يبدو أن طبيعة الإصلاحات المطبقة على مقتضيات مدونة الأسرة بدت واضحة المعالم وخاصة بعد بلاغ الديوان الملكي الذي صدر يوم الجمعة الماضي، والذي أمر ب"إحالة بعض المسائل الأسرية الواردة في المقترحات التي تقدمت بها الهيئة المكلفة بإعادة النظر في المدونة التي خلقت الجدل بين مختلف المشارب السياسية والاجتماعية"، إلى المجلس العلمي الأعلى وذلك ب"احترام مجموعة من الضوابط الشرعية مع إصدار "فتاوى" دينية في الموضوع".
ولعل أبرز ضابط ديني أثار انتباه المراقبين في البلاغ الصادر عن الديوان الملكي، هو "الاجتهاد المنفتح" الذي سبق واعتمدت عليه المملكة المغربية في مواد مدونة الأسرة سنة 2004، والذي خلف تساؤلات كثيرة باعتباره وفق متتبعين إشارة إلى "إلغاء المادة 400 من نفس المدونة والتي كانت محط سجال بين التيارات المحافظة والحداثية".
عبد الكبير حميدي، أستاذ التعليم العالي والباحث في الدراسات الإسلامية، قال إنه "بعد انتهاء الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة من مهامها داخل الأجل المحدد لها، ورفع مقترحاتها إلى النظر المولوي السامي، الذي اقتضى، بالنظر لتعلق بعض المقترحات بنصوص دينية، أصدر جلالة الملك أمير المؤمنين توجيهاته السامية للمجلس العلمي، قصد دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة، ورفع فتوى بشأنها للنظر السامي لجلالته".
وأضاف حميدي، في تصريح ل"الأيام 24″، أن "هذه الإحالة الملكية السامية خطوة شرعية ودستورية حكيمة، تنطوي على بعدين هامين: الأول شرعي: هو حرص جلالة الملك أمير المؤمنين، على توافق نصوص وأحكام مدونة الأسرة، مع أحكام الشريعة الإسلامية، بصفتها المرجعية العليا للدولة والمجتمع، وحرصه على تفعيل دور مؤسسة العلماء التي يرأسها بصفته أميرا للمؤمنين، وعلى حثها وتحفيزها على أداء رسالتها في الاجتهاد والفتوى، وصيانة دين الأمة وأحكام الشريعة من تأويل الجاهلين وتحريف الغالين وانتحال المبطلين، ومن أي تطفل أو تطاول أو تجاوز بغير علم ولا تخصص".
وأردف أيضا أن "البعد الدستوري: هو حرص جلالة الملك أمير المؤمنين، على تفعيل الفصل 41 من دستور المملكة، الذي يعتبر "المجلس العلمي الأعلى الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسميا"، وفي هذا المقصد رسالة إلى باقي مؤسسات ومكونات الدولة إلى أن احترام دستور المملكة – باعتباره قانونها الأسمى – هو صمام أمان لحل مشاكل الأمة ورفع تحدياتها، في أجواء من الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي".
وأشار الأستاذ الجامعي إلى أن "بلاغ الديوان الملكي تضمن توجيهات وأسسا وضوابط هامة تنبني عليها الإحالة، دعا من خلالها جلالته المجلس العلمي الأعلى، وهو يُفتي فيما هو معروض عليه من مقترحات، استحضار مضامين الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى رئيس الحكومة، الداعية إلى اعتماد فضائل الاعتدال، والاجتهاد المنفتح البناء، في ظل الضابط الذي طالما عبر عنه جلالته، من عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال".
"هنا ثلاثة ضوابط كبرى: الضابط الأول: وهو أكبرها وأهمها، وهو: عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال، ومعناه: عدم السماح بتجاوز أحكام الشريعة الإسلامية الثابتة بنصوص قطعية، والتي هي محل إجماع في المذهب، والخلاف فيها غير معتبر، والتي لا مجال فيها لأي اجتهاد أو تأويل"، يضيف المتحدث.
وأوضح الباحث في الدراسات الإسلامية أن "الضابط الثاني: ضابط الاعتدال: ومعناه التوسط في الفتوى والاجتهاد، بين الإفراط والتفريط، وبين الغلو والجفاء، وبين النصوص والمقاصد، وبين مصلحة الفرد ومصلحة الأمة".
وخلص حميدي حديثه قائلا: "فإن الضابط الثالث هو ضابط الاجتهاد المنفتح على مقاصد الشريعة الإسلامية وكلياتها وقواعدها الكبرى، وعلى الاجتهادات الشرعية الرصينة القادرة على فهم النصوص، واستحضار المقاصد، ومعالجة المشاكل، وتحقيق المناطات العامة والخاصة، وتقديم الحلول الشرعية الناجعة لهموم وقضايا الأسرة".