أعادت الذكرى العاشرة لظهور "تنظيم الدولة الإسلامية" المعروف باسم "داعش" الذي أسسه أبو بكر البغدادي في سنة 2014 بهدف تنصيب "دولة الخلافة"، تسليط الضوء على الاستراتيجيات والمخططات الاستخباراتية والأمنية التي وضعتها الدولة المغربية لمحاربة "الهجمات الإرهابية" في ظل الرؤية الحكيمة للملك محمد السادس، ب"اعتبار الرباط من العواصم التي تمتلك زمام خوض غمار المعركات الحديثة للجماعات المسلحة".
وبعد الحدث الدموي الذي شهدته مدينة الدارالبيضاء سنة 2003 إثر الانفجار الذي عرفه أحد الفنادق المصنفة، عملت الأجهزة الأمنية بمختلف رتبها على تحيين خريطة جديدة لمحاربة "المتطرفين"، خاصة بعد ظهور "تنظيم القاعدة الإسلامية" الذي حاول بدوره في العديد من المناسبات زعزعزة الاستقرار الأمني المغربي، غير أنه اصطدم بيقظة الأجهزة الإستخباراتية التي قامت بتفكيك مئات الشبكات الإجرامية المنضوية تحت لواء "الجهاد الإسلامي".
وفي هذا الحوار، قدم البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات والمخاطر وتحليل الصراع، خلاصات مسلسل "المطاردة" الأمنية في أجزائها المتعددة ضد "المتشددين"، وأيضا الكيفية التي عملت عليها المملكة في بسط مخططاتها قبل أن تصبح نموذجا دوليا يحتذى به في محاربة التطرف.
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
1- بعد عشر سنوات من "داعش"، كيف تعامل المغرب مع ظاهرة الإرهاب العالمي؟ وكيف إستطاع أن يستمر في مواجهة تنظيمات شبه عسكرية قادرة على تغيير أساليبها بشكل جذري في كل مرة تشعر بقرب أفولها كما حدث في الإنتقال من الخلايا الإرهابية التابعة للقاعدة إلى تنظيمات عنقودية تابعة لداعش؟
وفقا للرؤية الملكية المستنيرة والتزاما بالقرارات الأممية ذات الشأن، فإن المملكة المغربية ومنذ الهجمات الإرهابية بمدينة الدارالبيضاء في 16 ماي 2003، وُضعت "إستراتيجية فعالة، متعددة الأبعاد وشاملة لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف" وفق مقاربة استثنائية ومتفردة تعكس قدرة الفاعل الأمني بالمغرب باقتدار على خوض حرب غير تقليدية تعتمد على قدرات خاصة وميكانيزمات محددة لطبيعة الفواعل المتدخلة بها.
وحيث إن المغرب اتبع نهجا متعدد الأبعاد في مكافحة الإرهاب، يشمل الجوانب القانونية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بشكل يعكس الفهم العميق والدقيق لطبيعة التطرف والإرهاب، باعتبارهما ظاهرتين متعددة الأوجه تحتاج لمواجهة شاملة، فاتخاذ مثل هذه الخطوات المتكاملة في مختلف المجالات يُظهر التزام المغرب بمكافحة الإرهاب بشكل استراتيجي وطويل الأمد. وذلك من خلال معالجة أسبابه الجذرية على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الجوانب الأمنية والقانونية.
كما أن المصالح الأمنية المغربية تعمل بكفاءة عالية لمكافحة الإرهاب، حيث تنتهج تدابير وتكتيكات دقيقة للكشف عن المخططات الإرهابية وتتبع هيكلة وإمتدادات الجماعات المتطرفة والإرهابية، بما في ذلك مصادر تمويلها والخطابات الفكرية التي تروّج لها، إضافة إلى أن هذه المصالح تقوم برصد ارتباطات المشتبه بهم ودرجة ولائهم للأيديولوجيات المتطرفة، واتخاذ تدابير أمنية فعالة لمنع أي نشاطات إرهابية والحفاظ على استقرار المملكة، وذلك وفق أفضل الممارسات الدولية في هذا المجال.
2 – ما هي أبرز الإجراءات القانونية والأمنية والاستخباراتية التي اتخذها المغرب لمكافحة نشاطات داعش والجماعات الإرهابية التي تعنتنق التطرف العنيف في داخل المغرب وخارجه؟
من وجهة نظري اعتمد المغرب على 7 ركائز ذات فعالية ونجاعة في مكافحة الإرهاب منذ 2001 وهي الإطار القانوني والتشريعي والتعاون الأمني والاستخباراتي الدولي والبعد الإجتماعي والتنموي والجانب الإعلامي والثقافي والرقابة على التمويل والمؤسسات المالية والبحث العلمي والتكوين وبرامج الوقاية والتأهيل.
3- ما هي الإجراءات والتدابير التشريعية والقانونية التي اتخذتها المملكة المغربية لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، وكيف تتوافق هذه الإجراءات مع التزامات المملكة في مجال حقوق الإنسان؟
العمل على بناء إطار قانوني متين لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف من خلال ترقية الإطار القانوني والتشريعي من خلال تعزيز القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتمويله من خلال توفير الترسانة القانونية الكفيلة بتوفير الإطار القانوني المتوافق مع إلتزامات المملكة وفق مجال حقوق الإنسان حيث صدر القانون 03.03 حول مكافحة الإرهاب والذي تم تعديله عدة مرات من خلال توسيع نطاق التجريم وإصدار قوانين أخرى رديفة كقوانين مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وكذا تعزيز إستقلالية السلطة القضائية وتحسين آليات المراقبة والمساءلة من خلال رفع كفاءة الأجهزة القضائية من خلال برامج التكوين والتأهيل والتدريب، حيث إن المملكة المغربية كانت من أولى دول العالم التي توفرت على إستراتيجية وطنية شاملة ومتكاملة ومتعددة الأبعاد لمكافحة الإرهاب تتلاءم مع الالتزامات الدولية والأممية ذات الشأن، وكذا قرارات مجلس الأمن والتي شجع من خلالها الدول الأعضاء في المنتظم الدولي على وضع إستراتيجيات مكافحة الإرهاب، كالقرارات رقم 1963 (2010) و 2129 (2013) و 2395 (2017) و 2617 (2021).
4 – كيف يُسهم التعاون الأمني والاستخباراتي الدولي والعسكري في جهود المغرب لمكافحة الإرهاب والتطرف العنيف؟
التجربة المغربية في المجال الأمني والاستخباراتي والعسكري المشهود لها دوليا والمرتكزة على الاستراتيجية الوطنية الشاملة لمكافحة الإرهاب بناء على مقاربة واضحة المعالم تعتمد على التنمية الاقتصادية والبشرية وتعزيز القدرات البشرية وتنمية الوعي الأمني ورفع كفاءة الأجهزة الأمنية وتعزيز التعاون والتنسيق مع مختلف الجهات الفاعلة يجعلها محط تقدير عال واهتمام كبير من مختلف دول العالم التي تعاني من ظاهرة الإرهاب والتطرف العنيف والتعاون الأمني والاستخباراتي الدولي الذي يُساهم بشكل كبير في جهود المغرب لمكافحة هاتين الظاهرتين من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية حول التهديدات الإرهابية وتنسيق العمليات الأمنية المشتركة لملاحقة الخلايا الإرهابية عبر الحدود.
وإضافة إلى ذلك، تبادل الخبرات والتدريب بين القوات الأمنية والعسكرية للاستفادة من الممارسات الناجحة، مما يُعزّز القدرات التنفيذية للجهات المعنية ويُساعد في رصد الأنشطة الإرهابية والتنبؤ بها والتصدي لها بشكل أكثر فعالية، حيث نسجل أن الانخراط الكامل والجدي للمديرية العامة للأمن الوطني ومديرية مراقبة التراب الوطني والدرك الملكي والقوات المسلحة الملكية المغربية في الجهود الدولية لترسيخ التعاون الأمني بمختلف أشكاله، لا سيما محاربة الإرهاب والأنشطة الرديفة المرتبطة به حيث إن هذا التعاون الأمني والاستخباراتي والعسكري بين المغرب وباقي بلدان العالم يشكل أحد أهم المحاور الدولية الداعمة للمجهودات متعددة الأطراف لمحاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة والانفصالية والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود.
ففي مجال التنسيق والتعاون المتعدد الأطراف، قام المغرب بالتعاون مع مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب، بإطلاق "منصة مراكش لرؤساء وكالات الأمن ومكافحة الإرهاب في إفريقيا" بشكل يعكس الدور الريادي للمملكة في تعزيز التعاون الأفريقي لمواجهة التحديات الأمنية.
كما عقدت المنصة اجتماعات في المغرب، بمشاركة أكثر من 38 رئيس جهاز أمني من الدول الافريقية الأعضاء والبلدان الشريكة، مما يؤكد على الطابع المتعدد الأطراف في مكافحة التهديدات الأمنية على المستوى القاري وعلى فعالية هذه المنصة كآلية للتنسيق والتشاور بين رؤساء أجهزة الأمن في أفريقيا، في نفس السياق تم سنة 2021 بالرباط إنشاء مكتب الأممالمتحدة لمكافحة الإرهاب لمنطقة إفريقيا والذي أظهر مساهمات ملموسة في تعزيز القدرات الوطنية للدول الإفريقية في مجال مكافحة الإرهاب، لا سيما من خلال توفير التكوينات لأكثر من 1500 من عناصر قوات الأمن من حوالي 30 بلدا إفريقيا.
5- تعرف منطقة الساحل والصحراء الكبرى تواجد العديد من التنظيمات الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة وداعش، كيف يمكن للمبادرة المغربية الأطلسية تجاه دول الساحل بفتح البنية التحتية اللوجستيكية المغربية ( الموانى – الطرق – المطارات ) أمام هذه الدول في أن تدعم جهود هذه الدول لمكافحة الإرهاب وحماية الإستقرار الإقليمي والقاري والدولي؟
منطقة الساحل والصحراء الافريقية تعتبر من بين أكثر المناطق في العالم التي تعرف انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية نتيجة للعديد من التطورات المجتمعية والاقتصادية والأخطار البيئية بالإضافة للتهديدات والمخاطر الأمنية الناجمة عن الفراغ المؤسساتي التي تخلفه الحروب الأهلية وانتشار وتسيد الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود والقارات وتوطن الحركات الإنفصالية في المناطق الفاشلة أمنيا.
فقد اجتمعت في المنطقة الكثير من عناصر المخاطر والتحديات الأمنية التي تؤثر على المسارات التنموية والاستقرار داخل المجتمعات المحلية بسبب انتشار المخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمناخية والبيئية، علاوة على الظواهر الإجرامية الإلكترونية والعمليات الإرهابية بأشكالها التقليدية والمتطورة.
هذا الوضع هو نتيجة حتمية لمجموعة من الأبعاد، أهمها فشل وإفشال البنيات الوظيفية للدولة في المنطقة، وهشاشة الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي، وشبه غياب أو انهيار المنظومة الإقتصادية التي كرستها النزاعات العرقية والإثنية، بالإضافة لظاهرة الإرهاب وانتشار الفكر المتطرف والجريمة المنظمة.
وبالتالي فالمبادرة الملكية الأطلسية تجاه دول الساحل بفتح البنيات اللوجستيكية للمملكة أمام هذه الدول تشكل أرضية عمل إقليمية مشتركة وفق رؤية إقليمية بمقاربة إفريقية خالصة قائمة على مواجهة التهديدات الأمنية بالاعتماد على الحوار الإقليمي الموسع والمتعدد الأطراف لإبداع حلول تعتمد على حل إشكالية التهديدات العالمية انطلاقا من "حلول إفريقية" وتكريس مبدأ "أفرقة" الحلول للإشكالات المهددة للأمن البشري في المنطقة بالتنسيق وتشريك كل الأطراف الدولية والإقليمية والوطنية وخاصة في منطقة الساحل والصحراء الإفريقية الكبرى وهو ماتجسده المقاربة المغربية الشاملة التي تنطلق من التنمية والأمن ومركزية الإنسان الأفريقي في تحقيق الأهداف المشتركة.
وعليه، فإن المجهودات الأمنية في هذا الاطار تشكل أحد أهم الركائز التي تعتمد عليها المبادرة الملكية المغربية حيث يضع المغرب كل إمكانياته من أجل دعم وإسناد هذه الدول في مواجهة التنظيمات الإرهابية والمتطرفة والإنفصالية.