شهدت الساحة السياسية و الحزبية ببلادنا في الرابع من يناير من السنة الجارية حدثا تاريخيا تجلى في تقديم الأمين العام الجديد لحزب "سيدي علال" مذكرة لرئاسة الحكومة بمناسبة مرور سنة على تشكيلها ، ومرور 100 يوم على انتخاب القيادة الجديدة خلال المؤتمر الوطني السادس عشر للحزب ،مناسبة يراها الاستقلاليون مدعاة للتأمل في أداء الحكومة ودور الحزب من داخلها، وتقديم الملاحظة والنقد لهذا الأداء، و فرصة للتقييم الموضوعي ووضع اليد على الاختلالات التي شابت التنسيق بين أطراف الأغلبية المشكلة للحكومة، ومدى انعكاس ذلك على مردو ديتها. تتألف المذكرة التي شغلت بال مختلف المتتبعين من 26 صفحة، تحمل بين طياتها ثلاثة محاور رئيسية، يهم المحور الأول منها سياق تشكيل الحكومة، والثاني قرار مشاركة حزب الاستقلال فيها، والظرفية الوطنية والإقليمية، فيما يركز المحور الثالث على طريقة عمل الأغلبية، والتعديل الحكومي ، مذكرة شغلت بال الرأي العام بسبب الأسباب التي تم بها تبرير تقديمها، فإن كان شباط يصر على أن هذه الأسباب لا تعدو أن تكون مطالبة بضخ دماء جديدة تقوي الحضور الاستقلالي داخل الحكومة بإجراء تعديل حكومي من أجل تطوير الأداء الحكومي وتسريع وتيرته،وتقييم نزيه وشفاف ومنصف لمجمل العمل الحكومي خلال سنة، ودق ناقوس خطر إضاعة الزمن الحكومي، فهي حسب مجموعة من المتتبعين ليست الأسباب الوحيدة لميلاد هذه المذكرة، بل هناك من يتحدث عن الأزمة الاقتصادية الخطيرة جدا، التي لم يعرفها المغرب منذ 30 سنة،و التي كانت المحرك الأساس لهذه الخطوة،و هناك من ذهب إلى أن شباط مدفوع من طرف جهات معينة أو لوبيات كانت تستفيد من الوضع القائم و وجدت نفسها مهددة بفقدان الامتيازات التي كانت تستفيد منها في ظل متغيرات جديدة، ووضع مغاير الشيء الذي أدى بها إلى الدفع بشباط لتقديم مذكرته بهدف خلق ارتباك من داخل الجسم الحكومي المرتبك أصلا، في حين هناك من يرى أن المبادرة لا تعدو أن تكون مجرد عملية ابتزاز، من أجل دفع حزبه للتفاوض قبل إجراء الانتخابات الجماعية المقبلة وانتخابات مجلس المستشارين،ويرى آخرون أن سبب تقديم المذكرة يرجع إلى وفاء شباط بوعوده التي قطعها للمرافقين له في رحلة الوصول إلى زعامة الحزب العريق و الانتصار على عائلة الفاسي، و ما رافق ذلك من حرب شرسة بين تياري الحزب،هذا في الوقت الذي يؤكد فيه البعض على أن أقوى سبب هو محاولة القضاء على وزراء الحزب المحسوبين على عائلة الفاسي، لهذا فهو لا يتورع في تقديم الانتقادات اللاذعة لأدائهم وتواصلهم على مستوى الحزب، وكذلك دوائرهم، بل ذهب إلى حد تنقيط أربعة منهم خلال برنامج حواري تلفزي، مانحا المرتبة الأولى لعبد الصمد قيوح وزير الصناعة التقليدية، متبوعا بنزار البركة وزير الاقتصاد والمالية، فيما حل عبد اللطيف معزوز الوزير المكلف بالجالية المغربية بالخارج في المرتبة الثالثة، أما المرتبة الأخيرة فكانت من نصيب محمد الوفا وزير التربية الوطنية كخطوة أولى تمهيدا لاستبدالهم بوزرائه. بقراءة سريعة للمذكرة "الشباطية"، يلاحظ هيمنة لغة التقريع و النقد لأداء مكونات الأغلبية ،فبعد تنويه خاطف بالحصيلة المسجلة فيما يخص تعميم برنامج المساعدة الطبية " راميد" و الذي ركزت المذكرة أن انطلاق تجربته الأولى في جهة تادلة أزيلال كان في على عهد الحكومة السابقة – التي كان يقودها - ،و الاستمرار في عملية توسيع الشريحة التي كانت تستفيد في المرحلة السابقة من برنامج تيسير والاستمرار في ربطها بتعليم وصحة الأطفال، والاستمرار في الرفع التدريجي للحد الأدنى للمعاشات ،وانطلاق الحوار الوطني حول إصلاح منظومة القضاء، والرفع من قيمة المنح الموجهة للطلبة الجامعيين ومن عددها،ومواصلة الأوراش التي أعطيت انطلاقتها خلال ولاية الحكومة السابقة. بعد هذه الإطلالة تنبري المذكرة لتقديم انتقادات لاذعة للعمل الحكومي إلى درجة سقطت في بعض الأحيان في تضخيم الذات الحزبية الاستقلالية وفي النقد المجاني للحكومة ، بداية على مستوى تنفيذ ميثاق الأغلبية مركزة على الإخفاق في تنفيذه على ما فيه من نواقص، مذكرة أن حزب الاستقلال هو الحزب الوحيد الذي ضمن برنامجه الانتخابي وضع ميثاق للأغلبية وذلك انطلاقا من الخبرة التي راكمها في الحكومات الائتلافية ، وعلى مستوى التشارك في العمل،وجهت المذكرة انتقادا لمجموعة من القرارات الأحادية، كقرار الزيادة في أسعار المحروقات،والإعلانات المنفردة والحاسمة بخصوص إصلاح صندوق المقاصة ، ووضع مخطط تشريعي دون تداول داخل الأغلبية ،ودفاتر تحملات السمعي البصري التي أثارت نقاشات كان يمكن تفاديها لو تم التداول حولها بداية داخل الأغلبية – حسب المذكرة -،ونشر لوائح رخص النقل والمقالع، و القرارات الأحادية لعدد من الوزراء التي يتم تقديمها للإعلام على أنها قرارات حكومية وليست قطاعية ثم العودة للتراجع عنها سواء بصفة صريحة أو مبهمة أو العجز عن تنفيذها ، الفعالية في الإنجاز لم تسلم بدورها من تقريع ، وذلك من خلال التردد والتسرع والغموض في مجموعة من القطاعات،وبطء وتيرة العمل ، أما على مستوى الشفافية في التدبير فتعيب المذكرة الغموض في مقاربة اقتصاد الريع والفساد من خلال التشهير بمنطق الرخص والاستمرار في منحها سواء في قطاع النقل أو المقالع،مشيرة إلى غياب رؤية إستراتيجية لمحاربة الفساد،كما انتقدت المذكرة التعيين في المناصب السامية،معتبرة إياه متسما بغياب رؤية موحدة بين القطاعات الحكومية في وضع شروط الولوج إليها ،وعلى مستوى التضامن في المسؤولية ركز واضعو المذكرة على استمرار رفض تنفيذ الالتزامات السياسية والاجتماعية للحكومة السابقة وخاصة عدم تنفيذ البرتوكول الموقع يوم 26 أبريل 2011 ، ورفض تنفيذ محضر 20 يوليوز، والتوقف عن إعمال التمييز الإيجابي لفائدة المعاقين بالنسبة لمباريات التشغيل بالإضافة إلى وجود بوادر تندر بالتراجع في الحريات في قضايا متعددة، ولم تتوقف لغة التقريع عند هذا الحد. بل استمرت في انتقاد ضعف الحكومة الحالية في قيادة الاقتصاد الوطني و ضعف تدبيرها لمجموعة من القطاعات كإهمال العالم القروي ،وعدم الاعتناء بالجالية المغربية المقيمة في الخارج،وعدم الشروع في فتح نقاش وطني حول إعمال الجهوية الموسعة والحكم الذاتي في الصحراء المغربية ،وعلى مستوى استكمال الورش الدستوري،تعيب المذكرة عدم التعاطي الجدي والمسؤول للحكومة مع مجموعة من القوانين التنظيمية الأساسية والتي تستكمل البناء المؤسساتي للدولة خاصة على مستوى السلطة القضائية وبعض الإجراءات الأخرى المصاحبة لها،و ذلك من خلال عدم إنجاز القانون التنظيمي المحدد لانتخاب وتنظيم سير المجلس الأعلى للسلطة القضائية،بالإضافة إلى عدم إنجاز القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية،وعدم إنجاز القانون التنظيمي المحدد للنظام الأساسي لرجال القضاء بالإضافة إلى عدم إنجاز القانون التنظيمي المحدد لشروط ممارسة الدفع بعدم دستورية القوانين وعدم توفير الإمكانيات اللازمة لضمان الاستقلال الإداري والمالي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية زيادة على عدم إصدار القوانين المتعلقة باستقلال القاضي والتعويض عن الضرر القضائي وتطوير الإطار القانوني المنظم لمختلف المهن القضائي ،كما ترى المذكرة أن الأغلبية لم تبادر إلى إنجاز القانون التنظيمي الخاص بعمل الحكومة و نفس الشيء يقال حول القانون التنظيمي الخاص بطريقة تسيير لجان تقصي الحقائق وهو ما عطل هذا الاختصاص المنوط بالبرلمان لسنة كاملة الحوار الاجتماعي. ولم يفت المذكرة أن تشترط مجموعة من النقط التي ينبغي أن يأخذها التعديل الحكومي المرتقب بعين الاعتبار، وتتجلى في رفع تمثيلية النساء داخل الحكومة على ألا تقل عن 20 في المائة ،وكذا ضمان تمثيلية الأقاليم الجنوبية في الحكومة ،وتقليص العدد الإجمالي للحقائب الوزارية وإعادة توزيعها في شكل أقطاب منسجمة ومتكاملة زيادة على عدم تقسيم الوزارة الواحدة بين أكثر من وزير أو حزب )إشارة ضمنية إلى رغبة شباط في حيازة وزارة المالية لحزبه وإبعاد الوزير المنتدب إدريس الازمي)، وذلك حتى يسهل ترتيب المسؤولية،وكذا التقيد بعدد المقاعد النيابية المحصل عليها كقاعدة وحيدة لتوزيع القطاعات الحكومية. بعد هذه الإطلالة السريعة على المذكرة/ الزوبعة، يمكن القول إن المطالبة بتعديل حكومي يبقى حقا مشروعا يمكن أن يعطي نفسا جديدا للعمل الحكومي وتطوير العمل المشترك بين مكونات الأغلبية و يمكن أن تكون له انعكاسات جيدة على عمل الحكومة وعلى مستوى الوفاء بالتزاماتها ، وذلك شريطة الأخذ بعين الاعتبار انتظارات الشعب المغربي والابتعاد عن الحسابات السياسوية الضيقة لان المصلحة العامة بقى فوق اعتبار، فهل ينجح سياسيونا في تحقيق مطالبنا أم أن لهم آراء أخرى؟ رضوان خليفات لبريس تطوان