بعد إعلان روسيا عن شروعها في الاستعدادات لزيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى روسيا، التي لم يتم الاتفاق على مواعيدها بعد، يبدو جليا أن النظام الجزائري يضم موسكو أيضا إلى قائمة الدول التي يحاول جذبها إليه عبر ورقة الصفقات التجارية وتجاوز شغل استيراد الأسلحة الروسية المساحة الأكبر. فهل تنجح الآلة الجزائرية في ذلك؟ تداولت منابر إعلامية، عن مصادر برلمانية جزائرية، أنه من المتوقع أن الجزائر تسعى من هذه الزيارة إلى التوقيع على اتفاقيات في الاقتصاد والتجارة والصناعة الحربية، وبدل الاقتصار على الجانب العسكري والتسليح كما كان سالفا. وكانت العلاقات بين الجزائر والاتحاد السوفييتي قد شهدت تراجعاً كبيراً في تسعينيات القرن الماضي، إثر الحرب مع الجماعات المسلحة في الجزائر وانعدام الاستقرار في روسيا في أعقاب تفكك الاتحاد السوفييتي، الذي أدى إلى تراجع مكانة العالم العربي على سلّم أولويات السياسة الخارجية الروسية. وفي بداية العقد الأول من القرن ال 21، بدأت الجزائر تعيد علاقاتها مع الجانب الروسي إلى النمو. إذ قام الرئيس الجزائري الراحل، عبد العزيز بوتفليقة، بأول زيارة رسمية لموسكو في إبريل 2001، والتي انتهت إلى توقيع بيان الشراكة الاستراتيجية. وفي عام 2006، قام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بزيارة للجزائر أسفرت عن توقيع اتفاق شطب الديون الجزائرية أمام الاتحاد السوفييتي السابق، ما فتح الطريق أمام الدفع بالتعاون العسكري – التقني واسع النطاق. وعلى إثر ذلك، حصل الجيش الجزائري على أحدث المروحيات والطائرات الحربية الروسية، وكذلك على غواصات ووسائل دفاع جوي، بقيمة تفوق 15 مليار دولار.
إلا أن مسار التوافق هذا وصل المنعرج مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، إذ عرف الموقف الجزائري تغيرات كثيرة. خاصة منذ نهاية نونبر الماضي، حين خضعت الجزائر لمسار التكيف مع الضغوط الغربية، بدءا بالمناورة، ومرورا بالانحناء للعاصفة، وصولا إلى خيار تقديم امتيازات لدول غربية، بقصد كسب دعمها للتخفيف من الضغوط الأمريكية والأوربية، كما أوضح المحلل السياسي المغربي، بلال التليدي، في مقالات سابقة له.
ففي 29 نونبر 2022، أجّلت الجزائر مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا، ما فسرته وسائل الإعلام وعدد من المراقبين، على أنه استجابة جزائرية لضغوط الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوربية من أجل التراجع عن دعم روسيا في سياق الحرب الأوكرانية، ولمنع إجراء صفقة عسكرية مع روسيا بقيمة 17 مليار دولار. كما قدمت الجزائر، في سياق تدبير أزمتها مع كل من المغرب وإسبانيا، تنازلات لفرنسا لكسب موقفها المساعد في التخفيف من الضغط الأمريكي والأوروبي على خلفية التحالف مع روسيا في المنطقة. وذلك في الوقت الذي كانت تراهن فيه روسيا على الحفاظ على دعم الجزائر المتبقي بعد اصطفاف جل دول العالم ضدها. كلها تحولات جعلت الجزائر أمام تحديات سياسة خارجية في العلاقة مع موسكو والغرب، ذلك أن ما تقوم به من تقديم امتيازات لكل من روما وباريس ومحاولة استعمال ورقة «البديل لموسكو الذي سيخفف المعاناة عن أوروبا في موضوع الغاز» يدخل الشك إلى علاقتها مع موسكو.