Getty Images توجد المحسنات الغذائية، مثل الغلوتامات أحادية الصوديوم (MSG)، في بعض الأطعمة سريعة التحضير مثل الشعرية الصينية (النودلز) قبل عشرين عاما، لم يكن أحد قد سمع من قبل بمصطلح "الأطعمة فائقة المعالجة" - لكن حاليا، نصف الأطعمة التي يتناولها سكان المملكة المتحدة تندرج تحت هذه الفئة. من الخبز البني المقطع إلى شرائح، إلى الوجبات الجاهزة إلى الأيس كريم، هذا النوع من الأطعمة ينطوي على مستويات مختلفة - ولكن غالبا عالية - من المعالجة الصناعية. تقول البروفيسورة ماريون نِسل الخبيرة بسياسات الغذاء وأستاذة التغذية بجامعة نيويورك إن "الأطعمة فائقة المعالجة من بين أكثر الأطعمة التي يمكن أن تدر أرباحا على شركات الغذاء". ومع ازدياد استهلاكنا للأطعمة فائقة المعالجة - فالمملكة المتحدة واحدة من أكثر الدول استهلاكا لها في أوروبا - ترتفع معدلات الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري. بعض الأكاديميين يرون أن الصلة ليست من قبيل المصادفة. البروفيسور تيم سبكتر أستاذ علم الأوبئة بجامعة كينغز كولدج لندن متخصص في دراسة اتجاهات الأمراض. وقد أخبر البروفيسور سبكتر برنامج بانورما الذي يبث على تلفزيون بي بي سي بأنه "خلال العقد الماضي، كان هناك دليل متنام على أن الأطعمة فائقة المعالجة مضرة لنا بطرق لم تكن تخطر على بالنا من قبل. "نحن نتحدث هنا عن مجموعة متنوعة من أمراض السرطان والقلب والسكتات الدماغية والخرف". تحتوي الأطعمة فائقة المعالجة على مواد كيميائية تعتبر آمنة وفق اللوائح البريطانية المنظمة لهذا القطاع، ولكن برنامج بانورما أجرى تحقيقا حول أدلة علمية حديثة أشارت إلى وجود صلة بين بعض تلك المواد وبين الإصابة بالسرطان والسكري والسكتات الدماغية. في يناير/كانون الثاني الماضي، نُشرت واحدة من أشمل الدراسات التي تناولت الأطعمة فائقة المعالجة - وقد أجرتها كلية الصحة العامة بجامعة إمبيريال كوليدج - في دورية لانسيت الطبية. وجدت الدراسة التي أجريت على 200 ألف شخص في المملكة المتحدة أن الاستهلاك المتزايد للأطعمة فائقة المعالجة قد يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالسرطان بشكل عام، وبسرطاني المبيض والمخ بشكل خاص. وابتداء من الشهر الماضي، شرعت منظمة الصحة العالمية في التحذير من استخدام المُحلّيات الاصطناعية على المدى الطويل، قائلة إنه قد يؤدي إلى مخاطر صحية. يأتي ذلك في أعقاب عشرات الدراسات التي ربطت بين كثرة استهلاك الأطعمة فائقة المعالجة وبين زيادة احتمال الإصابة بأمراض خطرة. لكن إثبات أن مكونات بعينها تتسبب في أضرار صحية للبشر قد يكون أمرا صعبا - فهناك سلسلة من العوامل الأخرى في أنماط حياتنا التي يمكن أن تؤدي إلى الإصابة بتلك الأمراض. على سبيل المثال، عدم ممارسة أنشطة رياضية والتدخين وتناول أطعمة تحتوي على كميات عالية من السكر. * ما هي الأطعمة "فائقة المعالجة"؟ وما مخاطرها التي نجهلها؟ * الأيس كريم والبرغر "مرتبطان بالموت المبكر" من الأطعمة فائقة المعالجة الشائعة: * الخبز المقطع إلى شرائح والذي ينتج بكميات كبيرة وحبوب الإفطار المحلاة * الحساء سريع التحضير والوجبات المغلفة ووجبات الميكروويف * اللبن (الزبادي) المضاف إليه نكهات الفواكه * اللحوم المصنعة مثل شرائح فخذ الخنزير والسجق (المقانق) * الأيس كريم ورقائق البطاطس المحمرة والبسكويت * المشروبات الغازية وبعض المشروبات الكحولية - مثل الويسكي والجين والرم التحقيقات الأولية في العلاقة بين الوفاة والأطعمة فائقة المعالجة بدأت في فرنسا بجامعة السوربون كجزء من دراسة متواصلة في العادات الغذائية لنحو 174 ألف شخص. تشرح الدكتورة ماتيلد توفيير التي ترأست الدراسة قائلة: "لدينا سجلات غذائية على مدار 24 ساعة، حيث يخبرنا [المشاركون في الدراسة] بكافة الأطعمة والمشروبات التي يتناولونها". هذا البحث المتواصل نشر بالفعل بعض النتائج التي تظهر أن الأطعمة فائقة المعالجة قد تسهم في زيادة خطورة الإصابة بالسرطان. المستحلِبات - الغاية المنشودة لصناعة الغذاء ومؤخرا، ركزت الدراسة على تأثير مكون واحد بعينه هو المستحلِبات (Emulsifiers) التي تعمل على الحافظ على تماسك كافة مكونات الأطعمة فائقة المعالجة مع بعضها بعضا. وتعتبر المستحلبات هي الغاية المنشودة للقائمين على صناعة الأغذية، إذ إنها تحسن شكل وتركيبة الطعام وتساعد في إطالة مدة الصلاحية مقارنة بالأطعمة الأقل معالجة. Getty Images اللحوم المعالجة والخبز المقطع إلى شرائح والذي ينتج بكميات كبيرة وبعض أنواع الجبن من بين الأطعمة فائقة المعالجة شائعة الاستخدام * كيف نتفادى المخاطر الصحية "الخفية" لطهي الطعام؟ * النظام الغذائي المبني على أطعمة نباتية يقلل الإصابة بالنوبات القلبية تدخل تلك المواد في الكثير من المنتجات الغذائية، من المايونيز إلى الشوكولاته إلى زبدة الفول السوداني إلى منتجات اللحوم. وعندما تتناول طعامك، فإنك على الأرجح تستهلك المستحلبات كجزء من نظامك الغذائي. وقد اطلع برنامج بانورما حصريا على النتائج الأولية لدراسة الدكتورة توفيير. النتائج لم تتم مراجعتها وتقييمها بعد من قبل باحثين آخرين - أو ما يعرف بمراجعة الأقران أو النظراء والتي تعتبر خطوة حيوية بالنسبة للدراسات العلمية - لكن الدكتورة توفيير تقول إنها لا تزال مثيرة للقلق. وتضيف: "لاحظنا صلات لا يستهان بها بين كمية المستحلبات التي يتم تناولها وبين زيادة خطورة الإصابة بالسرطان بشكل عام - ولا سيما سرطان الثدي - وأيضا الأمراض القلبية الوعائية". يعني ذلك أنه تم رصد نمط يربط بين تناول الأطعمة فائقة المعالجة وبين خطر الإصابة بتلك الأمراض، لكن هناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث. ورغم تزايد الأدلة، فإن وكالة المعايير الغذائية بالمملكة المتحدة - التي تضع اللوائح والقواعد المنظمة لصناعة الغذاء في إنجلترا وويلز وأيرلندا الشمالية - لم تصدر بعد أمرا بتقليل استخدام المستحلبات. BBC الدكتورة ماتيلد توفيير وعندما طلب برنامج بانورما من الوكالة التعليق على تزايد الأدلة التي تشير إلى أن المضافات الغذائية قد تتسبب في ضرر صحي، قالت: "لم يقَدم لنا أي دليل - سواء من قبل هذا البرنامج أو غيره - على أن مستحلبات بعينها يُعتقد أنها تشكل خطرا على الصحة". لكن الوكالة أضافت أنها تعتزم إجراء استشارات عامة. هل من الممكن أن تكون صناعة الغذاء نفسها هي التي تعكف على مقاومة إصدار قواعد تحد من استخدام تلك المواد؟ أمضى فريق بانورما الأشهر الثمانية الماضية في التحقيق في هذا الأمر. "شركات صناعة الأغذية ليست وكالات للصحة العامة..فهدفها هو بيع منتجاتها"، على حد قول البروفيسورة نِسِل. وتضيف الخبيرة في سياسات الغذاء أنه من المعروف أن صناعة الأغذية تمول الأبحاث وترعى الخبراء وتقلل من شأن الدراسات التي تجرى في هذا الشأن لمنع صدور قواعد صارمة. معهد العلوم الحياتية الدولي (The International Life Sciences Institute) هو أحد الجهات التي تتلقى تمويلا من بعض أضخم شركات الأغذية في العالم. يقول المعهد إن هدفه هو "تقديم أبحاث علمية تحسن الصحة البشرية" - لكنه نشر في السابق دراسات تقوض من الإرشادات العامة حول النظام الغذائي الصحي. في عام 2012، شعرت وكالة سلامة الغذاء الأوروبية بقلق شديد إزاء حدوث تضارب في المصالح لدرجة أنها أصرت على أن أي شخص يعمل بها وله صلات بالمعهد يجب أن يستقيل من المعهد أو يترك الوكالة. البروفيسور ألان بوبيس، الأستاذ الفخري بجامعة إمبيريال كوليدج لندن هو أيضا مدير بدون أجر للفرع الأوروبي لمعهد العلوم الحياتية الدولي. لكنه يترأس كذلك مجموعة من العلماء من المملكة المتحدة يشكلون ما يعرف ب "لجنة دراسة درجة السمّية"، وهي لجنة تقدم استشارات لوكالة معايير الغذاء الحكومية حول مدى خطورة المواد الكيميائية الموجود في الأطعمة. أكثر من نصف أعضاء اللجنة على صلات حديثة بصناعة الأغذية أو صناعة المواد الكيميائية. وخلال الأعوام العشرة الماضية، لم تؤيد اللجنة فرض أي قيود على استخدام المضافات الغذائية في طعامنا. وقد أخبر البروفيسور بوبيس بانوراما بأنه لا يقدم استشارات مصممة بغرض أن تصب في مصلحة صناعة الغذاء، وأنه دائما ما "يلتزم بإجراء وتحديد أفضل الأبحاث العلمية..بغض النظر عن الجهة الممولة لها". أما وكالة المعايير الغذائية فقالت إن لديها "مدونة واضحة لقواعد السلوك..فيما يتعلق بإعلان المصالح"، وإنه "ليس هناك دليل" على وجود تحيزات أثرت على قراراتها. وقال المعهد: "نعمل داخل إطار من أرفع معايير النزاهة العلمية". * هل المحليات الصناعية أكثر صحية من السكر؟ إسبارتام: أحلى من السكر من بين أكثر المضافات إثارة للجدل في الأطعمة فائقة المعالجة المُحلِي المعروف باسم إسبارتام. هذه المادة تعادل درجة حلاوتها مئتي ضعف درجة حلاوة السكر، وقد روج لها بوصفها بديلا رائعا منخفض السعرات - ما أدى بدوره إلى الترويج إلى المشروبات السكرية والأيس كريم والحلوى التي كانت تعتبر في السابق غير صحية بوصفها منتجات "صحية". وقد طُرحت تساؤلات بشأن الضرر المحتمل لذلك المُحلِي خلال العقدين الماضيين. ثم قالت منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي إنه رغم كون الدليل غير قاطع، فإنها تشعر بالقلق من أن الاستخدام طويل المدى لمحليات مثل إسبارتام قد يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة ب "النوع الثاني من مرض السكري وأمراض القلب والوفاة". Getty Images يستخدم اسبارتام أحيانا في تحلية الأيس كريم في عام 2013، قررت الوكالة الأوروبية لسلامة الغذاء - بعد دارسة كافة الأدلة - أن إسبارتام آمن. وقد قبلت وكالة معايير الغذاء بالمملكة المتحدة هذا القرار. واطلعت لجنة دراسة درجة السمّية على دراسة أجريت على إسبارتام في عام 2013، وخلصت إلى أن النتائج "لا تشير إلى الحاجة إلى اتخاذ أي إجراء لحماية الصحة العامة". بعد ذلك بستة أعوام، قرر البروفيسور إريك ميلستون الأستاذ الفخري المختص بسياسات العلم بجامعة ساسيكس مراجعة نفس الدليل الذي قامت الوكالة الأوروبية بدراسته لمعرفة الجهات التي مولت الدراسات المختلفة. اكتشف البروفيسور ميلستون أن 90 في المئة من الدراسات التي دافعت عن تلك المادة مولتها مؤسسات كيميائية ضخمة تُصنّع إسبارتام وتبيعه. ووجد أن كافة الدراسات التي أشارت إلى أن اسبارتام ربما يتسبب في ضرر صحي مولتها مصادر غير تجارية مستقلة. وقال متحدث باسم الاتحاد الفدرالي لمصنعي الأغذية والمشروبات ل بي بي سي إن الشركات "تأخذ صحة المستهلكين وسلامة الأغذية التي تنتجها على محمل الجد، وتلتزم بالقواعد الصارمة" في هذا الشأن. وتقول وكالة المعايير الغذائية إنها سوف تنظر في تقييم منظمة الصحة العالمية المتواصل لإسبارتام. وتقول الحكومة البريطانية إنها على دراية بالمخاوف المتنامية من الأطعمة فائقة المعالجة، وإنها أمرت بإجراء مراجعة للأدلة التي تشير إلى احتمال تسببها في أضرار صحية.