منذ تعيين رئيس حزب "التجمع الوطني للأحرار"، عزيز أخنوش، رئيسا للحكومة المغربية المرتقبة، تتصاعد تحليلات بشأن السيناريوهات المحتملة لتحقيق أغلبية برلمانية تسمح بتشكيل الحكومة، في ضوء نتائج انتخابات 8 شتنبر الجاري. وبعد قيادته الائتلاف الحكومي لولايتين للمرة الأولى في تاريخ المملكة (2011-2021)، أعلن حزب "العدالة والتنمية"، انضمامه إلى صفوف المعارضة، فيما تبدو الأحزاب الأخرى منفتحة على التحالف مع الحزب الأول حاليا.
وأسفرت الانتخابات عن فوز "التجمع الوطني للأحرار" بالمرتبة الأولى ب102 مقعدا من أصل 395 في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، يليه "الأصالة والمعاصرة" 86، ثم "الاستقلال" 81.
وبعدهم، حل حزب "الاتحاد الاشتراكي" (يسار- 35)، يليه "الحركة الشعبية" (وسط- 29)، و"التقدم والاشتراكية" (يسار- 21)، و"الاتحاد الدستوري" (وسط- 18)، ثم "العدالة والتنمية" (13)، بينما توزعت المقاعد العشر المتبقية على أحزاب أخرى.
مشاورات أخنوش
وفي 10 شتنبر الجاري، عَيَّنَ الملك محمد السادس، عزيز أخنوش، رئيس "التجمع الوطني للأحرار"، وزير الفلاحة والصيد البحري بالحكومة المنتهية ولايتها، رئيسا مكلفا بتشكيل الحكومة المقبلة.
وعقب تعيينه، صرح أخنوش بأنه سيفتح باب المشاورات مع "الأحزاب التي يمكن أن نتوافق معها في المستقبل، لتشكيل أغلبية منسجمة ومتماسكة لها برامج متقاربة".
والإثنين، انطلقت مشاورات تشكيل الحكومة بلقاءات منفصلة جمعت أخنوش مع أمناء الأحزاب الأولى في الانتخابات، وهم: عبد اللطيف وهبي، الأمين العام ل"الأصالة والمعاصرة"، ونزار بركة، الأمين العام ل"الاستقلال"، وإدريس لشكر، الأمين العام ل"الاتحاد الاشتراكي"، ومحند العنصر، الأمين العام ل"الحركة الشعبية"، بحسب إعلام محلي.
وقال وهبي، في تصريح صحفي عقب اللقاء: "تبادلنا بعض الأفكار حول إمكانية التحالف الحكومي.. تلقينا إشارات جد إيجابية بخصوص التحالف، وسنعمل على استمرار هذا الحوار لبناء تصور مشترك".
فيما قال بركة إن حزبه "سيناقش العرض الذي تقدم به أخنوش.. ستكون هناك مشاورات مهمة مع رئيس الحكومة المعين حول البرنامج الحكومي المقبل لإدراج العديد من الالتزامات المتضمنة في البرامج الانتخابية للأحزاب التي ستشكل الأغلبية الحكومية".
"العدالة" في المعارضة
وغداة إعلان نتائج الانتخابات، أعلنت قيادة "العدالة والتنمية" أن الحزب "قرر الانتقال إلى صفوف المعارضة".
كما أعلنت قيادة الحزب، وفي مقدمتها أمينه العام سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المنتهية ولايتها، تقديم استقالتها من الأمانة العامة للحزب (أعلى هيئة تنفيذية)، "تحملا للمسؤولية"، عقب التراجع في الانتخابات البلدية والبرلمانية (من 125 إلى 13 مقعدا).
كما دعت إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني (برلمان الحزب)، في 18 سبتمبر الجاري، "من أجل تقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية واتخاذ القرارات المناسبة".
"الاستقلال" أم "الأصالة والمعاصرة"؟
وقال عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة الحسن الأول (حكومية) في مدينة سطات (شمال)، للأناضول: "بعد التعيين الملكي لعزيز أخنوش، نحن في مرحلة المشاورات قبل اقتراح الحكومة بكامل أعضائها، ثم الذهاب إلى البرلمان لتقديم البرنامج الحكومي".
ورأى أن "السيناريو الأقرب للتحقق هو أن أخنوش سيشرك حلفائه السابقين الذين فاوض بهم في 2016 (عقب انتخابات برلمانية تصدرها العدالة والتنمية)، ويتعلق الأمر بالحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري".
وتابع: "لكن بهذه الأحزاب (تمتلك 184 نائبا) لن يتمكن أخنوش من تكوين أغلبية مريحة (مطلوب ما لا يقل عن 198 نائبا)، لذلك سيكون مضطرا إلى أن يختار بين الاستقلال (81 نائبا) والأصالة والمعاصرة (86 نائبا)".
ورجح أن "الأقرب للتحقق هو أن يلتحق حزب الاستقلال بالأغلبية الحكومية، بالنظر إلى أنه أطال المقام في المعارضة".
وزاد اليونسي بأن "ما يجعل الأصالة والمعاصرة أقرب إلى المعارضة هو أنه سيتم إعداده ليكون البديل للتجمع الوطني للأحرار مادام كليهما حزبي الإدارة (الدولة)".
وأوضح أن "هناك سببا وجيها آخر لبقاء الأصالة والمعاصرة في المعارضة وهو أن الدولة تريد مزيدا من الإشعاع لهذا الحزب، خاصة أن عبد اللطيف وهبي (أمينه العام) جاء بخطاب جديد ووجوه جديدة، وبقاؤه في المعارضة يستهدف تحسين صورته في المجتمع".
لكن ثمة سيناريو ثانٍ لتشكيل الحكومة، وفق اليونسي، "وإن كانت إمكانية تحققه ضعيفة، وهو حصول تحالف بين التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة مع الاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، مع بقاء الاستقلال في المعارضة".
واستدرك: "ما يجعل هذا السيناريو صعبا هو أنه سيفتح المجال أمام تشكيل المعارضة من حزبين يشتركان في نفس المرجعية (الاستقلال والعدالة والتنمية)، مع ما يفرضه ذلك من تحقيق تحالف مستقبلي بينهما، على الرغم من أن الكتلة البرلمانية للعدالة والتنمية ضعيفة العدد".
توازن بين الأغلبية والمعارضة
متفقا مع اليونسي، اعتبر سلمان بونعمان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس، أن "السيناريو الأرجح هو خروج الأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية إلى المعارضة لتجاوز أزمة المعارضة التي تلوح في الأفق".
وأضاف بونعمان للأناضول أنه "مع النتائج التي حققها كل حزب ووصول المرشحين الأعيان (أصحاب نفوذ) إلى البرلمان، هناك أزمة معارضة يجب تدبيرها، ولن يكون أفضل من الحزبين السابقين للقيام بهذا الدور".
وشدد على أن "تحقيق التوازن بين الأغلبية والمعارضة هو شرط أساسي لنجاح العملية السياسية في الولاية الحكومية القادمة".
وختم بأن "الأصالة والمعاصرة والتقدم والاشتراكية والعدالة والتنمية بإمكانهم لعب دور المعارضة بشكل جيد".