من أي يوم وقت مضى إلى العمل على تحقيق الأمن الغدائي والأمن المائي والأمن الطاقي وتوطين الصناعات".