يستعد المغرب لدخول عصر الصناعات العسكرية في سياق دولي مضطرب تحكمه صراعات جيوسياسية واستراتيجية متشعبة، سعيا إلى تحقيق اكتفائه الذاتي وتقليص قاعدته الاستيرادية من الأسلحة الدفاعية، إذ تستهدف الرباط "التصنيع الحربي" من أجل حماية أمنها القومي، بحيث تراهن على الشراكة الأمريكية من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية، بعدما اشتعلت النزاعات بوتيرة متصاعدة في "المناطق الساخنة" بالقارة الإفريقية. وفتحت المملكة أبوابها للتصنيع العسكري المحلي أمام الشركات والمستثمرين من أجل نقل الخبرات والتجارب، قصد إرساء صناعة عسكرية محلية خاصة بالمغرب، خاصة في مجال الطائرات المسيرة والذخيرة. وفي غضون ذلك أبدت شركات الدفاع الإسرائيلية عن استعدادها لعقد صفقات مع المغرب لبناء مصنعين لطائرات بدون طيار. حيث ستسمح هذه الاتفاقات بتصنيع طائرات "درون" لجمع المعلومات الاستخباراتية بتكلفة منخفضة نسبيا.
الخيار الاستراتيجي بالنسبة للمغرب كان جليا عبر تشريع القانون 10.20 المتعلق بعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة، إذ يقول عبدالحفيظ السعيدي أستاذ العلوم السياسية الذي تمت المصادقة عليه من طرف البرلمان المغربي بغرفتيه سنة 2020، بالإضافة إلى المرسوم التطبيقي المتعلق به، الذي حدد بشكل مفصل شروط التصنيع والاستيراد والتصدير للمعدات والتجهيزات العسكرية، وفتح المجال لأول مرة للمستثمرين والشركات المتخصصة من أجل اقتحام هذا المجال الحساس والحيوي تحت إشراف اللجنة الوطنية لعتاد وتجهيزات الدفاع والأمن والأسلحة والذخيرة.
وأضاف في حديثه ل"الأيام24″ أن المغرب يرمي من وراء مشاريع التصنيع المحلي للأسلحة، أولا التقليل من تكاليف صفقات التجهيزات العسكرية التي تستنزف ميزانيات مهمة، بسبب الأوضاع الجيو-سياسية المتوترة وغير المستقرة إقليميا ودوليا، ثانيا تعزيز القدرة الدفاعية المملكة.
واعتبر دخول المغرب بقوة في مرحلة التصنيع المحلي للمعدات العسكرية، هو تحول استراتيجي يندرج في إطار توجهه الاستراتيجي من أجل تحقيق ثلاثة أهداف أساسية على الأقل؛ أولها تعزيز الأمن القومي ومواجهة المخاطر المحدقة بالمغرب".
هذا التحول، يقول المحلل السياسي إنه يتماشى وصفقات التسلح التي دشنها المغرب في الشهور الماضية والتي قلبت كل المعادلات الجيوسياسية والاستراتيجية في منطقة المغرب العربي، وأعادت التوازن العسكري بين الرباط والجزائر والتي أنهت الأوهام والأطماع الإنفصالية في الدخول إلى المناطق العازلة. وهذا الوضع الجديد دفع المغرب إلى التفكير في تصنيع الطائرات المسيرة في المغرب، حيث سيتم التركيز فيها على خاصيتي الهجوم والمراقبة لجمع المعطيات عن بعد.
وتعمل تل أبيب والرباط حاليا على مشروع لتصنيع طائرات "كاميكازي" بدون طيار في المغرب. وتعتبر إسرائيل أحد المصدرين الرئيسيين للطائرات بدون طيار، ولدى شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية (IAI) أكثر من 50 عميلا تشغيليا حول العالم.
وكان عبد اللطيف لودي، الوزير المنتدب لدى الحكومة المكلف بالدفاع الوطني، قد أكد يوم السبت بمجلس النواب في جلسة حول مشروع ميزانية الدفاع لعام 2023، أن المغرب يمتلك برنامجا يهدف أولا إلى إنشاء صناعة عسكرية بشكل تدريجي، تبدأ بمشاريع الصيانة وإنتاج الذخيرة الحية، ثم الانتقال إلى صناعة عسكرية متمثلة في صناعة الطائرات بدون طيار.
وأضاف لودي في هذا السياق، أن مشروع إنشاء مصنع متخصص في صيانة الطائرات العسكرية قد تم إسناده إلى شركة دولية متخصصة، مشيرا إلى موقع المصنع سيكون في منطقة بنسليمان بشمال مدينة الدارالبيضاء، وهو أول المشاريع في برنامج وزارة الدفاع الوطني.
وكان عبد اللطيف لودي قد وقع خلال الشهور الماضية اتفاقية مع شركة "لوكهيد مارتن" الأمريكية لإنشاء وحدات صناعية لصيانة وتطوير الطائرات العسكرية بما فيها مقاتلات "إف 16" المستخدمة من طرف القوات المسلحة الملكية المغربية.