بعد مرور حوالي نصف ولاية الحكومة الحالية، والتي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار بأغلبية تضم كذلك حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال، بات من الضروري تقييم عمل الحكومة خلال هذه المدة المنصرمة، نظرا للأحداث الهامة التي عرفتها المملكة المغربية، وعلى رأسها فاجعة زلزال الحوز التي هزت الرأي العام المحلي والدولي. ويعتبر عديد من المراقبين أن حصيلة الحكومة "لم ترق إلى مستوى الإكراهات التي واجهت البلاد منذ تعيين عزيز أخنوش على رأسها"، حيث كانت محط انتقاد من لدن الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، في ظل وصول مؤشرات عدة إلى مستويات قياسية غير مسبوقة، خاصة على مستوى تنامي الفقر والبطالة وارتفاع معدل التضخم، إضافة إلى تفاقم موجة الجفاف بفعل التقلبات المناخية.
وأدت الأوضاع السياسية الراهنة التي أبانت عن وجود خلافات وسط الأغلبية الحكومية، إلى ظهور أصوات تطالب بإجراء تعديل حكومي أكثر من أي وقت مضى، نتيجة للصراعات التي تشهدها مجموعة من القطاعات بداية من التعليم الأولي وأيضا العالي مرورا بالصحة والتمريض ووصولا إلى التشغيل.
عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات، أعاد في حوار مع "الأيام 24" تركيب المشهد السياسي المغربي في ظل الائتلاف الحكومي الثلاثي، في تقييم لحصيلة حكومة "أخنوش" بعد مرور نصف الولاية الحكومية، بالإضافة إلى سرد مجموعة من التفاصيل التي تهم التعديل الحكومي المرتقب الذي تصدر العناوين منذ مدة، والذي قد يعصف بشخصيات وزارية وضعتها الظروف المتحولة في خانة "غير المرغوب في استمرارهم".
عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات
وفيما يلي نص الحوار كاملا:
1) بعد مرور نصف ولاية الحكومة الحالية، كيف تقيمون أداء الحكومة؟
مجالات التقييم متعددة، لكن مرجعيته الدستورية وتلك المرتبطة بالبرنامج الحكومي تؤشر على نتيجة أننا أمام حكومة بحصيلة لا ترقى إلى مستوى وعود برامجها الانتخابية، ولا إلى مستوى الإكراهات الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب.
الحكومة ضعيفة في حل الأزمات التي ظهرت بين الفينة والأخرى، خصوصا تلك المتعلقة بالمجالات الاجتماعية، مع تسجيل أن هذه الحكومة لم تباشر إلى حدود الساعة حل مشكل يؤرق المالية العامة للدولة، أي ملف التقاعد بتعقيداته المالية وآثاره الاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى فشل ملف التشغيل إذ فقد المغرب الآلاف من مناصب الشغل.
موضوعيا، هناك ملفات نجحت فيها الحكومة خصوصا المتعلقة بتنزيل الدولة الاجتماعية، إضافة إلى إصلاح ما تبقى من دعم صندوق المقاصة.
2) هل أوفت حكومة "أخنوش" بالشعارات المرفوعة والوعود المقدمة خلال الحملة الانتخابية السابقة؟
الناس يتذكرون الوعود التي لها آثار مباشرة عليهم، أساسا الزيادة في الأجور وبعض التعويضات كتللك التي كان من المفروض منحها للمسنين.
لكن تلك الوعود لم يتم تحقيقها، وهذا له معنى واحد، هو أن السياسي جدير باللاثقة ما دام أنه لم يف بوعوده، وبالتالي الوعود الانتخابية في حالة عدم التجاوب معها تكون محض كذب.
إذا عدنا إلى البرنامج الحكومي، هناك عشر التزامات سطرتها الحكومة، وإذا عدنا إلى الحصيلة نجد أن هذه الوعود العشرة لم ينجز فيها الشيء الكثير.
3) هناك أنباء تروج حول وجود تصدع داخل الأغلبية الحكومية، خاصة بعد صدور البيان الختامي للمؤتمر الوطني الخامس لحزب الأصالة والمعاصرة، وأيضا تصريحات رئيس الحكومة، عزيز أخنوش خلال المجلس الوطني لحزب التجمع الوطني للأحرار.. هل يمكن لهذه الخلافات أن تؤدي إلى انفجار الأغلبية الحكومية؟
بيانات الأحزاب في المغرب هي آلية للضغط والتفاوض، والتصدع الحكومي لا وجود له في المغرب بكل صراحة، لأن الدولة هي التي تضمن استمرارية الحكومات، والأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي ليس لها الشجاعة السياسية لمغادرة الحكومة بقرارها المستقل ولتقييمها الذاتي لوضعها داخل الحكومة في العلاقة لبرنامجها الانتخابي أو لتصورها المجتمعي.
الحاصل في المغرب، أن الأحزاب المشكلة للحكومة الحالية تدبر مرحلة انتقلت فيها سلطة اتخاذ القرار من المجتمع إلى الدولة.
4) في الآونة الأخيرة، كثر الحديث عن وجود تعديل حكومي، هل يمكن أن يخلق هذا التعديل انقساما داخل الأحزاب المعنية به، في ظل وجود أسماء قيادية ترغب في الاستوزار؟
التعديل الحكومي له مسطرة محددة دستوريا، تتم عن طريق مبادرة رئيس الحكومة، لكن صاحب الاختصاص الفعلي في التعيين هو الملك.
سياسيا، هناك عُرف ينظم هذه العملية، حيث يكون التعديل الحكومي في منتصف الولاية الحكومية. طبعا هناك بعض الوزاراء الذين فشلوا في تدبير ملفاتهم ولا يتوفرون على الكفاءة اللازمة ولا على الحس السياسي لتدبير وزارتهم.
5) في نظركم، ما هي الحقائب الوزارية المعنية بهذا التغيير في حالة إذا تم إجراء تعديل حكومي؟
بالنسبة للسيد وزير العدل، أعتقد جازما أن تدبير مشكل مباراة ولوج مهنة المحاماة سيكون سببا وجيها لإعفائه من مهامه، أما تصريحاته، فهو وزير سياسي ومن حقه أن يعبر عن مواقف حزبه وقناعاته تجاه مختلف القضايا وأن يدافع عنها، لأن من شأن ذلك تفعيل النقاش العمومي.
بطبيعة الحال، هناك وزراء لا يستطيع المغاربة أن يجمعوا بين أسمائهم وصورهم وحصيلتهم الصفرية، وتدبيرهم لا يمت لا للكفاءة ولا للسياسة بصلة. إضافة إلى أن الدولة يجب أن تتحمل مسؤوليتها فيما يخص الحد من الجمع بين المسؤلية الحكومية وحالات تنازع المصالح.
هناك وزراء في الحكومة الحالية يتصرفون بكل فجاجة في تدبير ملف المسؤليات داخل قطاعاتهم الوزارية دون خجل ولا معايير موضوعية. ما يقوم به وزير الثقافة ووزير التشغيل ووزيرة التضامن والأسرة في هذا المجال غير أخلاقي بالمرة. إضافة إلى وزير التعليم العالي، وضعيته في المنظمة الفرنكوفونية وكيف يعمل اليوم على التمكين للغة الفرنسية بالقطاع دون وجل. في حين أن وضعيته تلك، كانت كافية ليغادر قطاع التعليم العالي الذي يعيش أزمة عميقة ونتائج عقيمة في الإصلاح الذي سماه تسريعا، وهو فعلا تسريع نحو الفشل.