تاريخ الانتخابات السابقة لأوانها كان يروج بقوة في الأوساط السياسية اللندنية وأصبح معروفا منذ أول أمس. الانتخابات العامة في بريطانيا لاختيار أعضاء مجلس العموم ستجري يوم 4 يوليوز المقبل، كما أعلن ريشي سوناك الأربعاء الماضي (22 ماي) ، وهو الذي كان بإمكانه الاستمرار حتى يناير 2025 ، لكنه اختار الدعوة لانتخابات سابقة لاوانها. ومن درج 10 داونين ستريت ( المقر الرسمي للوزير الأول) بدأ ريتشي سوناك إعلانه بالقول أن المملكة المتحدة تجتاز منذ خمس سنوات الأخيرة " أصعب فترة " منذ الحرب العالمية الثانية. مذكرا بجائحة كوفيد -19 والصعوبات الاقتصادية التي يعانيها البريطانيون والاجتياح الروسي لاوكرانيا. ليعلن بعد ذلك أن " الوقت قد حان لتختار بريطانيا مستقبلها" ويعلن حل مجلس العموم والدعوة لانتخابات عامة .
سوناك هاجم أيضا المعارضة العمالية التي تتصدر استطلاعات الرأي قائلا "ما يقودني هو ما يصلح لبلادنا وليس ما هو سهل ولا يمكنني أن أقول أكثر عن حزب العمال لأنني لا أعرف ما يقترحه" قبل أن يوجه انتقاده مباشرة لزعيمه كير ستارمر قائلا أنه " أظهر في عدة مناسبات أنه اختار السهولة وأنه يفعل أي شيء للوصول إلى السلطة". وفي نفس الوقت رد عليه سترامر عبر فيدو على منصة إكس ينتقد حصيلة حكومات المحافظين التي كان شعارها هو " التغيير".
قبل اعلان تاريخ الانتخابات كان سوناك يكتفي بالحديث عن إمكانية إجراءها "في النصف الثاني من السنة"، لكن أمام أرقام استطلاعات الرأي الكارثية للمحافظين، أصبح الضغط أقوى عليه لكي يقرر دعوة الناخبين للاقتراع. وتعطي الاستطلاعات حزب العمال (يسار الوسط) حوالي 45 في المئة من نوايا التصويت متقدما بفارق كبير عن حزب المحافظين الذي تعطيه الاستطلاعات ما بين 20 و25 في المئة من نوايا التصويت، وحزب "إصلاح المملكة المتحدة" المعادي للهجرة والسياسات المناخية بحوالي 12 في المئة من نوايا التصويت. وبنمط الاقتراع بالأغلبية البسيطة في دورة واحدة المعمول به في دوائر البلاد ال650 ستترجم هذه النوايا بأغلبية كبيرة لصالح حزب العمال.
بالنسبة للمحافظين، الذين قادهم بوريس جونسون لانتصار تاريخي سنة 2019 ، التوقعات ستكون بمثابة زلزال انتخابي. فأزيد من 60 نائبا من أصل 344 أعلنوا أنهم لن يترشحوا للمنافسة ومن بينهم أسماء وازنة داخل الحزب. وحتى الاستقلاليون الذين تميزوا بقوة ملحوظة في اسكتلندا خلال السنوات الأخيرة، تشير الاستطلاعات تراجعهم أمام العماليين.
ريتشي الذي اختاره نواب حزبه في أكتوبر 2022 كان يفترض أن يجسد من خلال ماضيه كبنكي ناجح ووزير للمالية العمل على عودة الجدية بعد الفضائح التي ميزت حقبة بوريس جونسون والأزمة المالية التي ميزت 45 يوما التي قضتها ليز تروس في السلطة. لكن ولاية ريتشي تحولت إلى كابوس، ويبدو أن البريطانيين أنهكهم تدني القدرة الشرائية المتواصل منذ سنتين وتردي الخدمات العامة لا سيما الخدمات الصحية المنهكة، وارتفاع نسب الفائدة أو أزمة السكن… ناهيك عن التصدعات والانقسامات داخل الأغلبية والصراعات الداخلية التي خرجت للعموم. وقد ظهر أن ريتشي سوناك عاجز عن إصلاح الوضع بالرغم من محاولاته المتكررة أو فرض سلطته أو إغراء قواعده بمشاريع مثل مشروع إعادة طالبي اللجوء إلى رواندا. كما حاول في منتصف ماي فرض نفسه كضامن للأمن في خطاب تميز بنبرة انتخابية واضحة دون اقناع.
من جانبه كير ستارمر الذي انتخب على رأس حزبه سنة 2020 خلفا لجيريمي كوربين ذي التوجهات اليسارية، استطاع إعادة تمركز حزب العمال نحو الوسط، وعمل على بناء صورة القائد الكفء والجدي الحذر على المستوى الاقتصادي والمالي والصارم بخصوص القضايا الأمنية والهجرة. وهي الاستراتيجية التي يبدو أنها نجحت، حيث يظهر استطلاع للرأي أن ريتشي في أدنى مستويات الشعبية ولا يثق فيه 71 في المئة من الناخبين ويعتبرونه قليل الكفاءة وضعيف ومتردد.
أما كير ستارمر فشعبيته تبقى في حدود 50 في المئة ويبقى الشخصية السياسية البريطانية الأكثر شعبية وحزب العمال يعتبر – حسب استطلاعات الرأي- المؤهل الأول لتدبير كل المواضيع باستثناء الدفاع، بما فيها مجلات الضريبة والهجرة أو الأمن التي تعتبر تقليديا مجالات مفضلة لدى المحافظين. وقد لخص ستارمر أولوياته للانتخابات في منتصف ماي قائلا "مع العماليين …لنضع حدا للفوضى".
ولم يكن الامتحان الانتخابي الأخير قبل هذا الاقتراع الحاسم جيدا بالنسبة للمحافظين. حيث اسفرت نتائج الانتخابات المحلية التي جرت بداية ماي عن تراجع كبير لحزب المحافظين بفقدانهم 500 مقعد بلدي في مجموع البلاد. بل إن هذه النتائج اعتبرت كارثية للحزب الحاكم منذ 14 سنة لكون هذا التراجع سجل حتى في مناطق جنوبإنجلترا التي تعتبر معاقله الانتخابية تقليديا.