يسود اعتقاد أن تدبير نزاع الصحراء يأخذ دائما زخما إعلاميا وسياسيا، ويقتصر على المعارك الدبلوماسية التي يخوضها المغرب ضد خصومه في المحافل الدولية والإقليمية، والتعامل الحازم مع المناورات العسكرية كما جرى في منطقة الكركرات مؤخرا، لكن المتابعين للملف عن كثب يعرفون أن الحرب الحقيقية هي التي تدور رحاها في "صمت" بعيدا عن الأضواء وخلف الأبواب المغلقة، من أجل استصدار مواقف مؤيدة هنا وهناك. هذه الحرب تسمى "حرب اللوبيات" التي لا تقل ضراوة عن الحرب الدبلوماسية والعسكرية، تسخر لأجلها جهود وإمكانيات مالية ضخمة، ويعود الانتصار فيها للطرف الذي يستطيع حماية مصالحه وتأمينها ضد كل المناورات.
"اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي".. أحد الملفات الثقيلة التي تشهد منذ أسابيع مواجهة مفتوحة بين المغرب وجبهة البوليساريو، وتدخل منعطفا حاسما مع قرب إعلان القرار النهائي لمحكمة العدل الأوروبية.
للوهلة الأولى، تبدو تحركات كل من المغرب و"البوليساريو" مكشوفة للجميع، فالمملكة تراهن على مصادقة المجلس الأوروبي على توصية للمفوضية الأوروبية (تسهر على المصالح العامة للاتحاد الأوروبي) عممتها بتاريخ 15 يناير الماضي على 28 بلدا عضوا، تهدف للحصول على ترخيص من المجلس للتفاوض مع الرباط بشأن بروتوكول جديد للصيد البحري، فيما الجبهة الانفصالية تعول على دعم "التنسيقية الأوروبية للدعم والتضامن مع الشعب الصحراوي"، وتأمل أن تأخذ المحكمة بالموقف المثير للمحامي العام الأوروبي "ملكيور واتيلير" (1 من 9 مستشارين يقدمون الرأي القانوني للمحكمة) الذي قال في بيان له، بتاريخ 17 يناير، إنه يتعين إعلان بطلان اتفاق الصيد مع المغرب، لأنه يشمل منطقة الصحراء.
لكن ما يجري في الخفاء بعيدا عن الأعين شيء آخر، فكلا الطرفين يخوضان حربا حامية الوطيس، لحشد أكبر عدد ممكن من أعضاء البرلمان الأوروبي الذين تعود إليهم كلمة الفصل أثناء طرح البروتوكول الجديد للصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي، لا تختصر كواليسها إلا كلمة "اللوبيات" التي لطالما أثرت على صناعة عدد من القرارات الحاسمة في العالم.
وكانت التحركات المغربية سنة 2013 قد أثمرت تصويت 310 من البرلمانيين الأوروبيين لفائدة البروتوكول المتعلق بالصيد البحري الذي تنتهي صلاحيته في 14 يوليوز المقبل، مقابل اعتراض 204 من الأصوات وامتناع 49 آخرين. ويهم البروتوكول نحو 120 باخرة تمثل 11 بلدا أوروبيا، وهي: إسبانيا والبرتغال وإيطاليا وفرنسا وألمانيا وليتوانيا ولاتفيا وهولندا وإيرلندا وبولونيا وبريطانيا، 80 في المائة من هذه السفن إسبانية. وتستخرج هذه السفن من المياه المغربية 83 ألف طن سنويا، وتمثل 5.6 من مئة من مجموع صيد الأسماك في كل المياه المغربية. كما تجمع المغرب اتفاقية للصيد البحري مع روسيا بقيمة 800 مليون درهم، أي ضعف قيمة الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي ثلاث مرات تقريبا.
تبرز مؤشرات عديدة أن المعركة ستنتهي لصالح المغرب بتجديد البروتوكول، أهمها أن موقف "واتلير" يبقى "رمزيا" لأن المحكمة وفق قوانينها ليست ملزمة باعتماده، وأن ادعاءاته تفندها الدراسة التقويمية المستقلة المنجزة حول الآثار الإيجابية للبروتوكول، التي كشفت عن استفادة جهتي الداخلة – وادي الذهب والعيون – الساقية الحمراء من 66 في المائة من مجموع العائد المالي السنوي للمغرب البالغ 40 مليون أورو، وأظهرت استفادة الأقاليم الجنوبية مما مجموعه 75 من المائة من الآثار الاجتماعية والاقتصادية.
إضافة إلى أن الاتحاد الأوروبي سارع بمجرد صدور رأي "واتلير" إلى إعلان تشبثه بالشراكة الأساسية والمتميزة التي تجمعه مع المغرب، حين أكدت الناطقة الرسمية باسم فيديريكا موغيريني، مسؤولة الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، أن "المغرب شريك رئيسي في جواره الجنوبي، حيث قام الطرفان معا بتطوير شراكات غنية ومتنوعة على مدى سنوات عديدة"، وتابعت قائلة: "إرادتنا لا تنحصر فقط في العلاقة المتميزة التي نتقاسمها، بل نرغب أيضا في تعزيزها".
المؤشرات الإيجابية لا تعني بأي حال من الأحوال انتظار المغرب صدور قرار محكمة العدل الأوروبية (تتخذ من لوكسمبورغ مقرا لها)، واعتماد توصية المفوضية من طرف المجلس الأوروبي، ومصادقة البرلمان الأوروبي في الأخير على البروتوكول، فكسب المعركة لصالح المغرب، برأي خبراء، يتطلب عملا قاعديا كبيرا، واستنفارا لجميع الأصدقاء واستئجارا لجماعات الضغط المعروفة، على غرار ما قام به المغرب سنة 2014 حين واجه كل الضغوطات إلى أن صادق البرلمان الأوروبي على بروتوكول الصيد البحري.
فكيف يقود المغرب و"البوليساريو" هذه الحرب؟
نقطة التحول !
منذ أن توصل المغرب مع الاتحاد الأوروبي إلى اتفاق شراكة في 1996، ثم اتفاق شراكة في قطاع الصيد في 2006، أخذت الحرب بين المغرب و"البوليساريو" داخل هياكل المنظمة الأوروبية بعدا جديدا إلى جانب البعدين الدبلوماسي والقانوني.
البعد الجديد يتمثل في حشد الدعم من طرف الأصدقاء والوصول إلى الفاعلين المؤثرين في استصدار المواقف والقرارات، عبر تعبئة جماعات الضغط (اللوبيات)، التي تتولى توجيه الرأي العام في المؤسسات والمجتمعات، وأغلب دول العالم تسعى إلى تعبئة هذه الكيانات لتحقيق اختراقات وحشد الدعم اللازم لقضاياها المهمة والمصيرية، أو لمنع صدور تقارير "قاتمة" عن وضعها الحقوقي والاقتصادي، علما أن اللوبيات معروفة على الصعيد العالمي وإن كانت تشتغل في الخفاء، وبعضها يمارس أعمالا قذرة.
وتعرف الهيئات الأمميةوالإقليمية والمنظمات الحقوقية ذات التأثير الكبير في السياسة العالمية نشاطا مكثفا للوبيات، وتبقى أروقة الاتحاد الأوروبي بمختلف هياكله من الفضاءات التي تشهد حربا مستعرة بين الدول لانتزاع موقف لصالحها، تتم الاستعانة فيها بمجموعات الضغط المنتشرة بمختلف هياكله لإحباط قرارات مناوئة وإفشال مشاريع غير ملائمة.
وأفاد مصدر دبلوماسي ل "الأيام" أن أزيد من عشرة آلاف مجموعة ضغط (لوبي) تنشط في عاصمة الاتحاد الأوروبي (بروكسيل)، وتقوم بالتواصل مع النواب الأوروبيين وتزويدهم بمعطيات حول مشاريع القرارات والاتفاقيات التي يناقشها البرلمان الأوروبي من أجل دفعهم إلى التصويت سواء لصالحها أو ضدها، ويبقى نشاطها غير قانوني لعدم التشريع لها، بخلاف الولاياتالمتحدةالأمريكية.
وأوضح المصدر أن ضُعف أطروحة "البوليساريو" والجزائر في الاتحاد الأوروبي يجعلهما يسخران مبالغ مالية ضخمة لاستئجار جماعات الضغط لعرقلة جميع الاتفاقيات والمفاوضات التي يخوضها المغرب مع بلدان الاتحاد الأوروبي، خاصة في ملف الصيد البحري والتبادل التجاري واتفاقية التبادل الحر الشامل والموسع.
طريقة تحرك الخصوم
لمعرفة طريقة عمل اللوبيات لصالح "البوليساريو" بمؤسسات الاتحاد الأوروبي، تحدثت "الأيام" إلى دبلوماسي مغربي قضى أزيد من 10 سنوات في تمثيل المغرب في إحدى الهيئات التابعة للاتحاد الأوروبي، رفض الكشف عن اسمه لحساسية المنصب الذي يحتله اليوم، إذ أوضح أن خصوم المغرب يسلكون مدخلين لاستقطاب المؤيدين في البرلمان الأوروبي والجمعية البرلمانية.
المدخل الأول يعتمد منهجية "مذهبية" تقوم على اللجوء إلى البرلمانيين الأوروبيين ذوي الخلفيات الثورية واليسارية القادمين تحديدا من أوروبا الشمالية، والذين تكون لديهم القابلية للانحياز لكل ما هو ثوري أو مقاوم للاستعمار.
أما المدخل الثاني فيعتمد منهجية "تبادل المصالح"، وينطلق من التواصل مع برلمانيين يسترزقون من الدعم الذي توجهه هيئات الاتحاد الأوروبي لمناطق النزاع ومخيمات اللاجئين في العالم، حيث يتكلف هؤلاء بإعداد تقارير "قاتمة" ضد المغرب يكون الهدف منها إطالة النزاع لأنه يدر عليهم أرباحا طائلة، وهذا ما يفسر بروز تقارير أوروبية مناوئة بين الفينة والأخرى.
ومن المعطيات المثيرة التي توصلت إليها الأيام" أن فيديريكا موغيريني، المسؤولة عن الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي حاليا، كانت تنشط كثيرا في المجتمع المدني الداعم للاجئين وزارت أكثر من مرة مخيمات تندوف، ولا يعرف إن كانت أثناء زياراتها للمخيمات قد تبنت أطروحة الانفصاليين، لكن ما هو مؤكد أنه بمجرد وصولها لمنصبها الرفيع في الاتحاد الأوروبي سارعت إلى حذف كل صورها بمخيمات تندوف وبرفقة مسؤولين بالبوليساريو من حسابها في مواقع التواصل الاجتماعي.
إذا كان الاتحاد الأوروبي يعرف نشاطا مكثفا لجماعات الضغط، فإن ذلك يتم في الخفاء بدون أن يثير الانتباه، خاصة أن هذه المنظمة الأوروبية مازالت تنظر بعين الريبة إلى نشاط هذه الجماعات غير المنظمة، وذلك عكس مراكز القرار في أمريكا، حيث تشتغل اللوبيات بكل حرية، ويمكن استئجارها في العلن بدون أي مشاكل، حتى إنها مطالبة بأن تدلي بمداخليها سنويا.
وأكد مصدر دبلوماسي ل "الأيام" أن المغرب يبذل جهودا كبيرة على مدار السنة، من أجل استمالة صناع القرار الأمريكيين، وكسب تعاطفهم مع الموقف المغربي بخصوص قضية الصحراء، أو على الأقل عدم اتخاذ أي مبادرة ضد مصالح المملكة.
وكانت دراسة أمريكية صدرت في 2014 قد أكدت أن المغرب أنفق حوالي 3.1 ملايين دولار على مجموعات ضغط أمريكية، من أجل الترويج لاقتراحه بإقرار "الحكم الذاتي الموسّع" كحلٍّ لمشكلة الصحراء، في مواجهة جبهة "البوليساريو" المدعومة جزائرياً، والتي تطالب بانفصال إقليم الصحراء عن المملكة.
وفي بلد يشرعن التعامل مع جماعات دون الحاجة لاختبائها الدائم في الظل، لا تعتبر مثل هذه المعطيات المالية من المعلومات الفائقة السرية في المجتمع الأمريكي، بل على العكس تماما، إذ يأتي الإعلان عنها وفقا للتشريع الأمريكي، الذي ينص على إلزامية حق الجمهور في الاطلاع على المعلومات، خاصة ما يتعلق منها بالسياسات العمومية. وحسب نفس الدراسة، فقد احتل المغرب المرتبة السادسة في النفقات الموجهة إلى اللوبيات من أجل التأثير على موقف أعضاء الكونغرس الأمريكي والترويج لمقترح الحكم الذاتي، متجاوزا نفقات الجزائر بثماني مرات.
ومما نشرته الدراسة أيضا، إجراء المغرب عبر الشركات اللوبية 305 اتصالات بأعضاء الكونغرس الأمريكي لحمله على دعم فكرة الحكم الذاتي، في الوقت الذي أجرت فيه الجزائر فقط 35 اتصالا، دون أن تتجاوز نفقاتها 416 ألف دولار عن طريق دعواتها لتنظيم استفتاء شعبي داعم لحق تقرير المصير الذي تدافع عنه البوليساريو.
هذه الجهود التي قام بها المغرب لم تذهب سدى، وكان من نتائج الإنفاق عليها أن حصل المغرب على توقيع 173 عضوا من الكونغرس لدعم مشروع الحكم الذاتي، وجهت إلى الرئيس الأمريكي السابق( أبريل 2015)، أثناء أزمة خيمت على سماء العلاقات المغربية الأمريكية.
كما أن دور اللوبي الأمريكي كان حاسماً عندما تقدمت وزارة الخارجية الأمريكية بمشروع يهدف إلى توسيع صلاحيات بعثة الأممالمتحدة "المينورسو" لتشمل حقوق الإنسان، قبل أن تتراجع الإدارة الأمريكية عنه.
وتبقى اللوبيات ورقة الضغط الأقوى في الدولة الأقوى في عالم اليوم، دولة تستطيع قراراتها أن ترسم تاريخا جديدا للعالم، ليس هذا ما يراه المغرب فقط، إذ رغم العلاقات المتينة التي تربط بين الولاياتالمتحدة وحلفائها، سواء في أوروبا أو في العالم العربي، يلجأ العديد منهم إلى مجموعات الضغط، لإيصال مواقفهم وأفكارهم إلى صنّاع القرار الأمريكيين، والتأثير على تصوراتهم وتوجهاتهم، فكلما كانت لأي دولة ما مصلحة اقتصادية آنية، أو مسألة سياسية ذات أبعاد دولية، لجأت إلى تلك الجماعات القوية.
وتؤكد هذه المعلومات الأرقام التي تشير إلى أن حجم الإنفاق على اللوبيات لا يشمل فقط المغرب أو دول العالم الثالث، إنما يمتد ليبلغ الدول الكبرى، مثل ألمانيا التي جاءت في المرتبة الثانية وراء الإمارات من حيث الإنفاق على اللوبيات بأمريكا بواقع 12 مليون دولار، وكندا ب11.2 مليون دولار، وكوريا الجنوبية ب 3.9 مليون دولار.
وبحسب معدل الإنفاق عليها وحجم رصيدها المالي تضعف لوبيات وتتقوى أخرى لتزيد من رصيد علاقاتها مع صناع القرار وأصحاب النفوذ ومستشاريهم، ليزداد بذلك تأثيرها على المسار السياسي، فلا وجود للوبي قوي بلا تحالفات قوية، وهذا ما يبدو جليا أن السياسة الخارجية المغربية قد وعت به، فرسمت استراتيجية بعيدة المدى تقوم على تسخير لوبيات قوية لخدمة مصالحها والتصدي لأعداء الوحدة الترابية للمملكة.
أذرع المغرب القوية
حسب معطيات توصلت إليها "الأيام"، فإن ثلاثة مراكز أمريكية، هي كل من المركز الأمريكي للسياسة، والمركز الثقافي الأمريكي المغربي، والمركز المغربي الأمريكي للتجارة والاستثمار، تعد أذرعا للمغرب للدفاع عن مصالحه في بلاد العم سام، وتمكنه من شراء خدمات مؤسسات استشارية في العلاقات العامة، مثل "موفيت كروب"، أو "كرافت ميديا ديجيتيل"، أو "دوكابيرل كومباني"، أو الاستعانة بها للتأثير على صانع القرار في السياسة الخارجية الأمريكية.
وتعمل هذه المراكز على تنظيم لقاءات إعلامية لخدمة قضايا المملكة، وتثمين المنجزات التي حققها المغرب في قضايا الحرب على الإرهاب والاعتدال الديني وحقوق الإنسان، وإبراز أهمية المشروع المغربي للحكم الذاتي بالصحراء.
وتقدم هذه اللوبيات خدمات للمغرب مقابل مبالغ مالية ضخمة، على سبيل المثال، فإن المركز المغربي الأمريكي للسياسة، الذي يعرف اختصارا ب "MACP"، وأسسه إدوارد غابرييل، السفير الأمريكي الأسبق في الرباط (1998-2001)، سنة 2004، قد بلغ العقد الذي وقعه مع المغرب، كما هو موثق في مصلحة أمريكية تدعى (FARA) وتضبط من تسميهم الوكلاء الخارجيين، الذين يعملون لصالح جهات خارجية، (بلغ) حوالي 1.31 مليون دولار، توصلت بها مجموعة الضغط ابتداء من 2010.
وأسس اللوبي السفير الأمريكي الأسبق رفقة شخصين آخرين هما روبرت هولي، المدير التنفيذي للمركز، وجون أبي نادر، الذي يعمل مديرا تنفيذيا في المركز المغربي -الأمريكي للتجارة والاستثمار، أحد الأذرع الضاغطة الأخرى التي تخدم السياسة الخارجية المغربية في أمريكا.
وكان حجم المسؤوليات والمهام الكبرى التي شغلها "غابرييل" قد جعل اللوبي الذي أسسه قادرا على تحقيق مكاسب كبيرة للمغرب، فالرجل قبل انتقاله للعمل سفيرا في المغرب كان قد شغل مناصب رفيعة في بلاده، إذ شغل منصب نائب لرئيس شركة مكلفة بالشؤون العامة، ثم عين مديرا عاما لمجموعة ضمن 10 شركات كبرى تتكفل بتدبير الشؤون العامة في العاصمة واشنطن، كما عمل مستشارا في الإدارة الأمريكية مكلفا بملفات الشرق الأوسط.
ومن المعطيات المنشورة، أن مجموعة «MACP» التي يتعامل معها المغرب معروفة بنسجها لعلاقات وطيدة مع فاعلين أمريكيين مؤثرين في القرارات الخارجية لأمريكا، بدءا من هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية السابقة، التي كان غابرييل أحد مهندسي حملتها السياسية للترشح للرئاسيات الأمريكية، إضافة إلى جون كيري، المرشح الرئاسي الديمقراطي السابق، الذي سبق أن عمل في إدارة حملته الانتخابية في مواجهة جورج بوش.
كما تشمل دائرة العلاقات مدراء مراكز بحثية ومعاهد وأساتذة يشكلون قادة للرأي في أمريكا يقدمون كخبراء في المركز، وهم معروفون في وسائل الإعلام العمومية المغربية، أبرزهم بيتر فام، مدير مركز المجلس الأطلنتي ومركز «أنصاري إفريقيا»، ثم يوناه أليكساندر، مدير معهد أمريكي يعنى بقضايا الإرهاب، وويليام زارتمان، الأستاذ الجامعي.
استئجار اللوبي بدأ لأول مرة في القرن 18
يعود تاريخ اللوبي إلى سنة 1792 في الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحديدا بعد مرور 16 عاما على إعلان استقلال أمريكا وانصرام ثلاث سنوات فقط على انتخاب أول كونغرس دستوري، وذلك عندما أرسل السياسي الأمريكي "وليام هال" رسائل إلى مؤسسات وشركات يعبر فيها عن استعداده لخدمة مصالحهم، لأنه يعرف كثيرين من أعضاء الكونغرس، وتعتبر هذه الرسائل أول وثيقة علنية عن "استئجار لوبي".
واللوبي "Lobby" كلمة إنجليزية تعني في المعاجم اللغوية الرواق أو الردهة الأمامية في فندق، وتستخدم في السياسة للتدليل على الجماعات أو المنظمات التي يحاول أعضاؤها التأثير في صناعة القرار.
وحسب كتاب "Manuel de lobbying" لصاحبه "ميشيل كلامن"، فإن مفهوم اللوبي ارتبط تاريخيا بردهة فندق قريب من البيت الأبيض اعتاد الرئيس الأمريكي "يوليوس غرانت" (1868-1876) الجلوس فيها لتناول طعامه، فكان أصحاب المصالح يترددون على "لوبي" الفندق من أجل الضغط عليه ومعاونيه من أجل تحقيق مصالحهم وتمرير تشريعات أو قرارات تخدمهم، وتكررت هذه الظاهرة، فالتقط الصحافيون كلمة "لوبي" ليطلقوها على ممارسات مجموعات الضغط.
وبذلك أصبح الناس يتحدثون عن "اللوبي" أو مجموعة الضغط التي تستغل صلاتها وعلاقاتها مع جهات وأفراد يحتلون مراكز القرار في السلطات العمومية، وخاصة على مستوى السلطات التشريعية، من أجل الدفاع عن مصالح جهات ومؤسسات وشركات معينة أو سن قوانين وتشريعات أو اتخاذ قرارات وإجراءات تحقق أو تتماشى مع هذه المصالح.
ومع الوقت أصبح "اللوبي" في الولاياتالمتحدةالأمريكية بمثابة واسطة عبر شركات عملاقة توظف لصالحها أشخاصا ذوي خبرة في القانون أو أعضاء سابقين في العمل النيابي، بغاية تسخير خبراتهم وعلاقاتهم بأعضاء السلطة التشريعية لطرح مشاريع القوانين الداعمة لمصالحهم والموافقة عند التصويت.
لكن "عدوى اللوبي" مثلها مثل العلاقات العامة وأعمال الاتصال المؤسساتي الأخرى انتقلت من منشئها الحديث فأصابت بلادا كثيرة.