انتشر في الآونة الأخيرة، بين صفوف الشباب المغربي ما يُعرف بمُخدّر "البوفا" أو ما يسميه البعض ب"كوكايين الفقراء"، وهو عبارة عن بقايا مخدر الكوكايين التي يتم طهيها على نار هادئة مع مواد كيميائية من بينها الأمونياك حتى تتحول إلى مادة شبيهة ببلورات الكريستال. وعلى الرغم من تحذير نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي من انتشار هذا "الخطر الداهم" بين الشباب، خاصة بعد تداول عدد من الفيديوهات تكشف مخاطر هذا المخدر، إلا أن السعر المنخفض لمخدر "البوفا"، الذي لا يتجاوز 50 درهما للغرام الواحد، يدفع الشباب المُدمن على تعاطيه، ممّا يُورّطهم في الإدمان المباشر، ويجعلهم غارقين في تأثيره السلبي عليهم.
وتفاعلا مع الفيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي، انطلقت عمليات أمنية مكثفة بهدف تجفيف منابع تهريب وترويج المخدرات والمؤثرات العقلية بمختلف أنواعها، وعلى رأسها مخدر "البوفا".
وطالبت عدّة فعاليات مدنية وحقوقية، من انتشار ظاهرة تعاطي مخدر "البوفا" بشكل واسع بمحيط المدارس بالنظر لسهولة استمالة التلاميذ إليه، انطلاقا من سعره المنخفض.
في هذا الصدد، يقول الناشط الحقوقي، ونائب رئيس شبكة القرويين للتنمية والحكامة، فيصل لحلو، إن "تعاطي المخدرات من الظواهر التي تحضر في المجتمعات بشكل عام في مختلف الطبقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إذ تتعاطى عموما كل طبقة المخدرات التي تتناسب مع ثقافتها ومع قدرتها الاقتصادية التي تسمح لها بمواكبة التعاطي لهذا المخدر أو ذاك".
ويضيف لحلو، في حديثه ل"الأيام24″، أن "مروجي المخدرات يقتنصون الأشخاص الذين يشعرون بنوع من النقص الذاتي، كما يطور مروجي المخدرات ومصنعيها هذه المخدرات لتتناسب مع التطورات التي تعرفها المجتمعات على مختلف الأصعدة. ممّا يكشف لنا عن أنواع مُستجدّة من المخدرات بعد كل فترة زمنية معينة، هذا التجديد يدفع إلى استقطاب فئات جديدة وتشجيعها على إدمان هذا المخدر الجديد".
"يُعتبر مخدر البوفا أو الكراك -وهو الاسم العالمي له- أحد المخدرات الخطيرة على الصحة الجسدية والنفسية والعقلية للمتعاطي، بسبب أنه يُسرّع لديه الإحساس بالنشوة والاستمتاع، وفي نفس الوقت يجعله في حاله شعور بالفراغ بشكل أسرع، مما يدفعه إلى التفكير في تكرار تعاطيه مرة أخرى، للحصول على النشوة المضاعفة، الشيء الذي يرفع نسبة متعاطيه بسرعة، مُقارنة مع باقي أنواع المخدرات"، يوضح الناشط الحقوقي.
أما فيما يخص كُلفته الرخيصة، يضيف لحلو بالقول: "ظاهريا يبدو رخيصا من الناحية الاقتصادية، إلا أنه يصبح ذا تكلفة اقتصادية مرتفعة، ذلك أن قوة الإدمان عليه تدفع إلى ضرورة تعاطي نسبة كبيرة منه خلال اليوم الواحد؛ لذلك نجد العديد ممّن يتعاطى هذا المخدر يشتكي من تجاوز كلفة التعاطي 3000 درهم يوميا وهو ما يتجاوز الإمكانيات المادية لفئات عريضة من المواطنين".
وفي السياق نفسه، كشف لحلو أن أبرز الأسباب الكفيلة بتعاطي بعض الشباب لهذا المخدر الخطير، تكمن في "انعدام شعورهم بالرضا عن الذات وعن المحيط، في ظل غياب إنجازات ذاتية مرضية بالنسبة لهم، وكذا عدم وجود علاقات اجتماعية قوية تدعم الأنا وتجعلها راضية عن ذاتها في مختلف مستويات وجودها، حيث تملأ المخدرات الفراغ الذي يشعر به الشخص سواء على مستوى تفكيره أو مشاعره أو نظرته لذاته أو لمحيطه".
ويؤكد المتحدث نفسه، أن "مواجهة المخدرات عموما، ومخدر البوفا على وجه الخصوص يستدعي وضع استراتيجية متكاملة ومتداخلة تمس كافة المستويات، وتشمل كافة المُتدخّلين، انطلاقا من الأسرة والمدرسة سواء على مستوى تكوين الشخصية القوية المستقلة المعتزة بذاتها وبمحيطها أو على مستوى التدخل الاستباقي المتمثل في التوعية والتحسيس بخطورة التعاطي للمخدرات عموما ولهذا المخدر على وجه الخصوص".
"الأمر يستدعي تدخل الإعلام بمختلف مستوياته وأشكاله (مكتوبا ومرئيا ومسموعا والكترونيا…) على اعتبار أنه الجهة القادرة على استثمار مجموعة من الموارد الجذابة القادرة على القرب من المتعاطي وإيصال الفكرة له من مداخل مختلفة ومتنوعة"، يضيف لحلو مستطردا: "مؤسسات المجتمع المدني أيضا لها دور في مواجهة هذا المخدر اعتبارا من قدرتها على توظيف مجموعة من الأساليب والطرق القادرة على الاحتكاك بالمواطن وإقناعه بخطورة هذا المخدر وضرورة الحذر منه أو الإقلاع عنه".
وأبرز لحلو، بأن تدخل كافة المؤسسات لن يُغني عن "تدخل المؤسسات الأمنية بمختلف مستوياتها التي لها الحق في معاقبة الخارجين عن القانون، من خلال صنع هذا المخدر أو الترويج له أو التشجيع على تعاطيه عبر رصد وتتبع الشبكات الإجرامية المتخصصة في العبث بعقول ونفوس المواطنين وتخريبها، والتي يمكن أن تساهم جهات أجنبية في تشجيعها"، مردفا بالقول: "إن كل تهاون من أي جهة قد يؤدي إلى خسارة هذه الحرب ووقوع في ما لا يحمد عقباه على حاضر وطننا ومستقبل شبابه".